مخاطر تعاطي الخمور وعواقبها الكارثية
مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات
إن أعدادا كبيرة للغاية من الناس وأسرهم ومجتمعاتهم يعانون من عواقب تناول الخمور وتعاطيها والإدمان عليها. وقد حان الوقت لزيادة الجهود لوقف هذا التهديد الخطير في حياة الناس وصحتهم، وبذل المزيد من الجهد لخفض التكلفة الصحية والاجتماعية للاستخدام الضار للخمور.
إن السٌكر هو كل ما يُسكر من خمر وشراب، ويقال: سكر فلان من الشراب؛ أي غاب عقله وإدراكه. وقد يُطلق على المسكرات اسم (الخمر) تارة، وقد يُطلق عليها اسم (الكحول) تارة أخرى، وقد يُطلق عليها اسم (المشروبات الروحية) تارة ثالثة. ومع اختلاف المصطلحات والمسميات في مكان عنها في مكان آخر، فهي سائل عديم اللون والمذاق، وينتج عن تخمير السكريات والنشويات.
وفي الاصطلاح تطلق الأشربة على ما كان مسكراً من الشّراب، سواءٌ كان متّخذاً من الثّمار، كالعنب والرّطب والتّين، أو من الحبوب كالحنطة أو الشّعير، أو الحلويّات كالعسل. وسواءٌ كان مطبوخاً أو نيئاً. وسواءٌ كان معروفاً باسمٍ قديمٍ كالخمر، أو مستحدثٍ (كالعرق والشمبانيا... إلخ).
تكمن خطورة الخمر في خطورة ما يحتويه من الكحول، حيث تختلف نسبته من نوع إلى أخر، فتبلغ نسبته في البيرة من (4-8%)، وفي النبيذ من (10-18%)، وفي الويسكي من (45-55%)، وينتج هذا الكحول من تخمير المواد التي تحتوي نسبة من السكريات مع الخميرة أو البكتريا. فمن تخمير حبوب الشعير نحصل على البيرة، ومن تخمير العنب أو التوت نحصل على النبيذ، ومن حبوب الذرة نحصل على الويسكي، ومن العسل الأسود نحصل على الروم، وعندما ينقع البلح في الماء لمدة أربعة أو خمسة أيام ويقطر نحصل على عراقي البلح. وشرب الخمر يؤذي الجسد، ويضلل البصيرة، ويعمي الشخص عن الحكم على الأشياء بطريقة صائبة.
وتشير الدراسات الطبية أن للخمر أضرارا بالغة على جميع أجهزة الجسم البشري، فهو له تأثير على العين من حيث (ضمور العصب البصري، الغمش، الزغللة، ضعف الإبصار، شلل عضلات العين، وتجحظ العين)، وعلى الكبد من حيث (تضخم، تليف، والتهاب)، وعلى المعدة من حيث (غثيان، قيء، وعسر الهضم)، وعلى القلب من حيث (ضغط الدعم، تصلب الشرايين، الذبحة الصدرية، وجلطات القلب)، وعلى الدم من حيث (فقر الدم، وتجلط الدعم)، وعلى الجلد من حيث (حساسية جلدية)، وعلى الفم من حيث (التهاب في الغشاء المخاطي للفم والبلعوم، وإضعاف حاسة الذوق).
وفي المراحل المتقدمة لاعتماد الشخص على الخمور والكحول؛ فانه يعاني من فقدان الشهية للطعام، وعدم القدرة على تناول طعام كاف، ورعشة، وانشغال مستمر بما لديه من زاد كحولي. كمــا وجــد أن الإفــراط في تنــاول الكحــول أو المشــروبات الكحوليــة يــؤدى إلــى الإصــابة بمرض السرطان، وتليف الكبد، وزيادة عـدد الحـوادث المروريـة، والتي بـدورها تسـاهم في زيـادة معدل الوفيات.
