خلايا سرطانية!!

ما أقسى أن تضجرَ من شيء تحبُه، ويغزوك التأففُ من حبيب قلبك، ورفيق دربك، وتتبرم من نور عينيك، وتوهج عقلك، لكنها الحقيقة التي باتت تحاصرني حدَّ التَّعَثـُّرِ، وتبعثرني لدرجة العجز عن التقدم إلى الأمام خطوة، فلا أجد إلا الانصياع لخطواتها المحسوبة، أو أن أرتمي على مقعدي في تبلد معيب، وفتور يؤدي إلى تعقيد المشكلة أكثر فأكثر.

لا أذكر متى أحببتها على وجه التحديد؟! لكن الذي أذكره جيداً أنني عانقتها قبل العاشرة، واستمر عناقي لها حتى هذه اللحظة التي تولد فيَّ الآن، وأنا أنظر إليها معجبَا من قسوتها وزحفها المستمر عليَّ حتى أرهقت عينيَّ وجسدي، ولم ترحم جيبي أيضاً..

إذا وقفتُ أمامها في مكان ما.. استولت على عقلي، ومسمرت عينيَّ فيها ببلاهة لا أُحسد عليها، وتظل تزغلل عينيَّ، وتتفشى في جسدي كُلِّه حتى أغيبَ عن رُشدي فلا أجد إلا يداي وقد امتدتا إلى جيوبي وأفرغتا ما فيها، وعدتُّ محملاً بأكياس شتى تحوي هذا الداء الحبيب، واللدود العجيب، ولا تنتهي مشكلتي عند هذا الحد، بل هي تبدأ من هنا..

عندما أعود إلى بيتي تستقبلني زوجتي بعبارتها المعهودة التي عودتني عليها منذ زواجنا الذي مضى عليه خمس وثلاثون سنة: « حمداً لله على السلامة » ثم تسارع إلى معاونتي في حمل الأكياس لا سيما بعد أن أعلن ظهري عن تمرده وتخليه عني، ولم يعد يشارك في قوتي إلا بجهد قليل، وفي أحايين كثيرة يكون عبئاً عليها، فهي دائماً تخشى عليَّ من حمل الثقيل، وصعود الدَّرَج أو نزوله بعدما حذَّرني من ذلك الدكتور بديع أخصائي الأعصاب والمفاصل.. وتسألني بعد ذلك أين تضعها؟! في مكتبتك العلوية.. أم في الشقة الوسطى.. أم في التسوية (الـ Basement)؟ أقول: لا.. بل في مكتبتي العلوية، فأنا في شوق لتلمسها.. وشم رائحتها.. وتغذيه عينيَّ بمنظرها.. وتقليب أوراقها حتى أتعرف على الدروب التي سأسلكها فيها.. 

وتدخلها في مكتبتي في الطابق العلوي، حيث غرف النوم، ومكتبتي في الطابق العلوي تسرق مني عمري بعد أن استقر الحال على الدوام فيها ما لا يقل عن عشر ساعات يومياً، ناهيك عن القراءة في (الصالون) وفي غرفة النوم.. حيث أجلس لي كتاب مختلف..

لا مكان للكتب الجديدة على الرفوف.. لتبقى في أكياسها.. وتكثر الأكياس في المكتبة حتى تعيق تحركي.. في هبَّةِ نشاط أُفَـرِّغُ بعض الأكياس.. ولكن ليس على الرفوف.. بل فوق منضدة هنا أو (اسكمبلا)(هذه تُكلفك ألف دينار..

ونَدَّتْ منى صرخة استغراب.. امتصَّها بزم شفتيه وتحريك كتفيه.. ثم ألحقها بقذيفة ألجمتني..

-      اسأل غيري.. وأنا رهن إشارتك..

بحثت عن ريقي الذي جَفَّ.. بلعتّه.. أُسقط في يدي.. ولكن « لا بد من صنعاء وإن طال السفر »* 

([1]) منضدة وطيئة توضع بين المقاعد ليوضع عليها الشراب ومنافض السجائر عادة.

وسوم: العدد 693