يوميات عبد العيد .. في أيام العيد!
وضعته أمه في يوم عيد؛ وفطمته في يوم عيد؛ وتعلم على أيدي أهل الجدل، والمكر، والخديعة، والبهتان في يوم عيد! تزوج في يوم عيد؛ وأنجب ابنه(عيد) في يوم عيد، وطلّق في يوم عيد، ونال الدكتوراه في علم الحيل والدهاء في يوم عيد، وفصلته الجامعة في يوم عيد! وأوقع بين أبنائه في يوم عيد!
لغرامه، وتعلقه المجنون بالعيد؛ أطلق عليه الناس لقب(عبد العيد)!
شعاره في الحياة؛ بيت شعر مكسور؛ قال فيه:(قد عيّد الناس بالحلوى وباللحمِ/ أما أنا؛ فاحتيالي تغريدي وجرمي)!
فالأعياد؛ عنده بلا مواعيد، وبلا حصر؛ ففي كل يوم عنده عيد؛ بل عيدان؛لا؛ بل أعياد، وأعياد؛ حتى إنه اخترع لنفسه أعياداً؛ لا تعرفها البشرية! فهناك؛ عيد الوقيعة بين الأزواج! وهناك؛ عيد المواجع، وهناك؛ عيد السحر، وأعمال الشر! وهناك؛ عيد الطلاق العام! وهناك؛ عيد الشر الصغير! وهناك؛ عيد الدهاء الجلل! وهناك؛ عيد الأحزان الكبير! وهناك؛ عيد نبذ الخير! وهناك؛ عيد الأعياد الكئيب!
عندما؛ زفّت إليه زوجه/ أُم شرير؛ خبر إنجاب ابنته/ سقام؛ استبشر بها شراً على الناس؛ فسمى هذا اليوم؛ عيد السقام العظيم؛ وقال عنه نثراً: "سقام؛ زهرة تحمل إلى الدنيا السقام؛ فزفُّوها حرباً ضروساً على الحياة، والأحياء"!
تحدته لجنة المناقشة في الدكتوراه؛ أن يدلل عملياً على قدرته الواضحة؛ في الإيقاع، والدس، والحيلة؛ فأمهلته أسبوعاً؛ فلم يجد مفراً من التفريق بين أخته وزوجها! ولما نجح في ذلك؛ نال الدكتوراه بمرتبة الشرف!
في يوم من الأيام؛ تشاجرت امرأته مع أمه؛ ففرح أشد الفرح؛ وسمى هذا اليوم؛ عيد الشجار الطويل!
قبل الذهاب إلى صلاة عيد الأضحى؛ في إحدي السنوات العجاف؛ دخل إلى حظيرة المواشي؛ للاستمتاع بمنظر خروف العيد قبل نحره. وقبل أن يغلق عليه الباب؛ تذكر أن الشيخ/ عمر؛ خطيب المسجد؛ يطيل في خطبة العيد، ويطيل، ويزبد ويعيد، ويؤخره عن الإفطار بكبد الخروف الجميل! فاحتال؛ كعادته! ولمَ لا؟! وهو شيخ المحتالين في عصره! فقرر نحر الخروف قبل الصلاة؛ وبالفعل ذبحه؛ وسلخه، وأوقد عيه النار!
وأيقظ نور فؤاده؛ ابنته سقام؛ لكي تتابع عملية الطبخ! ولما ذهب إلى المصلى؛ وجدهم؛ قد فرغوا من الصلاة؛ ووجد الخطيب بدأ خطبته؛ فنهره قائلاً: كيف تصلون العيد من دوني؟! فأمامكم؛ خياران: فإما؛ إعادة الصلاة من جديد؛ وإما؛ الدعاء عليكم؛ بخراب بيوتكم! ولما كان الناس أعرف به، وبطرقه المعوجة؛ في الشر، والشرور، وعمل المحظور المنكور؛ فقد قاموا جميعاً وقوفاً؛ لإعادة صلاة العيد خلفه؛ امتثالاً، ورضوخاً؛ لتهديداته؛ فتركوا الخطيب وحده على المنبر يخطب العيد!