والخمر أم الخبائث، ومنبع الرذائل، ومنشأ الشرور والجرائم، وسبب الكوارث والمصائب، وقد حرمها الله تعالى في كل شرائع الأنبياء من قبلنا، لأنها تذهب العقل الذي هو مناط التكليف، ويتميز به عن بقية الدواب والبهائم العجماء، والاعتداء على هذا العقل جريمة، وكفر بنعمة الله العظيمة، وقد لعن النبي صلى الله عليه واله وسلم كل ما يتعلق بالخمر من شربها وبيعها وشرائها وعصرها وحملها، وقد شملت اللعنة عشرة من الناس تربطهم بالخمر صلة من قريب أو بعيد.
والآيات والروايات في ذلك كثيرة. ومن الآيات قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون، إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ).
وقال الإمام الصادق عليه السلام "إن الخمر رأس كل أثم" وعنه عليه السلام: إنَّ زنديقاً قال له: فلم حرّم الله الخمر ولا لذة أفضل منها؟ قال عليه السلام: "حرّمها لأنها أمُّ الخبائث، ورأس كلِّ شرّ، يأتي على شاربها ساعة يسلب لبّه، فلا يعرف ربّه، ولا يترك معصية إلا ركبها، ولا حرمة إلا انتهكها، ولا رحماً ماسّة إلا قطعها، ولا فاحشة إلا أتاها، والسكران زمامه بيد الشيطان، إن أمره أن يسجد للأوثان سجد، وينقاد حيثما قاده".
ولشدّة حرمة شرب الخمر حرّم الإسلام تناول المسكر قليله وكثيره وخالصه وممزوجة، فلو سقطت قطرة من الشراب في ظرف مليء بسائل آخر، فإن تمام ذلك السائل سوف يحرم. فعن الإمام الصادق عليه السلام: "إنَّ ما أسكر كثيره فقليله حرام، فقال له الرجل: فاكسره بالماء؟ فقال عليه السلام: لا وما للماء يحلُّ الحرام! اتقِ الله ولا تشريه.
تشير تقديرات منظمة الصحة العالمية في "تقرير الحالة العالمي عن الكحول والصحة لعام 2018" إن هناك حوالي (2.3) مليار شخص يشربون الكحول حاليًا، منهم (237) مليون رجل و(46) مليون امرأة على مستوى العالم يشربون الخمر بشكل مفرط أو على نحو ضار. وشرب الكحول أكثر شيوعا في أوروبا والأميركيتين، كما أن الاضطرابات الناتجة عن شرب الخمور أكثر انتشارا في الدول الأغنى. ومن بين كل الوفيات التي تسببت فيها الكحوليات، نتجت (28% ) عن إصابات مثل الحوادث المرورية وإيذاء النفس والعنف، و(21%) نتيجة اضطرابات هضمية، و(19% ) نتيجة أمراض القلب والأوعية الدموية، مثل الأزمات القلبية والجلطات. وفي أوروبا أكبر معدل استهلاك للكحول بالنسبة للفرد على مستوى العالم، على الرغم من انخفاضه بنسبة (10%) تقريبا منذ العام 2010. وذكر التقرير أن التوجهات الحالية تشير إلى زيادة عالمية في معدل استهلاك الفرد خلال السنوات العشر القادمة، لا سيما في جنوب شرق آسيا وغرب المحيط الهادي والأميركيتين.
هناك العديد من العوامل والأسباب جعلت الإدمان على الكحول تمس جميع الفئات، سواء الكبار والصغار، على حد سواء. ومن بين الأسباب هي: وفرة الخمور وسهولة الحصول عليها؛ لاسيما في العديد من الدول الأوربية والغربية حيث ينتشر الخمر في أغلب الأسواق والمحال التجارية، ومن مؤسف حقا أن نجد الخمور أيضا في معظم البلدان الإسلامية؛ مع أن الإسلام يحرمها تحريما قاطعا. ذلك أن من الناس من يظن أن تعاطي الخمر خير من تعاطي المخدرات، ونسي هذا الأخير أن جرعة كبيرة من الكحول قد تسبب التسمم؛ ويؤدي إلى الهيجان أو الخمود، ولما يصل شاربها إلى مرتبة الإدمان المزمن فإنه يتعرض للتحلل الأخلاقي الكامل مع الجنون.
