دور الإعلام الرقمي في نشر الوعي وثقافة النقد البناء والهادف إلى إصلاح المجتمع وصيانته من الفساد والإفساد

بعد ظهور الإعلام الرقمي لم تعد المعلومة حكرا على الإعلام التقليدي بكل أنواعه ، لأنه فتح آفاقا لم تكن متاحة من قبل حيث كان الخبر أو الرأي يقدم بشكل يختاره  الإعلام الرسمي الذي تشرف عليه  الدولة أو إعلام الأحزاب ، ويفرضه على الرأي العام فرضا لا مجال معه لبديل يحرره من سلطة  وجهة نظر الدولة أو  سلطة وجهة نظر الأحزاب .

ومع ظهور الإعلام الرقمي تحرر الرأي العام من سلطة كانت تسمى السلطة الرابعة تجاوزا ، والتي لم تعد سلطة رابعة بالمعني الحقيقي  إلا مع انتشار الإعلام الرقمي .

ويستاء الإعلام التقليدي كثيرا من الإعلام الرقمي الذي بات ينافسه ، ويستقطب الرأي العام الذي وجد فيه بديلا عن الإعلام التقليدي . وبالرغم من محاولة الإعلام التقليدي الاستنقاص من شأنه، فإنه قد اكتسح مساحات واسعة كان يستأثر بها الإعلام التقليدي .

والجديد في الإعلام الرقمي أنه تجاوز فكرة تلقي المتلقي الأخبار والأفكار والآراء بشكل سلبي  دون ردود أفعال كما كان الحال بالنسبة للإعلام التقليدي بل أصبح المتلقي شريكا يعبر عن وجهة نظره أو عن رأيه أو عن انتقاده بتعليقات على ما ينشره الإعلام الرقمي الذي لا تحرجه التعليقات بل قد تفضي إلى سجالات ومناقشات من شأنها تزيد ما ينشر من آراء ووجهات نظر مصداقية وثباتا أمام الانتقادات أو قد تكشف  ما فيها من تهافت وخطأ وزيف وتضليل  .

ولمعرفة دور الإعلام الرقمي في نشر الوعي وثقافة النقد البناء والهادف يمكن مقارنة نفس الخبر أو نفس الرأي الذي يتداوله الإعلام التقليدي أو ما يسمى بالإعلام الرسمي ، كما يتداوله الإعلام الرقمي أو العنكبوتي ، فيبدو الفرق واضحا بينهما لأن الإعلام الرسمي يرسم هدفا لكل خبر أو رأي يذيعه ، وبكون الهدف متحكما في الخبر والرأي ، بينما  في الإعلام الرقمي  النزيه وهو بطبيعة الحال إعلام شعبي، يكون هدفه هو الكشف عن الحقيقة  فقط ، فعلى سبيل المثال لا الحصر ينقل الإعلام الرسمي حادثة سير مروعة يذهب ضحيتها عدد كبير بين قتلى وجرحى ، ويشير إلى أن الجهات المسؤولة قد تحركت واتخذت الإجراءات اللازمة  ، وتم إسعاف المصابين ... وينقل الإعلام الرقمي نفس الخبر، ولكنه يكشف عن جوانب سلبية لم يتعرض لها الإعلام الرسمي كما وقع مؤخرا في حادثة خروج القطار عن سكته بين مدينة القنيطرة والعاصمة حيث ضرب الإعلام الرسمي صفحا عن عمليات السطو التي تعرض لها المصابون والضحايا من طرف عصابات لصوص اغتنموا فرصة الحادثة للسطو والسرقة .

وعلى غرار هذا المثال يمكن ملاحظة الفرق بين طريقة تناول الإعلام الرسمي والإعلام الرقمي للأخبار والقضايا والآراء ووجهات النظر . ومعلوم أن الرأي العام يبحث  في الإعلام الرقمي عما لا يجده في الإعلام الرسمي الذي لا يثق فيه كما يثق في الإعلام الرقمي .

ويستاء كثيرا  المسؤولين في القطاع العام والخاص على حد سواء  من الإعلام الرقمي الذي ينتقد ما يصدر عنهم  أو يكشف النقاب عن هفوات أو اختلالات  في سير قطاعاتهم. ويختلف تعامل هؤلاء مع الإعلام الرقمي، فبعضهم يحاول التودد إليه  بل قد يفكر في استمالته بشكل أو بأخر لتجنب ما يصدر عنه من نقد ، والبعض الأخر يحاول تجاهله والاستخفاف به والتظاهر بأنه لا يلتفت إلى نقده ،ولا يبالي به ،ولا يخشاه لكنه في واقع الأمر يكون عكس ذلك يهتم بما يصدر عنه من نقد ، ويظهر ذلك من خلال تصرفاتهم التي تكون  مباشرة عقب الكشف  عما لا يرغبون في كشفه للرأي العام ، فقد يماطل بعضهم على سبيل المثال  في تمكين ذوي الحقوق من حقوقهم لمدد طويلة حتى إذا كشف الإعلام الرقمي عن ذلك سارعوا إلى تمكينهم من حقوقهم بشكل مفاجىء للتأثير عما كشفه ومحاولة طمسه .

والعقلاء الأكياس من المسؤولين هم الذين يستفيدون من نقد الإعلام الرقمي البناء الذي يهدي إليهم عيوبهم وهفواتهم لمساعدتهم على تصحيحها وتداركها ، أما العاجزون منهم، فيصرفون وقتهم في محاولة التغطية عليها أو في محاولة التظاهر بأنهم لا يبالون بالنقد الموجه إليهم ، والأكثر عجزا منهم الذين يلوذون بالصمت الذي يكون  شهادة إقرار بما يوجه إليهم من نقد ، والأكثر عجزا من هؤلاء  الذين يردون على النقد الموجه إليهم بالكذب والافتراء ونفي ما لا سبيل لنفيه مما يسجل عليهم ، وهم بذلك يغامرون بمصداقيتهم أمام الرأي العام .

وليس أمام المسؤولين سوى التعامل بشكل إيجابي مع الإعلام الرقمي من خلال الإقرار بما يسجل عليهم ، وتدارك ما يجب تداركه  قبل فوات الأوان ،علما بأن الإعلام الرقمي  النزيه المقدر لمسؤوليته الإعلامية  وغير القابل للمساومة  لا يدخر جهدا في الثناء على من أحسن تماما كما أنه لا يدخر جهدا  في انتقاد من أساء ، وشعاره دائما قول الله عز وجل : (( إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله )).

وسوم: العدد 797