دولة واحدة لا صفقة قرن الجزء الأول
منذ فترة والحديث عما يسمى بــــ (صفقة القرن) في الإعلام ولا تفاصيل، ذلك الحديث الذي جرى بطريقة إعلانية والكل يدلو بدلوه فيه دون أدنى فكرة عنه، وانقسمت الدول العربية ما بين مؤيد له ومناهض؛ وهو لا يعرف تفاصيل هذه الصفقة.
فالنظرة الأولية للصفقة أنها ليست إلا إعلانا عن قبول كل ما يطرح من قبل الولايات المتحدة دون النظر إلى المحتوى، وهذه الطريقة في الإعلان سيف ذو حدين، فهي تحشد المؤيد القابل لكل شيء لقبوله؛ وهم الحكام الذين يعيشون حالة من الانفصال التام عن الشعوب، فهم منشغلون في المحافظة على استمرارهم في سدة الحكم، غير مكترثين بردود أفعال شعوبهم المكبوتة والرافضة لهم والمستنكرة لأفعالهم. هذه الشعوب التي أحبطت كل مساعيها للتحول الديمقراطي والذي كان من شأنه أن يجعلها في مصاف الدول المتقدمة...
بيد أن واقع هذه الشعوب الضعيفة المستباحة يجعل صوتها خافتا غير مسموع وغير مؤثر، لكن صوت الحق لن يموت...
فبدل أن تقاوم صفقة الأوهام، يجدر بها أن نفكر في حلّ بديل! فهذه "الصفقة" حتى وإن وقعت ونفذت فهي ليست شرعية، لأنها تعطي الشرعية للكيان الصهيوني الذي يعيث في الأرض فسادا؛ ويظن بأن وجوده معتمد على أذى من حوله، والذي تسبب في قتل الكثير من النخبة التي رفضت ظلمه من خلال أذنابه حكام البلاد المجاورة الذين كانوا يدعون زورا وبهتانا أنهم مقاومون لهذا الكيان الغاصب، فالمسألة ليست في وجود اليهود بل في صيغة هذا الوجود القائم على أفكار الصهيونية، وإلا لكان الحال كما كان في السابق! فالعالم الإسلامي كان دوما الحاضنة الرحيمة لليهود والمنقذ لهم من ظلم أوربا ومن طغيانها...
إن صفقات تعقد بين حكام لم تخولهم الأمة في عقدها، والذي يتبنى عقد الصفقة يدركون تماما بأن هؤلاء لا يمثلون إرادة شعوبهم، فهم حين يوقعون لا يأبهون إلا بإرضاء من يظنونه حام لوجودهم، غير مدركين أن دورهم ينتهي عند هذا الحد وأن الحماية سترفع عنهم في الغد.
هذا السيناريو قد يبدو حرجًا لكنه ممكنا!! وربما نراه على الأرض فعلا، فعلاقة الشعوب بالسلطات علاقة تعامل مع طارئ، وليست علاقة تعاقدية في إطار عقد اجتماعي حقيقي يقوم على الثقة المتبادلة بين الحكومة والشعب، كل ما في الأمر أن هذه الشعوب مغلوبة على أمرها فهي في حالة ترقب لتلك اللحظة الحاسمة التي ستتخلص فيها من حكامها، وبالتالي ستتخلص من كل قراراتهم.
لكن الأيام القادمة حبلى بالخيرات، فالهوية الحقيقة لشعوب هذه المنطقة بدأت في الظهور، والهوية المزورة تتلاشى وتضمحل يوما بعد يوم، فالحكام الذين كانوا يتبجحون بأنهم مقاومون، نراهم اليوم يطبعون مع الكيان الغاصب!!! والأفكار الإرهابية (الإرعابية) التي انتشرت بل أريد لها الانتشار والظهور افتضح أمرها، فهي لم تظهر ولم تنتشر إلا لتشويه الأفكار و قلب الحقائق وطمس الهوية الحضارية لهذه الأمة.
إذن فكل ما حصل إنما هو حراك يبدو سكونا، وفاعلية تبدو جمودا، وهو ضمن سنن الكون في فرز الحسن والقبيح والتغيير الذي هو نتيجة حتمية.
