لماذا تتمسك الدولة العبرية بهضبة الجولان؟
في مسرحية مبتذلة (ترامب يهب الجولان السورية للدولة العبرية كما وهب بلفور فلسطين العربية للصهاينة)، والهضبة السورية المنيعة وهبها من قبله حافظ الأسد عام 1967 هدية للكيان الصهيوني وفاء لأصوله اليهودية، وحرص هذا الوفي لأصوله على حماية الدولة العبرية من حدودها الشمالية لأكثر من أربعة عقود.
نعم أكثر من أربعة عقود مرت على هضبة الجولان السورية وهي في الأسر، تستوطنها قطعان الصهاينة المحتلين ويستنزفون خيراتها ومخزونها المائي. وأخيراً ها هو بنيامين نتنياهو الذي فاز حزبه بانتخابات الكنيست الأخيرة بفضل دعم ترامب له حين أعلن أن الجولان جزء من الدولة العبرية، ولم يخف نتن ياهو فرحته التي غمرته وهو يعلن عن فوز حزبه بالانتخابات الأخيرة وبالتالي التمسك بهضبة الجولان التي وهبها له ترامب. فلماذا فرح نتن ياهو بهذه الهدية ولماذا تتمسك الدولة العبرية بهذه الهضبة؛ حتى ولو كان الثمن السلام وحتى الحرب وإشعال فتيلها في هذه المنطقة الحساسة من العالم ولو بعد حين؟!
الجواب ليس صعباً إذا ما عرفنا أن هضبة الجولان، هي من أهم المناطق العربية التي سيطرت عليها الدولة العبرية في حرب حزيران عام 1967، ولم يكن هناك أي مشكلة بين هذه الدولة المزعومة ومصر عندما قبلت بإعادة سيناء إلى مصر ضمن شروط أمنية تم الاتفاق عليها برعاية أمريكية ودولية، وكذلك كان الحال مع الأردن في اتفاقية عربة، حيث استعادت المملكة الأردنية كامل أرضها المحتلة عام 1967 من هذه الدولة المزعومة، ورسمت حدودها الدولية مع الكيان الصهيوني الغاصب بضمانة أمريكية ودولية، ولكن هضبة الجولان المحتلة لم يتم لها أي تسوية، وتصر إسرائيل على التمسك بها ليس فقط بسبب موقعها العسكري الاستراتيجي فحسب، بل أيضا بسبب أهمية هذه المرتفعات للسيطرة على مصادر المياه الأساسية في لبنان وفلسطين وسورية والأردن، وبنظرة سريعة إلى الخريطة، يبدو بوضوح كيف أن هضبة الجولان تسيطر على مصادر مائية مهمة في المنطقة. بالإضافة إلى ما تملكه من ثروة مائية، جعلت لموقعها أهمية خاصة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني.
ولعلَّ تصريحات المسؤولين الصهاينة قبل قيام كيانهم المغتصب لفلسطين وبعد قيامه يعطينا السبب الوجيه الذي من أجله تتمسك إسرائيل بهذه الهضبة السورية رغم مرور أكثر من أربعة عقود على احتلالها، وصدور مجموعة من القرارات الدولية عن مجلس الأمن والهيئة العامة للأمم المتحدة، تطالب الكيان الصهيوني صراحة بالخروج من الهضبة وإعادتها إلى الوطن الأم سورية، ولكن كل هذه القرارات كانت حبراً على ورق ثم الغرق في أرشيف الأمم المتحدة المنسية بفعل الحصانة العالمية التي تضمنها أمريكا للدولة العبرية.
فهذا صاحب المشروع الصهيوني حاييم وايزمن يقول في الرسالة التي وجهها إلى لويد جورج رئيس وزراء بريطانيا بتاريخ 29- 12-1919 باسم المنظمة الصهيونية العالمية: (إن المنظمة الصهيونية لن تقبل تحت أية ظروف خطة سايكس – بيكو، حتى كأساس للتفاوض لأن هذا الخط لا يقسم فلسطين التاريخية وحسب، بل يفعل أكثر من ذلك، إنه يَحرم الوطن القومي لليهود من بعض أجود حقول الاستيطان في الجولان وحوران التي يعتمد عليها إلى حد كبير نجاح المشروع بأسره).
