من قصص الملوك الهامشيين، الملك عبدليش

د. أحمد محمد كنعان

حكاية الملك "عبدليش" حكاية جديرة بالقراءة وتعليمها للأجيال الجديدة لما فيها من عبر ودروس، على الرغم من أن هذا الملك كان ملكاً رعديداً، انتهى نهاية مأساوية !! 

وقد اختلف المؤرخون كثيراً في تاريخهذا الملك الهامشي، لكنهم اتفقوا على أصله فقالوا إنه جاء إلى الدنيا ثمرة علاقة آثمة حصلت بين أمير عربيد من عبدة النار اسمه مهيار وأخته المتهتكة مهيرة !!!

 وقد بحثنا عن تاريخ هذا الملك المجهول عند العم جوجل ( google ) فلم نعثر له على أثر ، وإنما وجدنا لمحات قليلة عنه في النسخة الأولى من الموسوعة الحرة ( wikipedia) ثم حذفوا كل شيء عنه في النسخ التالية للشك في أصله وفصله، واعتباره ابن حرام !!

أما المعلومات التي سوف نعرضها عنه في هذه المقالة فقد نقلناها حرفياً عن المؤرخ الكبير "دافيد بن غورا" الذي ذكر الملك في كتاب شهير له عرض فيه لمعاً من تاريخ الملك، وذكر أن زلزالاً عارضاً هو الذي أعاد هذا الملك إلى الحضور في التاريخ وصحح الأخبار المدسوسة عنه في بعض الكتب، ولهذا أطلق المؤرخ على كتابه اسم "حركة تصحيحية وزلزال، وذكر المؤرخ أن زلزالاً مدمراً أصاب مدينة عريقة في التاريخ فقلب مبانيها رأساً على عقب وكشف بالصدفة كنوزاً كثيرة وجد الباحثون بينها جرة عتيقة عثروا في داخلها جملة من الرقوق بينها رقّ يحكي قصة الملك عبدليش !!

وذكر المؤرخ أنه جاء في هذا الرق أن تاريخ الملك بدأ فعلياً في أعقاب عمل طفولي بريء كان يمكن أن يمرّ مروراً الكرام دون أن يترك أثراً في التاريخ لولا حماقة الملك !!

فإن عدداً من الأطفال الصغار في مدينة هامشية من مدن المملكة بعد أن سمعوا الكثير من آبائهم ومعلميهم عن فساد الملك عبدليش وطيشه وبطشه حتى على المقربين منه، عمد بعض هؤلاء الأطفال إلى جدار مدرستهم فكتبوا بالطباشير (يسقط الملك عبدليش .. يسقط .. يسقط..)

وعلى الفور أوصل العسس هذا الخبر إلى الملك الخفيف الذي طار صوابه خوفاً على كرسيه وملكه، وأمر باعتقال الأطفال وتعذيبهم ، فذهب بعض الأهالي إلى الملك يطالبون بأولادهم فثار الملك وأرغى وأزبد، وراح يهدد ويتوعد بقتل الأطفال ، بل أنكر وقال للأهالي لا أولاد لكم عندي، وإن شئتم أولاداً فابعثوا نساءكم ليحملن مني بدلاً من أطفالكم، ومع أن الأهالي قد تعودوا من الملك سماع مثل هذا المنطق السوقي الذي لا يراعي حلالاً ولا حراماً، إلا أنهم أنكروا مقالته وهددوه بثورة تدمر ملكه وتمسح أثره من على وجه الأرض إذا لم يطلق سراح الأولاد، لكنه لم يستجب، بل انتفش وظل يهدد ويتوعد!!!

 وانتشر خبر اعتقال الأطفال وموقف الملك ضد شرف المدينة المعروفة بتدينها ومحافظتها على الأخلاق والشرف فخرج الناس في بلاد المملكة وعرضها ينكرون موقف الملك وينادون بالإصلاح بعد أن وصل الفساد حد التطاول على شرف الناس وعلى أطفالهم، فوقع الملك في حيص بيص أمام ثورة الشعب العارمة، وبدل أن ينزل عند مطالب شعبه بالإصلاح، استمرّ يهدد ويتوعد ويعتقل المطالبين بالإصلاح ويعرضهم للتعذيب والقتل، مما زاد في نقمة الشعب ضده، واضطر الناس لحمل السلاح دفاعاً عن حياتهم وأعراضهم، حتى أمسى نظام عبدليش في خطر أكيد، فنصب المنجنيق في كل مكان وبدأ تدمير البلاد، قائلاً ( عليّ وعلى أعدائي ) معتبراً الشعب عدواً له لمجرد أنه طالب بالإصلاح!!!

وهكذا تفاقمت الأزمة نتيجة تصرفات الملك التي لا تراعي حرمة ولا أخلاقاً، فاشتدت نقمة الناس ضده حتى أوشك على السقوط، فطلب نجدة من بعض جيرانه بما فيهم بعض أعداء البلاد، حرصاً على عرشه، ونكاية منه ضد بلده وشعبه !!

وهنا ذكر المؤرخ دافيد حنانيا الذي ننقل عنه، أن الرق الذي يحكي قصة الملك قد أكلته الأرضة عند هذا الحد من الحكاية ... وقد وعد المؤرخ بمتابعة البحث عن تاريخ عبدليش ونشر ذلك في الطبعة التالية من الكتاب، مع ترجيحه - من خلال مصادر أخرى يملكها - أن الشعب تابع ثورته وقبض على الملك وحكموا عليه بالإعدام على الخازوق الذي كان للملك دور في تطويره بحيث يبقى المحكوم بالإعدام على الخازوق أياماً طويلة قبل أن تزهق روحه، وإذ يرى المؤرخ هذه النهاية للملك فقد استشهد بالمثل القائل ( يداك أوكتاه وفوك نفخ ) في إشارة لدور الملك في تطوير الخازوق ونهايته عليه، وكأن الملك كان يعد الخازوق لنفسه، وفي هذه كذلك إشارة من المؤرخ إلى الميول الشاذة لدى الملك !!

( تابعونا في الحلقة القادمة مع ملك هامشي آخر طور طريقة في الإعدام أغرب وأعجب !!)

وسوم: العدد 684