ورشة المنامة ومؤتمر تل أبيب الأمني الثلاثي انتصاران إسرائيليان بخلفية عربية
نستطيع القول بمرارة محرقة موجعة إن إسرائيل حققت انتصارين هذا الأسبوع في وقت واحد كأن هناك تنسيقا سريا بين الحدثين . الانتصار الأول : ورشة المنامة تحت المسمى المخادع : " الازدهار الاقتصادي من أجل السلام " ، والثاني : مؤتمر الأمن الروسي الأميركي الإسرائيلي في تل أبيب لمناقشة وضع سوريا حاضرا ومستقبلا . وهذا المؤتمر لا سابقة له بين الدول الثلاث ، وحُسِب شاهدا على قدرة إسرائيل على الاحتفاظ بعلاقة متينة مع أعظم دولتين في العالم مع ما في علاقة هاتين الدولتين ذاتهما من خلافات ومشكلات بينية ودولية ، والجمع بينهما انطلاقا من مصلحة إسرائيلية لا شك في أنه نجاح كبير للدولة العبرية ، ويحرك القلق لدى العرب الذين يتخوفون على مصير أمتهم في غابة الموازنات الدولية . وجذب تل أبيب للطرف الروسي إلى هذا المؤتمر امتداد للتنسيق الكامل بينهما في الساحة السورية الذي مكن إسرائيل من القيام بهجمات متعددة ومتنوعة على سوريا وعلى حليفيها إيران وحزب الله في الأراضي السورية . المؤتمر بلا مغالاة يبدو نوعا من سايكس بيكو جديد وإن كان علنيا على خلاف سايكس بيكو القديم الذي كان سريا بين بريطانيا وفرنسا في 1916 لتقاسم الأرض العربية مع اقتراب زوال دولة الخلافة العثمانية فيها ، وهو الاتفاق الذي مهد لوعد بلفور في 1917 . وقد يمسنا شيء قليل من الاطمئنان لقول رئيس الوفد الروسي نيكولاي باتروشيف في مؤتمر تل أبيب إن إعادة إعمار سوريا أولوية روسية ، وإن إيران كانت وستبقى شريكا قويا لروسيا في سوريا ، وكل هذا لا يريد نتنياهو وأميركا سماعه وإن تظاهر نتنياهو بحرصه على سوريا مستقلة وآمنة وخالية " من كل القوات الأجنبية " . واطمئناننا القليل لقول باتروشيف لا يبعد قلقنا لكونه أكثر من هذا الاطمئنان ، ولكون المؤتمر نجاحا إسرائيليا وصفته بعض الجهات الإسرائيلي بالتاريخي ، وتقييمها ، لمرارتنا المحرقة ، صحيح ، وعقده في تل أبيب تخصيصا جزء من تاريخيته لما فيه من إثبات لكبر وزن إسرائيل ، ولولا أنني لا أقر بأن فلسطين بيت للإسرائيليين المهاجرين المغتصبين لاستعدت المثل العربي : " في بيته يؤتى الحَكَم " .وخلفية انتصار إسرائيل بعقد هذا المؤتمر خلفية عربية لما فعله أتباعها وأتباع أميركا من العرب في سوريا من تفجير لموجات التقتيل والتخريب طوال ثماني سنوات وثلاثة أشهر . وانتصار إسرائيل الأول في ورشة المنامة لا يقل أهمية وجلالا عن انتصارها الثاني ، بل هو أبعد عمقا وامتدادا منه ، وكيف لا يكون بهذه الصفة وهو يهيء لتصفية القضية الفلسطينية محور الصراع مع هذا العدو الذي غرس نبتا شيطانيا ساما في القلب العربي والإسلامي ، ويفتح الباب متسعا دائما لتوغل إسرائيل المتنوع في هذا القلب ، ويوجز قضية وطن وحقوق سياسية سيادية في 50 مليار دولار سيدفع للفلسطينيين نصفها ، ونصفها الآخر رشا لمصر والأردن ولبنان ؟! ولا يخفض من أهمية انتصار إسرائيل وجلاله في ورشة المنامة أنها ، بنصح من أميركا ، لم تحضرها رسميا . حضورها أو عدمه في هذه الورشة سيان ، فانتصارها تحقق بعقد الورشة ذاتها لكونها ما عقدت إلا من أجلها ، واستهدافها الازدهار الاقتصادي الفلسطيني تدليس وتمويه . وإسرائيل إذ لم تحضر رسميا حضرت إعلاميا ممثلة بحضور سبع وسائل إعلام إسرائيلية ، وبعناصر سريين للموساد ، وربما هناك حضور إسرائيلي رسمي سري . قلنا إن انتصار إسرائيل في مؤتمر تل أبيب الأمني الثلاثي عربي الخلفية ، وهذا حال انتصارها في ورشة المنامة ، فلولا التبعية الخاضعة لأكثر الدول العربية وأولها دويلات الخليج لسطوة الهيمنة الأميركية ما انعقدت الورشة وما كان انتصار بعقدها . وفي محو مطلق لسيادة البحرين ، أو محمية الأسطول الخامس ، دعت أميركا وسائل الإعلام الإسرائيلية السبع لتغطية فعاليات الورشة بجوازات إسرائيلية ، أي أن البحرين لم توجه هذه الدعوة وإن كانت مغتبطة بها راضية عنها . ويكشف عمق المحو الأميركي للسيادة البحرينية في هذه الدعوة أن أميركا رفضت السماح لدانا فايس مراسلة الشئون السياسية للقناة الإسرائيلية الثانية عشرة بحضور الورشة لخلاف قديم بين البيت الأبيض ودانا . ولشعور جرينبلات مبعوث السلام الأميركي للشرق الأوسط أنه في البحرين صاحب الأمر والنهي من خلال دولته ؛ تبادل كلمات الطمأنة والتهنئة مع باراك رافيد مراسل القناة الإسرائيلية الثالثة عشرة الذي غطى الورشة . انتصارا إسرائيل في ورشة المنامة وفي مؤتمر تل أبيب الأمني الثلاثي خلفيتهما عربية . بعض العرب يسهمون بفعالية كبرى في هزيمة كل العرب ، فكيف لا ينتصر أعداؤنا ؟! من يبني بيتك إذا كنت أنت أكبر من يهدمه ؟!
وسوم: العدد 830