ويقول إيغال آلون منظّر حزب العمل الإسرائيلي: (إن لهضبة الجولان ولمنحدر جبل الشيخ أهمية حيوية، لا من أجل الدفاع عن مستوطنات وادي الحولة ضد الرمايات السورية فحسب، وإنما أيضاً لحاجات إسرائيل الاستراتيجية الشاملة في الإشراف على الجولان، فهذا الأمر يتعلق بالدفاع عن الموارد الأساسية لمياهنا، وبالدفاع عن الجليل الأعلى والأسفل، وبالدفاع عن الأردن الأعلى والأوسط، ووادي الحولة وبحيرة طبريا والوديان المحيطة بها ووادي بيسان. (وفي عام 1993 صرح شمعون بيريز الرئيس السابق للكيان الصهيوني (وزير خارجية الكيان الصهيوني) آنذاك ومهندس (الشرق الأوسط الكبير): (إن المياه قبل الأرض، ولو اتفقنا على الأرض ولم نتفق على المياه، فسوف نكتشف أن ليس لدينا اتفاق حقيقي). كما قال زيفي اوتبرغ رئيس هيئة المياه في طبريا: (إنه إذا زاد نقص المياه في إسرائيل ولم نستطع التوصل إلى حل المشاكل بالطرق السلمية، فلا بد من حلها بواسطة الحرب وليس هناك خيار آخر، فالماء كالدم لا يمكن العيش من دونه).
وبالإضافة إلى ما تسيطر عليه هضبة الجولان ولمسافات بعيدة من مصادر مائية مختلفة مثل مجرى نهر الليطاني في لبنان وبردى في سورية، فإن الهضبة تسيطر بشكل مباشر على مصادر مائية مهمة. ويضم الجولان اليوم بالإضافة إلى جبل الشيخ وبحيرة طبريا أكبر تجمع مائي في المنطقة العربية، بمخزون قدره 4 مليارات متر مكعب من الماء.
وهذا يفسر الاهتمام الكبير الذي أولته سلطات الكيان الصهيوني بهذه الهضبة من خلال تنفيذ الكثير من المشاريع الاستيطانية والزراعية والمائية المختلفة داخل الهضبة وفي محيطها، وكلفت الحكومة بعض المؤسسات المهتمة بشؤون المياه إجراء مسح شامل للثروة المائية فيها ووضع دراسات وافية وشاملة للاستفادة منها. ومن هنا كانت القيادة الصهيونية تقدم الإغراءات المالية، وغيرها من الأساليب لتشجيع المهاجرين اليهود للسكن والاستيطان في الهضبة.
هذا ما تفكر به إسرائيل وما تخطط له بالنسبة إلى هضبة الجولان السورية المحتلة فماذا نحن فاعلون؟!
فمنذ أربعة عقود ونحن لا نفعل أي شيء تجاه أرضنا المحتلة، فلا نحن تمكنا عن طريق الدبلوماسية والوسائل السلمية إلى التوصل إلى حل مع العدو الصهيوني لاستعادة هضبة الجولان، كما فعلت مصر والأردن. ولم نقم بواجبنا الوطني في حقنا المشروع تجاه أرضنا السليبة ونحررها؛ فما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة.
النظام السوري الذي فرط في الجولان وحمى حدود الدولة العبرية لأكثر من أربعين سنة، واكتفى بشعارات التصدي والتحدي والصمود والممانعة كل تلك السنين وهو مشغول بتثبيت أقدامه في الحكم على أشلاء مئات الألوف من الشهداء والسجناء والمعتقلين والملايين من المهجرين خارج الوطن والنازحين داخله.
النظام الوضيع الذي أدخل كل شذاذ الأفاق لنصرته والدفاع عنه من كل أصقاع الدنيا بما فيهم الدولة العبرية، وباع أصول سورية أرضاً وشعباً هو لا يضع الجولان في حساباته على أنها أرض محتلة؛ ولطالما هو على رأس السلطة في دمشق فإنه سيظل وفيا لأصوله اليهودية كما فعل أبوه من قبل، ولن يعكر صفو أو حياة أي مستوطن صهيوني يعيش في الجولان ويستوطنها.
وسوم: العدد 820