هوس
يكوي شرر الصيف الجباه ، تكفهر الوجوه ضيقاً ، يتماوج غناء عم " سيد " :
- أحسبك ملاكا .. طلعت شيطانا .
تزحف عربة النقل المُتطرحة جبل البطيخ مُتراجعة. تركن في جلبة الزحام ، بشتت( جمال) المُلتفين حول المغنى ، تتكاثف الأصوات الزاجرة ، يتناقل المعلم عبد العال- الشهير بالعُمدة – نظراته يميناً ويسارا ، يُلاحظ تعتيق العربة، يتقافز جمال مُُراقباً التهاون، لم يتريث " عطوة " لحين انصراف السيارة يعتقد أن الطريق يتسع لانسلال عربة الطماطم الحُبلي، أخطأ السائق التقدير، يعافر ؛ دهس كومة البطيخ الشُرُك ، يسعى العُمال لاحتواء الأزمة ، لمح العُمدة آيات الهرج والمرج والتعصُب المكظوم ؛ نهض مُستكشفاً باعث الهمهمات ؛ راعه مشهد دماء البطيخ المُتراشقة .
سأل السا ئق :
- طماطم من هذه ؟ ؟
- نفخ " عطوة" أوداجه ، نفش ريشه صائحاً نيابة عن السائق :
- الحاج عُمران .
شب جمال قابضاً على رقبته المعروفة ،أهتاج العُمدة صفع عطوة بجنون ، أمر بحبسه في غـُرفة الميزان جزاءاً وفاقاً ، زاحمته المشاهد :
{ نسر أنهكه الطيران ينتحي أسفل شجرة ، يلتقط أنفاسه ، يناوشه عصفور منسول الريش ، لا يلقي إليه بالاً ، يتمرجح متنمرا، يفاجئه ، يسحل عينيه ، تزقزق العصافير شامتة .}
ألتف الرجال حول سيارة الطماطم، أشبع جمال السائق ركلاً ، ألهب العُمال بسياط الانفعال ، دشن العُمال أهرامات البطيخ ، شخط العُمدة آمراً رجاله بإنزال أقفاص الطماطم ودلقها ، يتجمهر المتفرجون . صعد أحدهم العربة ، دهك – في لمح البصر – أطنان الطماطم .. يهرعون لجلب الأسلحة تأهباً . يستنهضون الجنازير والسيوف والنوابيت وصناديق المياه الغازية ، ينصبون المتاريس ، ينتشرون فوق العنابر ، يستدعي العُمدة أخوته تدعيماً ؛ يرتج السوق ، تتحزب الطوائف ، تنفض المزادات ، تشرئب الأعناق ، لم يجرؤ أصحاب البزات الرسمية على الاقتراب من عرين العُمدة، تباطأ الزمن ، تزيت الحياة رداء اختبار الوجود ، يٌطبق صمت مٌـتقلقل ، يتأد الحاج " عُمران " الخُطى ، يتوكأ على عصاه الغليظة المعقوفة ، تزدرد الحناجر أرهاصات التحفُز تعلو وجه ابتسامة فاترة، تكدرها صفرة المرض، تراوده حكاية :
{ النسر المُنبعج لا يستطعم إلا العصافير ، هجرت العصافير الأغصان ، سكنت الكهوف ، أضحت القرية عش مهول للنسر }
تتململ الأيادي ، يحاذي العُمدة ، تـُحف السبابات أزناد الطبنجات، تنتصب الشماريخ ، تضوي السكاكين ، يجُر أحد الكراسي الخشبية ، كرجت حباب مسبحتة الكهرمان ، يحث العُمدة على القعود ؛ تهدأ الأنفس الواجفة ، مازال المُسدس يقظاناً ، يقر الحاج " عُمران " :
- نحن أبناء عمومة لجد واحد .
بهت العُمدة، تأمل الوجوه المُحيطة ، يجز على نواجذه متفوهاً :
- عطوة قليل الأدب .
يسخر الحاج " عُمران " :
- يعملها الصغار ويقع فيها الكُبار .
أنفض الجمع المُنذهل ، غادر الحاج " عُمران " المحل مُستنداً على العُمدة، كاد العُمدة أن ينكب على وجهه. تغيب عن السوق . تباينت الأقاويل :
- يقول " عطوة " :
- سكن داراً للاستشفاء .
- يرتل جمال القائم بأعماله حديثاً :
- اعتكف في الخلاء يغازل السماء ويُلاطف الأرض طلباً للنقاهة .
- يسُر عم " سيد " المغنواتي :
- قطن حانة النوبي .
أكثرهم تزلفاً أدعى :
امتطى حماراً حروناً انقطع لجامه على حافة بئر مهجور .
مت بحمد الله
وسوم: العدد 674