لماذا تنجح الديمقراطية في إسرائيل وتخفق في العالم العربي ؟!
بعد انتصار إسرائيل الكبير وهزيمة العرب الكبرى في 5 يونيو 1967 ؛ أسرع بن جوريون وموشيه دايان وزير دفاع إسرائيل حينئذ إلى الالتقاء بشخصية فلسطينية في الضفة الغربية كان بن جوريون على معرفة بها قبل قيام إسرائيل ، وسأل بن جوريون تلك الشخصية : " أتعرف بم انتصرنا عليكم ؟! " ، وأجاب نفسه : " بالديمقراطية " . وفعلا أخذت إسرائيل بالديمقراطية منذ نشأتها ، وفي إعلان ما تسميه استقلالها ، أكدت صفتها الديمقراطية . وكانت هذه الديمقراطية من بين أهم عوامل بقائها وقوتها . وفي الموازي ، في العالم العربي ، اختفت الديمقراطية ، وأخفقت كل محاولات العمل بها ، وما أخذ به من أساليبها لم يتعد الصورية المضللة عديمة الفاعلية مثلما نشهد في الدول العربية ذات البرلمانات . فلم نجحت الديمقراطية في إسرائيل الدولة الجديدة المختلقة بقوة العدوان وعنف الباطل ، وأخفقت في الدول العربية ؟!
نجاحها في إسرائيل تفسره المؤثرات الآتية :
أولا : قيادات الحركة الصهيونية ، والمؤسسون الأوائل لإسرائيل ؛ ينتمون في ثقافتهم وفكرهم السياسي والاجتماعي للثقافة الغربية ، فكان طبيعيا أن يتصرفوا وفقها ، والديمقراطية هي روح هذه الثقافة وهذا الفكر .
ثانيا : هذا التصرف وفر لهم تماهيا كاملا مع الغرب إلى حد قولهم إن إسرائيل ستضعف في غياب هذا التماهي ، وإن الغرب سينفر منهم .
ثالثا : حرص الإسرائيليين على القول إنهم منارة حضارية وقدوة في المنطقة ، ولا حضارة ولا قدوة دون ديمقراطية .
رابعا : الشعور الكبير بالخطر في المجتمع الإسرائيلي يدفع بقوة لاتخاذ أنجع الأساليب في الحياة السياسية ، وكل جوانب الحياة الأخرى ، وأنجع هذه الأساليب هو الديمقراطية التي تحرر قوى المجتمع ، وتؤمن كل صاحب فكر أو رأي أو موقف مهما اختلف مع السياسة العامة ، وهذا يخلق مجتمعا قويا يواجه الخطر بفاعلية ، والاستبداد يئد طاقات الناس وقدراتهم على الفعل المنتج النافع في النهاية لكل المجتمع ، و" خير الحكم أقله تحكما " .
وفي العالم العربي تصارعت مؤثرات نجاح الديمقراطية مع مؤثرات إخفاقها ، وكانت الغلبة في النهاية لمؤثرات الإخفاق ، ومؤثرات النجاح هي :
أولا : وجود عناصر في أكثر الدول العربية درست في الغرب ، وفهمت الديمقراطية ، ورأت فوائدها ، والثقافة العربية لا تخلو من قيم ديمقراطية ، وهل هناك أقوى أمرا بها من قول الله _ تعالى _ : " ... وأمرهم شورى بينهم ... " ( الشورى : 38 ) .
ثانيا : ظهور تجارب ديمقراطية مبكرة في عدد من الدول العربية مثل مصر وسوريا ولبنان والعراق والمغرب والجزائر وتونس ، كان من الممكن البناء عليها.
ثالثا : توفر أعداد من المتعلمين في الدول العربية ازدادوا بتصاعد متوال منذ خمسينات القرن الماضي ، ولنتذكر أن الديمقراطية نجحت في الهند منذ استقلالها في 1947 مع أنها لم تكن أكثر متعلمين من الدول العربية نسبة إلى عدد السكان .
وفي الموازي ، توفرت مؤثرات إخفاق ، وهي :
أولا : غياب نخب سياسية وطنية ترى الأخذ بالديمقراطية رسالة أساسية لها ، ووقع انشغال كبير بالصراع مع إسرائيل دون إدراك لحقيقة أن الديمقراطية أقوى سلاح لمواجهة الخطر الإسرائيلي ؛ لأنها هي التي تصنع المجتمع القادر على هذه المواجهة .
ثانيا : اعتبرت الأنظمة الملكية والأميرية في العالم العربي الديمقراطية خطرا يهدد فسادها واستبدادها وتبعيتها للغرب ، فحاربتها بقوة .
ثالثا : محاربة الغرب وإسرائيل للديمقراطية في العالم العربي ، وتلاقى الاثنان في هذه الحرب مع الأنظمة الملكية والأميرية العربية . الغرب وإسرائيل يعرفان القوة التي سيكون عليها العالم العربي إذا اتخذ الديمقراطية نهجا في السياسة وفي كل جوانب الحياة . ورأينا كيف التقى الفريقان على قتل تجربة مصر الديمقراطية بعد ثورة 25 يناير 22011 . ودائما يقول الإسرائيليون إن الديمقراطية في العالم العربي خطر عليهم ، والاستبداد فيه جيد لهم ، ويحول الحكام العرب إلى كنوز إسرائيلية . وتحول الربيع العربي إلى مآس ودماء وخراب وانهيار دول ومجتمعات أقوى الشواهد على تآمر الغرب وإسرائيل والملكيات والأميريات العربية على التوجهات الديمقراطية في العالم العربي .
ولنأخذ شاهدا صارخا على قتل الديمقراطية في العالم العربي ، وفتح كل مناخات ازدهارها وتقدمها في إسرائيل : في مصر ، أعلن الفريق سامي عنان رئس أركان حرب الجيش المصري السابق أنه سيرشح نفسه لرئاسة 2018 ، فحكمت عليه محكمة عسكرية في القاهرة في 28 يناير الفائت بالسجن 10 سنوات بتهمة الترشح دون إذن القوات المسلحة . وفي إسرائيل ، كون ثلاثة أركان حرب سابقون هم جانتس ويعلون وأشكنازي تكتل " ازرق _ أبيض " ، وفي زمن خرافي نسبة إلى عمر الأحزاب ؛ حقق تكتلهم تعادلا في الأصوات بفارق طفيف مع حزب الليكود الأقدم كثيرا من تكتلهم . وسيطول جري الشعوب العربية وراء حلم الديمقراطية لوفرة من يحاربونها في الداخل والخارج ؛ هذا الحلم الذي صنعه اليونانيون واقعا في القرن السادس قبل الميلاد في نظام الدولة المدينة ، فهل من التشاؤم وجلد النفس أن نقول : كم نحن متخلفون !
وسوم: العدد 820