«التنظيم السرّي» يضرب في تونس!

تزامن هبوط طائرة وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان إلى تونس مع حدثين لافتين: الأول هو المظاهرات الشعبيّة التي خرجت للاحتجاج على الزيارة، والثاني هو قيام الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي بتصعيد كبير ضد حركة «النهضة» التونسيّة.

تنبع أهمية الحدث الأول من كونه تعبيراً عن قدرة الشعب التونسي على التظاهر ضد زعيم دولة عربية من دون أن تقوم السلطات بقنص المتظاهرين وقتلهم أو اعتقالهم على الأقلّ (وهو أمر سيحدث بالتأكيد في أغلب البلدان العربية الأخرى)، وهو إثبات أن تونس تسير في طريق الديمقراطية وشعبها قادر على ممارسة حقوقه في الاحتجاج والتعبير.

أما الحدث الثاني المتمثل بتصعيد الرئاسة التونسية ضد «النهضة»، فقد تم حشره ضمن سياق الخلافات السياسية الداخلية عبر استقبال السبسي لـ«هيئة الدفاع عن الشهيدين بلعيد والبراهمي» (التي تتهم «النهضة» عمليّا باغتيالهما عبر «التنظيم السرّي» المزعوم للحركة)، والتي أضافت على الطنبور وتراً جديدا وهو أن ذلك «التنظيم السرّي» الخطير كان يخطّط لاغتيال السبسي نفسه وفوق ذلك اغتيال الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند!

جاءت زيارة بن سلمان والرئيس السبسي في وضع سياسيّ لا يُحسد عليه بعد فشل المعركة التي قادها ابنه ووريثه في «نداء تونس» حافظ قائد السبسي ضد رئيس الوزراء يوسف الشاهد وانتهت باضطرار الرئيس للموافقة على تعديل الوزارة الجديد الذي قال إنه لم يُعرض عليه قبل إقراره.

لإقناع التونسيين بفوائد زيارة بن سلمان أعلن مستشار للرئيس التونسي إن اتفاقيات اقتصادية مع المملكة العربية السعودية سيتم الإعلان عنها خلال الأيام المقبلة، ومن بينها اتفاق قرض بفائدة تفاضلية، الأمر الذي اعتبره المنصف المرزوقي، الرئيس السابق للجمهورية التونسية، «مجرد أرقام زائفة»، متهما الرئاسة بتفضيل «مصالح شخصية خسيسة» على الاستماع لكلمة شعبها.

وسواء كانت حكاية القرض جزءاً من الوعود المعسولة الكثيرة التي تجرّ ذيولها وراء وليّ العهد السعودي أم لا فقد أعطت مفعولها التحريضيّ السريع على المشهد السياسي التونسيّ.

لقد تم تركيب هذه الرشوة المغمّسة بدماء جمال خاشقجي واليمنيين بدهاء على قضية المطالبة بالعدالة لدماء القائدين السياسيين التونسيين الراحلين محمد براهمي وشكري بلعيد.

يماثل هذا الفعل ما فعله بعض اليساريين التونسيين، الذين يحملون قميصي بلعيد وبراهمي المدميين، والذين قابلوا زيارة بن سلمان بالتنديد والاحتجاج، ثم قام بعضهم، مثل نقيب الصحافيين التونسيين، ناجي البغوري (في وقت متزامن) بزيارة دمشق ومقابلة رئيس النظام السوري بشار الأسد، في مفارقة فظيعة دفعت نشطاء تونسيين للتساؤل كيف تكون نقابة الصحافيين التي يرأسها البغوري ضد زيارة ولي العهد «أبو منشار» لتونس ثم تدافع عن لقاء البغوري نفسه برئيس «البراميل المتفجرة» في دمشق.

وليّ العهد السعودي الذي قال خلال الزيارة إنه يعتبر السبسي «بمثابة والد له»، ترك على ما يبدو «تنظيما سرّيا» يرعى مصالحه بعد غيابه، ولكن المفارقة أن هذا «التنظيم السرّي» يشترك في تحريكه اليساريّ المتصلّب الذي يهاجم السعودية لأسباب «ثقافية» وأيديولوجية (باعتبارها مركزا لظهور الإسلام) ولكنّه يهلّل لبلد «ممانع» تتحكم في مفاصله «الجمهورية الإسلامية الإيرانية»؛ ويستثمر فيه «العلماني» الشرس الذي يطالب بـ«فصل الدين عن الدولة» لكنّه يعمل حثيثاً على توريث السلطات ومنع «فصل الدولة عن العائلة».

يقود هذا «التنظيم السرّي» الذي تحرك فيه الخيوط الإمارات والسعودية ومصر والبحرين، كما هو معلوم، جبهة عربية مضادة للثورات ومتعاطفة مع إسرائيل، ولكن لليسار «العلماني» قطعة «كاتو» محسوبة فيه، تجعله يتحرّك باتجاهين، في العلن ضد بن سلمان وفي السرّ معه، وضد الطغيان في السعودية، ومع الهمجية في سوريا!

وسوم: العدد 801