أفكــــــــــار متضاربة:
الغرب ومنه أمريكا، عنده انطباعات نقلت عبر الزمن دون تمحيص، ترتكز على إعلام الحروب الصليبية، التي كشفت حقيقتها الاقتصادية والعدوانية، لكن لم تكشف ركائزها لأنها ببساطة مازالت مطلوبة وفاعلة، فالغرب يخاف كل شيء إسلامي، ويناهضه برد الفعل من خلال تصوره المسبق وليس من خلال دراسة موضوعية للظواهر وواقع الحال. لذا فإن الحلول المقبولة هي الحلول المفروضة، وليست الحلول المناسبة للزمان والمكان، فالحل المفروض لن يكون أبدا حلا دائما وإنما هو بمثابة نزع فتيل قنبلة ستنفجر بعد زمن. إن ما نطرحه هنا يعتبر تنبيها لهم، ولن يفكروا بالأخذ بهذا الطرح وهم في نشوة انتصارهم يشاهدون انحدار أمة كاملة إلى الحضيض. حكامها انفصلوا عن شعوبها وتحولوا إلى أداة طيّعة بيد الصهاينة، ويتبنون أفكارهم ويلهثون لنيل رضاهم. تبني فكرة الصهيونية في مقارعة القضية الفلسطينية، من خلال دمج الفكرة الصهيونية بالمخاوف الغربية. الحكومات الموجودة في أغلب بلاد المسلمين، صنائع لا تستشار، وهي لا تهتم بأكثر من بقائها، أو حكومات معزولة أو يعمل على عزلها. الحلول التي تطرح حلولا صفرية، أو لا تنسجم مع واقع الإملاء الغربي المفروض فرضا عليهم. الخوف من الإسلام خشية أن تأتي مجموعة إسلامية الخلفية وهذا أمر مرعب لهم، لذا ورغم أن الانتخابات الفلسطينية والتي كانت من نوادر الانتخابات النزيهة التي فازت فيها حماس، لكن النتيجة معروفة ومكتوبة في التاريخ، كذلك قمع الديمقراطية في الجزائر، ومصر، وإدخال المنطقة كلها في فوضى نتيجة هذه المخاوف التي جاءت نتيجة جهلهم بالإسلام، وجهل الإسلاميون أنفسهم بالإسلام، فلم تظهر حركات تجديد فاعلة إلا بضع حركات شبابية لم تترك كبير أثر في المجتمع لأنها خارج السلطة، ولأنه قد تم قمعها من قبل التقليديين بالتسفيه، ومن قبل الحكام بالقمع، لكنها لن تموت وستعود من جديد أقوى مما كانت عليه.
أسباب فشل الحلول التي طرحت:
ما ذكرناه أعلاه يتميز بعدد من النقاط:
الحلول التي طرحت والتي تطرح حتى الآن، تهمل الجانب الحضاري لشعوب المنطقة. الكيان الصهيوني لا يريد حلّا وسطيا يضمن السلام والاستقرار. الكيان اقنع الغرب ــــــــــــــالولايات المتحدة بالذات ـــــــــ أن رؤاهم متطابقة وما سمي بحرب هرمجدون وغيرها، بأنه النظام الديمقراطي الوحيد في المنطقة. التفوق العسكري والدعم الغربي والأمريكي خاصة للكيان. الولايات المتحدة لا ينبغي أن تكون طرفا مشرفًا على الحل فما تقدمه من حلول لا يستند لمنطق ولا يرتقي لحل دائم وانما يعتمد على تجاهل الشعوب وفرض ما تراه فقط. سيطرة الصهيونية على الإعلام، واستخدامهم لهذا الإعلام في إقناع الغرب بما تطرحه دون وجود إعلام بديل. الدول العربية وقادتها، لا يساومون، ولا يمتلكون شخصية اعتبارية. مع فقدان الأمة شخصيتها الحضارية؛ يتعاظم الأمر ليقتل ملايين المسلمين من غير أساب ولا مبررات. التكوين المجتمعي للكيان يجمعه الخوف من التحديات الخارجية. النظرة البعيدة عن الواقع أو الحلول عند الحكام الذين استفادوا في ترسيخ حكمهم واستبداهم متخفين وراء القضية الفلسطينية.
والحقيقة أن القضية الفلسطينية تراجعت في سلم الانتساب من العالم الإسلامي إلى الاستحواذ عليها من العالم العربي، إلى ان تحولت وكأنها قضية قطرية وقطر محتل، وضعف النظم جعلهم يتهافتون لإرضاء الولايات المتحدة عن طريق التقرب من الكيان.
هذه التفسيرات والشروحات ليست جديدة وإنما معروفة للسواد الأعظم من الناس جزئيا أو كليا.
وسوم: العدد 830