ومن بين أسباب انتشار الخمور وتناولها هو: الاستثمارات الضخمة في صناعة الخمور؛ حيث إن العالم الغربي والعربي يستثمر في الخمور أموالا تُقدر بملايين الدولارات، إذ يعتمد الكثير من الناس في معيشتهم على الخمر، يستثمرون فيها ويسوقونها إلى مناطق مختلفة من بلداننا.
ومن بين الأسباب أيضا هي: الدعاية للخمور؛ حيث إن الدعاية المغرضة هي التي أوقعت الملايين من البشر في شراك هذه السموم القاتلة. إنهم يقولون إنها مثال للرجولة بالنسبة للفتيان، وللأنوثة بالنسبة للإناث.
وقد تكون من الأسباب الموجبة لانتشار ظاهرة تعاطي الخمور هي: الاضطرابات الشخصية التي تصيب العشرات من الشباب، حيث يلجأ الفاشلون والمحبطون واليائسون إلى تعاطي الخمر للتخلص من الواقع الذي يعيشونه، وكلما فاقوا ورجعوا إلى حالتهم الطبيعية تذكروا معاناتهم ومشكلاتهم فلا يجدون بدا من العيش بعيدا عن تلك الآلام، فيتناولون تلك الخمور ثانية، وهكذا حتى يدمنوا عليها، ويكون من الصعب تركها البتة. وقد تنعكس هذه الحياة البائسة على الأولاد أيضا، حيث لوحظ أن أولاد المدمنين غالبا ما يكونون هم كذلك كآبائهم.
في الواقع، إن أعدادا كبيرة للغاية من الناس وأسرهم ومجتمعاتهم يعانون من عواقب تناول الخمور وتعاطيها والإدمان عليها. وقد حان الوقت لزيادة الجهود لوقف هذا التهديد الخطير في حياة الناس وصحتهم، وبوسع كل الدول بذل المزيد من الجهد لخفض التكلفة الصحية والاجتماعية للاستخدام الضار للكحول والخمور. وأصبح لزاما على الدول والشعوب والمجتمعات المحلية أن تضع سياسة عامة، للحد من مخاطر تناول الخمور والكحول، ويمكن أن تتضمن هذه السياسة المجالات الآتية:
1. مجال الوعي والإرادة المجتمعية والسياسية: لا يمكن الحد من تعاطي الخمور والمشروبات الكحولية في أي مجتمع أو القضاء عليها إلا من خلال توافر وعي مجتمعي وإرادة سياسية فاعلة، تملك القدرة اخذ القرار الشجاع، وعلى تشريع سياسات وطنية شاملة؛ ومتعددة القطاعات، وأن تقترن بخطة عمل محددة، وأن تستند إلى آليات فعالة ودائمة للتنفيذ والتقييم، ولا غنى عن الالتزام المناسب من المجتمعات المحلية والفعاليات الاقتصادية، لأنها العامل المؤثر في الترويج لها أو تعاطيها.
2. مجال توافر الخدمات الصحية: يقتضي هذا المجال أن تتصدى المؤسسات الصحية للضرر الذي يلحق بالأشخاص الذين يعانون بالفعل من اضطرابات تعزى إلى تعاطي الخمور والكحول أو من اعتلالات صحية أخرى. وينبغي أن توفر الخدمات الصحية تدخلات الوقاية والعلاج للأفراد وأسرهم ممن يتعرضون احتمالا أو فعلا للاضطرابات ناجمة عن تعاطي الخمور والكحول، وتزويد المجتمعات بالمعلومات عن العواقب الصحية العمومية والاجتماعية المترتبة على تعاطي الكحول.