إلا أنه عندما عاد إلى داره؛ وجد الطامة الكبرى؛ فقد التهمت ابنته سقام كبد الخروف دفعة واحدة؛ فلم تبق له شيئاً! فزمجر عبد العيد؛ لما رأى المنظر الرهيب؛ فأمسك برأس ابنته يجرها إليه، وهو يعنفها بقسوة شنيعة؛ لكنها؛ وارثة المكر الأبوي؛ ضحكت قائلة: أبي؛ ترى؛ لو كنت مكاني، ماذا كنت فعلت إذن؟! فأجاب عبد العيد؛ بتلقائية؛ وبلا مكر: كنت أكلت كبد الخروف، يا مسكينة! فردت سقام عليه بالبديهة والحيلة: إذن؛ فلا تغضب مني؛ ياأيها المسكين الكبير!
لشهرته، وذكائه في حل الأمور الصعبة؛ قرر الحاج/ شحاتة؛ عمدة القرية؛ تعيينه قائماً؛ بأعمال نائب العمدة؛ في حل مشاكل القرية. لكن المشكلات؛ كانت تزداد؛ فاحتار العمدة؛ الذي ذهب بمفرده؛ إلى دار عبد العيد؛ فوجده مشتبكاً مع امرأته في مصارعة الأزواج اليومية؛ ففزع قائلاً: أتيت بك يا عبد العيد؛ لحل مشكلات الناس؛ فوجدتك تحتاج إلى من يحل لك خلافاتك مع زوجك! ولما رآه عبد العيد؛ هب واقفاً؛ وهو يقول: ما رأيته يا عمدة؛ لزوم تسخين؛ قبل الذهاب إلى الدوار؛ لحل المشكلات في الحال!
لكن العمدة؛ لم يقتنع بكلام عبد العيد،؛ فأصدر فرماناً بفصله من الوظيفة! فرفع عبد العيد؛ يديه إلى السماء؛ قائلاً: اللهم؛ إنك تعلم مدى ذكائي، وخبثي، وحيلتي، ومكري؛ اللهم؛ بقدرتك، وحولك، وجاهك العظيم؛ فافرق بين العمدة، وزوجه، واجعل طلاق العمدة حدث عيد الطلاق الكبير! وبالفعل؛ فلم يمر سوى أسبوع؛ حتى وقعت ملاحاة شديدة بين عائلة العمدة، وعائلة زوجته؛ فانحازت الزوجة لأهلها على حساب زوجها؛ فطلقها العمدة غيابياً!
استيقظ عبد العيد ذات مساء؛ وهو وجل يرتعد؛ خوفاً على نفسه؛ من ذهاب مهارته في الإيقاع بين الناس؛ فأراد تجريب نفسه في هذا الأمر المحبب إليه؛ فلم يكن أمامه من بد إلا الذهاب إلى بيت جاره محروس ثاني أيام عيد الأضحى؛ وهو يقول له: أين زوجتك يا رجل؟! فقال له محروس: إنها ذهبت إلى بيت أهلها للمعايدة عليهم. لكن؛ عبد العيد صاح فيه صارخاً: أنا؛ لا أريد أن أتكلم! إن الله حليم ستار! فانزعج محروس، وغضب غضباً عارماً؛ قبل أن يمسك بتلابيب عبد العيد، وخناقه! فقال له عبد العيد: لقد رآها بسيوني الحلاق، وهي تمشي بمفردها مع ابن عمها إبراهيم على ترعة القرية! فاستشاط محروس غيظاً، وفار الدم في دماغه، وعروقه؛ فحمل فأسه؛ وركض بأقصى سرعة إلى بيت عمه؛ وهناك؛ رمى على زوجته يمين الطلاق، وضرب إبراهيم بالفأس؛ فشج رأسه نصفين؛ فاقتادوه على الفور إلى المخفر!
عندما؛ تقدم الخُطّاب إلى سقام؛ للزواج بها؛ لم يختر لها عبد العيد؛ صاحب المال، ولا الجاه؛ ولكنه وضع شرطاً؛ فيمن يليق؛ لشرف الاقتران بكريمته سقام؛ صاحبة الموهبة العريقة في الدهاء؛ وهو أن يتفوق عليه شخصياً في الاحتيال! وبالفعل؛ كثر الخطاب؛ لكن سقام؛ لم تظفر بصاحب النصيب العريض؛ من الدهاء!
