بوتين ومفاوضو المعارضة ، أم الحاجّ جَميل، وعميان حلب !
كان الحاجّ جميل ، مولعاً ، بمشاكسة العميان ، في حلب ؛ ولاسيّما العميان ، في الجامع الكبير، المسمّى : جامع زكريّا ! ولم يكن يترك فرصة ، لإزعاجهم ، إلاّ انتهزها ، وكل ذلك ، على سبيل المداعبة ، والمناكفة ، بقصد التسلية ، واللهو والعبث !
وكانوا ، في كلّ مرّة ، يزعجهم بها ، يتفقون ، فيما بينهم ، على ضربه وتأديبه ، لردعه ، عن إزعاجهم ! لكنه ، كان يأتيهم ، كلّ مرّة ، بهديّة ، ليغريهم بها ، ويستلّ الشحناء ، من صدورهم! لكنّ الهديّة الجديدة ، تحمل ، إليهم ، نوعاً جديداً ، من الإزعاج ، لم يخطر، في بالهم !
زارهم ، مرّة ، في الجامع الكبير، حيث يجتمعون ، وأخرج كيساً من النقود ، حرّكه بينهم ، ليسمَعوا صوت النقود ، قائلاً : هذه النقود لكم ، فاقتسموها بينكم ! ثمّ غادرهم ، دون أن يعطيهم شيئاً ! وحين ذهب ، صار كلّ منهم ، يطلب حصّته ، من النقود ، التي يعتقد ، أنها عند أحد أصحابه ! وتضاربوا ، بعصيّهم ، حتى سالت منهم الدماء، وكلّ منهم يُنكر، أنه أخذ النقود ، ويطلب نصيبه ، ممّن أخذها ، ولا يعرف مَن هو ! ثمّ ، بعد أن تعبوا من المضاربة ، انتبهوا إلى احتمال ، أن يكون الحاجّ جميل ، خدَعهم ! وحلف كلّ منهم ، يميناً ، بأنه لم يأخذ النقود ! ثمّ أيقنوا، أن الرجل خدعهم ، حقاً ، ولم يعطهم شيئاً ، فازداد حنقهم عليه ، وقرّروا الانتقام منه ، بشدّة !
وغاب عنهم ، أسابيع عدّة ، ثمّ زارهم ، حاملاً لهم ، اعتذاراً ، وإغراءً جديداً ، فسامحوه ، بعد أن سمعوا الوعد ، بالإغراء الجديد !
وكان إغراؤه الحديد ، دعوة لهم ، إلى غداء دسم ، في بستان له ، يعرفونه ، ويعرفون البركة الواسعة ، التي تتوسّطه !
وحين اجتمعوا ، عند أذان الظهر، أخبرهم ، بأن الغداء جاهز، وسيحضر لهم ، بعد الصلاة ! ثمّ صفّهم للصلاة ، جماعة ، على حافّة البركة ، وحين كبّر للسجود ، وسجدوا ، وقعوا في اليركة، كلهم ، وصاروا يتخبطون فيها ، وماؤها غير عميق .. ثمّ خرجوا منها ، بعد أن ابتلت ثيابهم ، وقد ازداد غيظهم ، على الرجل ، بعد أن تركهم ومضى ، دون أن يقدّم لهم ، لقمة واحدة .. وهو معهم ،على موعد جديد ، يحمل انتقاماً جديداً ، من قِبلهم ، ومَقلباً جديداً ، من قِبله !
فما الفرق ، اليوم ، بين بوتين ، والحاجّ جميل .. وبين المعارضة السورية : العسكرية والسياسية، وعميان حلب !؟
لدى التدقيق ، يكتشف الباحث البصير، أن الفروق ، إنما هي شكلية ، تقتصر على : الأشخاص والأمكنة والأزمنة ، وأنواع الإغراءات .. وأن التشابه كبير: بين بوتين ، والحاجّ جميل .. وبين المعارضات السورية ، وعميان حلب !
فمنذ هيمن بوتين ، على القرار السوري ، بدأت لعبة العصا والجزرة ، والمناكفات والإغراءات: بين موسكو وأستانا وسوتشي .. وبين خفض التصعيد ، وتمثيل بوتين ، دورَ الضامن فيه ، ثمّ تدمير المدن ، والقتل الجماعي ، وتهجير البشر، من : داريّا ، والغوطة ، ودرعا .. وأخيراً ، العصا ، التي تهتزّ ، أمام إدلب ، اليوم ، والإغراءاتُ التي يَعد بها ، الضامنُ بوتين ، في حال تسليم إدلب ، إلى عصابة الأسد ، بضمانة بوتين .. وهكذا !
ولكلّ من البائسين ، دورُه ، في لعبة بوتين : للضفادع دورها ، وللعقارب دورها .. وتتنوّع الأدوار، بين القنافذ والسلاحف ، والأفاعي والثعالب .. والمخرج الكبير، هو الخنزير الكبير، الضامن الأوّل الأوحد ، والجزار الأوّل الأقوى ، الأخبث : بوتين ، الذي انفرد ، بميزة هامّة ، عن الحاجّ جميل ، وهي أنه : يُخضع العميان ، الذين يستسلمون له ، لعصابات الأسد وإيران الطائفية ، لتوظفهم ، توظيفات مختلفة ، ضدّ بني ملتهم ، مثل : التجسّس ،على بني وطنهم ، وعلى رفاقهم في السلاح .. ثمّ قتال رفاقهم ، في السلاح ! وبعد ذلك ، وقبله ، وفي أثنائه ، تصفّي منهم ، عصاباتُ الأسد وإيران ، مَن تودّ تصفيته ، في الشوارع والمعتقلات ، وبأساليب شتّى ، تقشعرّ منها الأبدان !
والضحيّة الأولى ، الأشدّ بؤساً ، هي شعب سورية : برجاله ونسائه ، وأطفاله وشيوخه ، وعجَزته ومرضاه.. بين المقابر والمَهاجر، والمعتقلات والصحارى، والخيام الممزّقة في العراء!
قال رسول الله : لا يُلدغ المؤمن ، من جُحر مَرّتين !
وسوم: العدد 787