موظف شريف..
تغير مزاجه كليا. يعرفه الجميع بصمته وصبره. يصغي بشكل جيد لكل مشاكل زملائه. يتناقش في جميع القضايا الاجتماعية. واثق من نفسه بشكل كبير. اليوم وجدته على غير عادته. شعور بالغضب هجم عليه فجأة. سمعته يقول بصوت لا يخلو من نبرة اليأس القاتل:
- الجزائر أضحت بلدا بلا ضمير..
قلت له:
- تقصد بكلامك أهل الجزائر عزيزي..
جاءت ردة فعله مباشرة:
- أجل هم الجزائريون الذين يدعون أنهم أهل الإسلام..
أخرجت علبة سجائر من جيبي. تناولت سيجارة. أشعلتها دون تردد. عاد الدخان منطلقا إلى أعلى. نظرت إلى ملامح وجهه البائسة مرددا:
- ما خطبك اليوم؟! لهجتك تغيرت كثيرا..
بعد برهة صمت أجابني يقول:
- يتهمني المسئول بتزوير وثيقة إدارية مقابل حصولي على مبلغ مالي.
لم أستغرب ما حدث له وقلت:
- في بلدنا هذا ليس هناك سوى الكوارث. في الأسبوع الماضي سمعت عن نفس قصتك تماما حيث اتهمت احدى المؤسسات موظفا بسيطا بتهمة تزوير الوثائق كونه يملك محلا للإعلام الآلي.
سارع مرددا بنبرة خوف:
- هل.. هل تم توقيفه؟
- قامت مصالح الأمن بجملة من التحريات وفي نهاية المطاف لم يجدوا شيئا يدينه.. بل هو لا يملك في الأصل حتى سكنا اجتماعيا..
- أتقصد أنه...؟
- أجل هو مجرد ضحية عزيزي..
تركته وحيدا يفكر بما حدث له وما يحدث لمن حوله من عامة الناس. ثم توقفت للحظات بعد خطوات متثاقلة. التفت إليه وقلت بنبرة لا تخلو من الثقة:
- هل تعرف.. عزائه الوحيد في هذه الحياة هو أنه موظف شريف..
واصلت طريقي بعدها مفكرا بدوري في مسألة الشرف التي أصبحت ضريبة يدفعها كل جزائري يرفض أن يسلك متاهة الدروب الوعرة، بينما هناك آخرون يسلكونها تحت راية البقاء للأقوى، لا لشيء لنشوة نصر تسكن ضمائرهم الميتة.
وسوم: 638