التخلق بجمالية البسملة
في الوقت الذي كان الجميع يصرخ لشعورهم بالقلق والخوف بسبب إنقطاع الضوء المفاجئ من فصل الدراسة، كان هناك صوت يردد " تخلقوا جميعكم بالبسملة، لا تخافوا وتسلحوا بالبسملة..." وماهي إلا لحظات حتى عادت الإنارة من جديد، وعم الصمت المكان، وبدأت همسات فيما بيننا حول ما قاله المدرس عن التسلح بالبسملة ..
فقال المدرس: ما الذي حصل لكم؟ ناشدتكم قبل قليل بالتخلق بنور البسملة، ولم أسمع أحد منكم يقول "بسم الله الرحمن الرحيم"، لماذا؟ ألا تعلمون ما تحمله هذه الكلمات من قوة وبركة ونور وطمأنينة وأمان...
أجاب البعض منا: يا أستاذ، نحن إعتدنا على قولها عند الأكل وعند النوم لا غير.
فرد قائلا: للأسف الشديد، نحن دائما نكتفي بما اعتدنا عليه ونفقد معه متعة البحث... إذن فسمعوا القليل عما تجهلونه عن البسملة.
إن "بسم الله الرحمن الرحيم" لها أسرار وفضائل لا تعد ولا تحصى، فلا يمكن أن يحصيها إنسان مهما أوتي من العلم، فعظمة البسملة وما تحتويه من معارف لا تعرف إلا عن طريق سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وما تركه لنا في سيرته، إذ يقول عليه أفضل الصلاة والسلام:{{ لما نزلت "بسم الله الرحمن الرحيم" فرح أهل السموات من الملائكة واهتز العرش لنزولها ونزل معها ألف ملك وزادت الملائكة إيمانا وخر كل الجان على وجوههم وتحركت الأفلاك وذلت لعظمتها الأملاك}}... بها أخرج الإنسان من الظلمات إلى النور فيها كل أسرار القرآن.
ولعظمة البسملة ولشدتها كان النبي عليه الصلاة والسلام يجهر بها بصوت مسموع على كل أمر مهم، لأن الجهر بها يستشعر قربه من الله وتفتح أمامه أبواب الأمل؛ لذلك يستحب ذكرها في افتتاح كل أمر صغير أو عظيم، وذلك أن الله تعالى أعطى لكلمات( بسم الله الرحمن الرحيم) سلطانا لم يعطى لغيرها من الكلمات، لو وضعت في كفة ميزان ووضعت السموات والأرض وما فيهن في كفة لرجحت، فقد جعلها الله لنا أمنا من كل بلاء وحرزا من كل شيطان رجيم، ودواء من كل داء ومفتاح لكل دعاء مستجاب.
هذا كله لأن البسملة شملت خاصيات الحروف النورانية، وتضمنت ثلاثة من أسماء الله الحسنى للإستعانة بها على الأمور كلها والشدائد. فإذا قال العبد بإخلاص (بسم الله أستعين) فإن اسم الله جامع لجميع صفات الجمال والجلال والكمال؛ ومن يذكر الرحمن الرحيم يبقى في رضوان الله ولا يراه أحد إلا ورق له وثنى عليه، ومن ذكر الرحمن نظر الله تعالى إليه بعين الرحمة وكان ملطوفا به في سائر أحواله... فالرحمة من جنود العقل والغضب من جنود الجهل، والرحمة تعم أثارها الكون وتشمل الموجودات كلها والرحمة هي قوة التي جذبت القلوب إلى الله لأن الرحمة نظام الله في الحياة ومن يخل بها يحطم مستقبله ويخسر مصيره.
فالبسملة، إذن تخبرنا وتعلمنا أن على الإنسان أن يتخلق بها ويرددها في كل لحظة وفي كل عمل وفي كل موقف.
ثم أضاف الأستاذ قائلا: سأكتفي بها القدر، لأن الوقت لا يسمح للإطالة. لكن، تذكروا دائما وحاولوا أن تأخذوا هذه القاعدة مبدأ في حياتكم، إننا نملك دائما خيارات في كيفية التعامل مع المواقف. وعلينا البحث دائما عما وراء الفكرة وما لا تراه العين و ما لا تسمعه الأذن.
وسوم: العدد 742