بعد مضي عام؛ وفي عيد الدهاء الجلل؛ زاره شاب فقير؛ حاد الذكاء، سريع الجواب، واسع التصرف، جميل المحيا؛ فلما رآه عبد العيد؛ أصابه من الذعر الكثير والكثير! فعرف؛ أن البلاء حل بداره؛ وأن معركة سقام حانت الآن؛ فجهز نفسه؛ بأسلحة الاحتيال؛ القديمة والجديدة؛ فلبس لبوس الحرب؛ ومضى إلى خصمه؛ وهو كالليث يمشي؛ وهو غضبان!
فابتدر الشاب؛ بنظرة استعلاء؛ وهو يقول: من أنت؟! ولم جئت؟! فأجاب الشاب الواثق من نفسه: أتيت خاطباً سقام؛ فأنا نصيبها في الحلال، وفخرها في الاحتيال!
فوكزه عبد العيد وكزة في فؤاده؛ فلم يقض عليه؛ قائلاً له: وما علامة احتيالك؟! فأجاب الشاب؛ بثقة تامة: اسمي عبد الغيد؛ وأنا منذ رأيت سقام، وسمعت عن دهائها، ودهاء والدها؛ فلا أنام الليل، ولا النهار؛ ولا هم لي إلا الانتصار على عمي؛ عميد هذي الديار!
فضحك عبد العيد؛ من نبأ عبد الغيد! حتى قال له: وما علامة دهائك؟! قال عبد الغيد: أن توافق على زواجي الآن من سقام؛ قبل أن تندم، وتعض أناملك من الغيظ، وأنامل سقام، ووالدة سقام!
فرد عليه عبد العيد: وعلام أندم، وتندم سقام؟! فأجاب الشاب: أترضى يا عمي عبد العيد؛ أن تظل مخدوعاً في أمور بيتك! فانزعج عبد العيد؛ حتى قال: وأي أمور بيتي؟! فقال عبد الغيد: أيرضيك؛ أن يقول الناس: هذا عبد العيد؛ سليل المكر الشديد؛ قد عبث ببيته عبد الغيد؛ ففي غيبته؛ قد كان دائم الرمي، والتسديد!
فهوى عليه عبد العيد ضرباً، ودهساً، وقتلاً! فرد عليه الشاب الداهية: أتريد قتلي يا عمي؛ فتصبح المصيبة مصيبتين! ويعرف الناس؛ أن عبد العيد قتل عبد الغيد؛ الذي واقع في داره ابنة سيد الحيلة، والخديعة! فإياك إياك؛ أن تأتي بابنتك الموجوعة، فتقص عليها هذه القصة الخبيثة؛ فهي موتورة؛ مغتمة؛ بحملها، وسوء صنيعها؛ فلا تزد عليها مصيبتها؛ تقريعاً، وإقذاعاً! فالخطب وقع؛ والإصلاح يستلزم العلاج، والستر؛ لا الضرب، والسباب، واللعن!
فسكت عبد العيد؛ ولم يعرف كيف يرد! فأجاب الشاب الواثق من نفسه: أرى يا عماه؛ أن تزوجني سقام في الحال؛ خوفاً من ظهور حملها، وكبر بطنها، وخزي آلها! فبكى عبد العيد؛ فشهق شهقة الهزيمة؛ لا؛ بل زفر زفرة اللطيمة؛ وهو يقول: زوَّجتك ابنتي؛ على ألا أراك في بيتي!
فصاح عبد الغيد؛ والزهو يعلوه، وهو يخاطب نفسه الظافرة: لقد انتصرتَ على عبد العيد؛ فهنيئاً لك؛ يا عبد الغيد؛ فأنت .. سيد المحتالين، وأمير المكر والدهاء! ولا عزاء؛ لك يا عبد العيد؛ فلكل زمن؛ حيلة، ورجال!
وسوم: العدد 684