لماذا؟

تنظر في شتى الاتجاه ، زحام وزئير..ناء كتف أبيها بحملها ..

يشرع بوضعها على الأرض.. يتراجع .. تبحلق في السماء منذهلة ..  بحر الناس لاشطآن له .. تداعبها سيدة .. تتحرك بصعوبة وعنت .. بيدها اليمنى عَصَى من خشب الأبنوس تتوكؤ عليها ، وبيدها اليسرى راية .. شفتاها مزموتان ..عيناها تحتميان بنظارة إطارها من البلاستيك الجاف .. فوق رأسها طرحة وشال .

تصرخ بصوت مبحوح :

ـ  يسقط الظلم.

تردد خلفها البنت التي على كتف أبيها .. يشغلني المشهد ..

تزاحم مخيلتى  صورة الجندي.. شفاه غليظة جافة .. أنف أقني ، ونظرات تتحدى.. فوق رأسه،خوذة من البلاستيك والحديد والإسفنج ..أشبه ما يكون بالروبوت ،

يزمجر كالماكينة الخربة حينما يتحرك،  بعضهم ينظر إليَّ مُوَبِّخـًا ، فأعتذر ، فأنا لم أترصد الاحتكاك بأحد،عرجت إلى الصينية الموجودة بالوسط،أتجول بين الخيام،أجده متربعًا على الأرض،يضع رأسه بين كفيه، يتأمل الأرض أسفل قدميه، أجلس قبالته بذات هيئته .

تخفت نبراتى:

- المَيْدَان مليء بالناس ...كأنني أشجعه على البَوْح فيقول:

- زوجتي تطلب الطلاق.

أقول وقد لحقت بي المفاجأة: النظام سيسقط.

يستطرد متوجعًا : صاحب المطعم قال: ما لك عندي عمل.

أفضى بصوت معتدل:

- يشب الطفل الصغير فوق الأكتاف كالأسد.

يصيح:

- يا مشير قول الحق ، أنت معانا ولا لأ.

يرتل متناجيًا مع حيرته:

- مراتي على وش ولادة ومش عارف إيه الحل؟

ينحرف ليمد قدميه بعيدًا،يفرد ظهره على الأرض،يشبك كفيه أسفل رأسه،ثواني

ويغلبه النعاس ، تؤرقني الحكايات ،تئد السكينة، يشلني الظلم،لا أملك سوى الكلام،وكأنني فى سوق عكاظ ، وكأن في لَيّ الشفاه الترياق، مليون قصة وآه ، والآذان لا تنصت إلا لموزون الكلام.

- ألم تلج مسرح الغواية.

- ألم تزر مقاهي النفوس؟

تتداخل الأصوات:

- بريئ يا بيه.

- لا تدعوه يفلت .

- الولادة القيصرية بخمسة آلاف جنيه.

- اعتذر وإلا...

- ما تبصليش بعيون رديه وبص للي ادَّفَع فِيَّا.

- تلكس يا أسطى .

- أنت أعمى؟

- ابجني تجدني .

ينتفض بدني ، يَدْبِق العرق جبيني ، أنتبه رويدًا رويدًا،دائرة من الشباب تحيط بي، عجوز يمسد جبيني،يتمتم بحروف ودعوات، مهزولًا أنا منطفئًا في القاع،تهتز الأرض أسفل جسدي،ما بين الإغفاءة والإفاقة مائة عام أو يزيد،أستند

على بقيتي،أحمل رأسي فوق كتفي،لأول مرة أشعر أنها ثقيلة.

- أيمكن لرأس أن لا تتحلل بمنقوع أحماض مختمر منذ خمسين سنة؟

- حمض المبني للمجهول المركز حلل الخلايا.

أتحرك ببطء،صبي لم يتجاوز سنواته العشر يقف كوتد من فولاذ،يفرد فانلة متماوجة بالدماء، اللون القاني أسفل الرقبة من

الأمام،والبرتقالي أقصى اليسار،وجه الولد مدور وبشرته رائقة،ولكن فى عينيه بركان،تتوكأ أمه على كتفيه،تكتسي بالسواد،يرتدي الفتى الفانلة،تحاول منعه،تصميم الولد يغلبها،على مقربة من هذا المشهد خمسة رجال أو أكثر يتسربلون فى أكفانهم،كأنهم موتى يؤدون مهمة مؤقتة،وسيعودون حتمًا إلى مقابرهم،لا يتحدثون مع أحد،الصمت يكتنفهم،الآن أيقنت أن للموت حضورًا ورهبة،يطوفون بصينية الميدان، درت معهم دورتين،اكتشفت وجود العشرات منهم،فحصت الأرض بحثـًاعن المقابر،أو عن  صوت نسائي يَشِعّ.

وسوم: 641