منشِّط من أجل صديقي العزيز
في سهرتنا بالأمس عند أحد الأصدقاء كان هناك خليط غير متجانس من ذوي المهن المختلفة ، والمستويات العلمية المتباينة ، لهذا لم أستغرب أن ينفرد كل اثنين أو ثلاثة بتبادل أطراف الحديث ، حتى ضجت الصالة بالهمس ، وهذا الهمس لم يلبث أن تحول إلى ضجيج نشاز يخرق الأذن ويثير الضجر ، لهذا فكرت أن أجمع شتات الساهرين في حوار هادف ، فاستأذنت صاحب الدعوة ، وبدأت الحديث بنبأ طبي طريف عن تجربة جرت مؤخراً في بلاد العم السام لجعل الرجل يحمل ويلد بدل المرأة ، فأثار حديثي عن تلك التجربة الشاذة الكثير من الاستهجان والتعليقات الساخرة التي جعلت الصالة تضج بالضحك !
ومن التجربة الشاذة انتقل بنا الحوار إلى موجة الشذوذ التي شاعت هناك ، في الغرب ، خلال السنوات الأخيرة ، وتجاوزت في غرابتها كل الأعراف والتقاليد والحدود ، حتى اختلط الحابل بالنابل ولم يعد المرء قادراً على التمييز بين الرجل والمرأة ، بعد أن أصبح الرجل يطيل شعره ويعمل منه ضفائر ، ويلبس التنورة ، ويزين صدره بالقلائد ، ويعلق في أذنيه الأقراط ! وأصبحت المرأة بالمقابل تلبس البنطلون والكارافتة وتقصر شعرها كالرجال !
وهنا انبرى أحد الحاضرين فأدلى بدلوه وقال :
- إن تلك الموجة من الشذوذ ليست سوى نتيجة حتمية لحمى المخدرات التي انتشرت هناك ، فزادت الطين بلة !
وانبرى آخر فأضاف :
- كلامك صحيح ، ولكن لا تنسَ دور المنشطات الجنسية التي شاعت هناك أيضاً ، وجعلت الإنسان مجرد كتلة من الغرائز المحمومة التي تطلب إطفاء النار بأية طريقة ، حتى وإن كانت شاذة !
وهنا ، عند ذكر المنشطات الجنسية ، خرج عن صمته واحد من الحاضرين قد اشتعل رأسه شيباً ، فسألني عن طبيعة هذه المنشطات ، فأثار سؤاله موجة من الابتسامات المكتومة ! وابتسمت بدوري لأني شعرت بأن في رأس صاحبنا موالاً !!!
وأردت أن أثير فضول صاحبنا فذكرت قصة العقار المنشط الجديد الذي شاع استخدامه مؤخراًهناك، وقالوا إنه يعيد الشيخ إلى صباه ، ويجعل الشاب ( كازانوفا ) عصره بلا منازع !
وكما تقضي أخلاقيات المهنة فقد تعمدت أن لا أذكر اسم المنشط أمام الحاضرين خشية أن يشتريه بعضهم لاستخدامه بغير مشورة الطبيب ، فيقضي على مستقبله الجنسي !
وكم كانت مفاجأتي في صباح اليوم التالي كبيرة حين رن جرس الهاتف في عيادتي مبكراً على غير العادة ، وإذا ( صاحبنا ) على الخط ! وبعد السلام والمجاملات العابرة سألني عن اسم المنشط الذي حدثتهم عنه ، فلما سألته عن ( مشكلته ؟ ) سارع للدفاع عن نفسه ضد هذه ( التهمة الباطلة) حسب وصفه، وقال :
- أنا ؟! لا ، أبداً يا دكتور ، الحمد لله ، لا مشكلة عندي ولا ما يحزنون ! صاحبك والحمد لله مثل الحصان ! ولكنني أريد المنشط من أجل صديق عزيز جداً ، علمت بالأمس أنه يشتكي من ضعف جنسي شديد ، حتى كادت زوجته تطلب منه الطلاق بسبب هذه المشكلة اللعينة !
في سري ، ضحكت ، وقلت : اللعبة مكشوفة سلفاً ، فإن صاحبنا يريد أن يتشاطر عليّ، ويظهر نفسه بمظهر (كازانوفا) لا يشق له غبار في مسائل النساء ، ولهذا حوّل التهمة عن نفسه وألصقها بواحد من أصدقائه الوهميين !
ثم عدت فراجعت نفسي ، وتذكرت أن من واجب الطبيب أن يحسن الظن بمرضاه ، فلعل صاحبنا هذا صادق فيما يدعيه ولعل صديقه ( العزيز جداً ) واقع فعلاً بورطة مع زوجته قد تخرب البيت فوق رأسه ! لهذا عرضت على صاحبي أن يرسل لي صديقه ( العزيز جداً ) لأكشف عليه وأقرر ما إذا كان المنشط يناسبه أم لا ؟ وقلت له :
- طمّن بالك ، الكشف على صديقك سيكون مجاناً إكراماً لك .
فما كان من صاحبي إلا أن أبدى أسفه الشديد لأن صديقه ( العزيز جداً ) :
- لا يعيش هنا يا دكتور ، بل يعيش في مدينة نائية ، ويصعب عليه الحضور في الوقت الراهن، ويتعذر عليه الحصول على الدواء !
عندها تأكد لي أن في رأس صاحبنا ( موالاً ) وأن صديقه العزيز جداً ليس أكثر من حيلة لتحويل الأنظار عن المستفيد الحقيقي من المنشط !
ولم تنته القصة عند هذا الحد ، فإنني لم أكد أضع السماعة حتى رن جرس الهاتف مرة أخرى ، وجاءني صوت شخص آخر ممن شاركونا السهرة أيضاً ، وكما حصل مع الأول حصل مع الثاني ، فبعد السلام والكلام طلب مني محدثي اسم ( المنشط ) ثم اختلق لي حكاية مأساوية أخرى عن صديق له ( عزيز جداً ) وقال :
- إنه في أمسّ الحاجة لهذا المنشط وإلا أصبح في خبر كان !
وقبل أن أطلب من محدثي حضور صديقه ( العزيز جداً ) إلى عيادتي لأكشف عليه وأقرر ما إذا كان المنشط يناسبه أم لا ؟ قطع محدثي الطريق عليّ وقال :
- لولا أن صديقي هذا يعيش في بلد بعيد لأرسلته إلى عيادتك يا دكتور لتكشف عليه وتصف له المنشط الذي يناسبه ، ولكن للأسف ما باليد حيلة !
وهكذا .. استمر هاتفي في ذلك الصباح العجيب يرن مرة بعد مرة ، وفي كل مرة كنت أسمع نفس الموال من بقية أصحاب تلك السهرة، وكان الجميع يطلبون ( المنشط ) بحرص شديد ، ليس من أجلهم هم ، فإن صحتهم مثل الحصان ! ولكن من أجل صديق ( عزيز جداً ) يسكن في مدينة أخرى نائية ، ولا تمكنه ظروفه من المجيء إلى العيادة !
وسوم: العدد 651