المتساقطون على طريق الثورة
قرأت مبكراً كتاب الأستاذ فتحي يكن -رحمه الله- «المتساقطون على طريق الدعوة»، وعلق بذهني عنوانه أكثر من مضمونه، وبينما أنا أتابع الثورة الشامية اليوم وهي التي فضحت الجميع -أفراداً وجماعات وأحزاباً ودولاً- تذكّرت ذلك العنوان لأتصرف به بشكل يسير، فأسميت عنوان مقالي «المتساقطون على طريق الثورة»، فقد تساقط الكثير خلال فترة السنوات السبع العجاف الماضية؛ لكن ما أدهشني أخيراً هو السقوط المريع للمفتي الشرعي لـ «فيلق الرحمن» بسام ضفدع وتصالحه مع العصابة الطائفية، وإن كان قد تبيّن أنه متصالح معها منذ البداية وما كان وجوده إلا اختراقاً للثورة، ولكنه لم يدرِ أنه اخترق نفسه، سيذكر ذلك يوم يصدر الناس أشتاتاً...
وعلى طريق التساقط، رأينا انهياراً مدوياً لمن يشيدون بجيش الطائفيين والميليشيات في استباحة وتدمير الغوطة وتهجير أهلها، ولكنهم تناسوا أن ذلك لم يكن له أن يحصل لو لم يستخدم الطائفيون الكيماوي والبراميل المتفجرة والصواريخ الباليستية لسبع سنوات متتابعة، فضلاً عن دعم جوي وبري روسي منقطع النظير، وفوق هذا دعم من مجلس أمن لم يكن إلا أمناً للمجرمين والقتلة والمحتلين والغزاة، وخوفاً بالمقابل على المدنيين والأحرار المطالبين بجزء يسير من حريتهم وتحررهم من العبودية في قرن العبودية الحادي والعشرين، الذي تتقازم أمامه كل أنواع العبودية في الماضي.
رأينا تصريحاً لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وهوينسخ كل ماقيل في الماضي من أن الأسد سيرحل سلماً أو حرباً، وهو ما كان يتحدث به عادل الجبير وزير الخارجية السعودي والجهات الرسمية التي ما فتئت تؤكد في كل مرة على ضرورة رحيل النظام السوري القسري، ولكننا نرى الآن الانقلاب الرهيب على كل هذه الثوابت من طرف كثير من مناصري الثورة السورية؛ إذ يتم الاكتفاء بالتحذير من ألا يكون الأسد دمية، ولا أدري ماذا تبقى للدمية أن تلعب بعد كل ما لعبه خلال السنوات السبع الماضية!
وبين الدول والأفراد نرى السقوط الأخلاقي للكثيرين، ولكن لا تزال الشام وأهلها ثابتين على العهد وراضين بالكفالة الربانية التي محّضهم إياها الله تبارك وتعالى، فرضوا بالقتل والقتال والجراح والاعتقال والتهجير؛ نصرة لثورتهم وأملاً في انتزاع حريتهم المسلوبة منذ أن فرض عليهم المحتل الفرنسي يوم رحيله الطائفيين، من خلال استحداث شبيحة جيش المشرق ليحلوا محل قواته بعد رحيله، فكان العميل والشبيح أجرم من سيده، ونلمس اليوم هذا واضحاً جلياً بالحرص الفرنسي على الحلول محل الأميركيين في الشمال السوري لمواجهة الأتراك، بينما صمت الفرنسيون في أحسن الأحوال على كل جرائم من خلّفوهم يوم رحيلهم عن سوريا عام 1946 من شبيحة ميليشيات طائفية تحت اسم «جيش المشرق».
لن ينسى السوريون أبداً أن ما يمرون به من محنة رهيبة هذه الأيام هي نتاج لما زرعه الاحتلال الفرنسي، ورعايته للجيش الطائفي المجرم الذي تفاوض مع الثوار يومها لعشر سنين من أجل القبول بما يُسمى اليوم «مؤسسة الدولة»، فكان جيشاً لقمع الشعب السوري أولاً وأخيراً، وكأن الدولة ومؤسساتها اختُصرت فقط بالقتلة من الميليشيات الطائفية والأجهزة الأمنية التي كان من ثمارها ما تسرّب من صور وقصص المصور قيصر ومسالخ الأجهزة الأمنية السورية التي ما كان لها أن تتفشى لولا الحصانة الدولية اليومية بحجة حماية مؤسسات الدولة، وهي في واقعها حماية مؤسسات القتل والإجرام والسلخ والتهجير والاقتلاع من الأرض.
وسوم: العدد 766