3. مجال العمل المجتمعي: يتوقف الحد من تناول الخمور والكحول على البنية التحتية الثقافية والاقتصادية للمجتمعات المحلية، فمقدار ما تكون هناك رغبة عند أفراد المجتمع المحلي في تعاطي الخمور والكحول تزداد نسبة المعروض في السوق، والعكس صحيح أيضا. حيث يقل عرض الخمور وبيعها في الأسواق والمحال التجارية عندما يرفض أفراد المجتمع بيع وتناول الخمور، أو يقل عدد الراغبين في تعاطيها. ويمكن للحكومات وسائر أصحاب المصلحة دعم وتمكين المجتمعات المحلية، بحيث تستخدم معارفها المحلية وخبراتها في إتباع أساليب فعالة للوقاية والحد من تعاطي الخمور الكحول، وذلك من خلال تغيير السلوكيات الجماعية لا السلوكيات الفردية.
4. مجال توافر الكحول: إن توافر الكحول على نطاق واسع قد يكون سببا رئيسا من أسباب انتشار وتعاطي الخمور والكحول لا سيما على مستوى الشباب، وعليه؛ فان هذا المجال يقتضي وضع إستراتيجية وطنية، تتضمن قوانين وسياسات وبرامج للحد من المستوى العام لتعاطي الكحول. ليس على مستوى الأسواق النظامية وحسب، بل أيضا على مستوى الأسواق غير النظامية التي قد تكون السوق الأكثر ترويجا للخمور والكحول، أثناء التشدد على الأسواق النظامية. ففي بعض البلدان النامية والبلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل تشكل الأسواق غير النظامية المصدر الرئيس للكحول، بالإضافة إلى ذلك فان القيود التي تفرض على توافر الكحول وتكون صارمة أكثر من اللازم يمكن أن تشجع على نشوء سوق موازنة غير مشروعة.
5. مجال التسويق والدعاية: يقتضي هذا المجال الحد من التسوق والداعية للمشروبات الكحولية، ولا سيما على الصغار والمراهقين، فالكحول اليوم يجري تسويقها من خلال تقنيات إعلان وترويج متزايدة التعقيد بما في ذلك الربط بين العلامات التجارية للمنتجات الكحولية وبين الأنشطة الرياضية والثقافية والرعاية، وإقحام المنتجات، وكذلك من خلال تقنيات تسويق جديدة مثل رسائل البريد الإلكتروني، والرسائل القصيرة للهاتف المحمول، والرسائل الصوتية الرقمية، ووسائل الإعلام الاجتماعية، ووسائل تقنيات التواصل.
6. مجال سياسات التسعير: ويقتضي هذا المجال رفع أسعار المشروبات الكحولية إلى حد يشعر مستهلكوها ومتعاطوها أنها تؤثر بشكل سلبي على مدخلاتهم اليومية، حيث إن المستهلكين للخمور والكحول بما فهيم الذين يسرفون في الشراب والشباب حساسون للتغيرات التي تطرأ على أسعار المشروبات. إذ تعد زيادة أسعار المشروبات الكحولية من أفعال التدخلات الرامية إلى الحد من تعاطي الكحول. ومن المهم إنشاء نظام لفرض ضرائب محلية خاصة على الكحول والخمور، وليقترن مع نظام فعال للإنقاذ قد يأخذ بعين الاعتبار حسب الاقتضاء محتوى المشروب من الكحول.
7. مجال التدابير المضادة للقيادة تحت تأثير الكحول: يقتضي هذا المجال اللجوء إلى تدابير محكمة تستهدف الحد من احتمال إقدام أي شخص على القيادة؛ وهو تحت تأثير الخمور والكحول، وتدابير توفر بيئة أكثر أمانا للقيادة، وتحد من احتمال وشدة الضرر المرتبط بحوادث التصادم والارتطام التي يتسبب فيها الأشخاص؛ وهم تحت تأثير الكحول.
8. مجال الرصد والترصد: حيث تشكيل البيانات المستمدة من أنشطة الرصد والترصد الأساس اللازم لنجاح خيارات السياسة العامة للحد من تناول الخمور والكحول وتنفيذها على نحو ملائم. ومن الضروري الاضطلاع بأنشطة مختلفة تضمن المزيد من الرصد لهذه الظاهرة وذلك من خلال إجراء مسوح وطنية دورية بشأن استهلاك الخمور والكحول، والضرر الناجم عن تعاطيها، ووضع خطة لتبادل المعلومات وتعميمها.
وسوم: العدد 819