أقدام إسرائيلية
صوت انقضاض إف 16 أنذر بصاروخ ، وفي ثوان اهتز المسجد وتطاير زجاج بعض نوافذه . بدا المصلون في صمم وذهول ، وانقطع صوت الإمام الشاب ثواني ، ثم استأنف تلاوة سورة " التين " . فر عدد من المصلين القلائل ، وتضام العدد الباقي خطا قصيرا خلف الإمام . أي بيت محاه الصاروخ ؟! صوت الطائرة لا يزال في جو المنطقة . أي هدف تالٍ ستقصف ؟! جلسة التشهد كانت قصيرة . بدأت الركعة الثالثة . صوت اندفاع جديد للطائرة المتوحشة . انفجر صاروخ ثانٍ اهتز به المسجد الجميل الحديث اهتزازا أعنف وأخوف من اهتزازه الأول . ماذا قصفت المجرمة ؟! بعض المصلين عاد اليوم إلى الحي من مراكز اللجوء ، وبعضهم ممن لبث فيه بعد أن بارحته أسرهم . لعلهم ندموا على عودتهم إليه وبقائهم فيه . الخطر ماحق طائش لا يستثني شيئا أو أحدا. العدو فقد عقله . الشارع مظلم بعد صلاة العشاء . رائحة انفجار الصاروخ مختلطة بالغبار في نداوة أول الليل . هتف مفجوعا من يتقدمنا بحوالي عشرة أمتار : تعالوا ! تعالوا !
أسرعنا . كان يضيء المكان بهاتفه . لطم صفحتي رأسه بيديه وردد : جمعة وزيد ! جمعة وزيد !
راينا جثتين يمين الأسفلت . صدم قلبي وسمعي صوت احتكاك حذاء بدم . واستل أكرم مصباحا كهربيا صغيرا من جيب بنطلونه . جثة بلا رأس وجثة مبقورة الظهر . من المصلين الذين فروا من المسجد . وجه أكرم المصباح إلى شجر الزيتون يمنة الشارع ، وهتف سالم : في الزيتون واحد .
اندفعنا إليه . صوت توجعه خافت . مازال حيا . أحمد ، طالب في الجامعة الإسلامية .
قال موسى جاريا مبتعدا : سأحضر دراجتي .
وفي دقائق وضعنا أحمد خلفه وركب محمد ثالثهما للإمساك به وتثبيته في الطريق إلى مستشفى الأقصى . وحملنا جثتي جمعة وزيد بعد مشاورة سريعة إلى مضافة أسرة أكرم المفصولة عن البيت . غطيناهما ببطانيتين ، وأغلقنا باب المضافة . أجمعنا على أنه لا مقام لنا في الحي ، والأخبار تتحدث عن تواجد قوات برية إسرائيلية في طرف المنطقة الشرقي ، تواجهها مقاومة متفرقة . واعتزمنا العودة في الغد إن لاءمت الحالة الأمنية لندفن جمعة وزيد في مقبرة المنطقة . أول الغد بدت المنطقة هادئة إلا من قذائف متقطعة للدبابات الإسرائيلية . رجعنا عشرة من الحي . فاجأنا تحطيم باب المضافة . دخلناها متتابعين ، وكانت المفاجأة الكبرى : ثقوب رصاص كثيرة في البطانيتين . تناثرت بيننا النظرات صامتة مستفهمة .وخرج اثنان ، ونادانا عمر : يهود كانوا هنا .
خرجنا إلى حيث يتفحصان التراب ، وأشار عمر إلى آثار أقدام ، وترجم موسى دلالة إشارته قائلا : أقدام إسرائيلية .
وسوم: العدد 651