حدود إيران خط أحمر وحدودنا لن تكون خط أخضر
إسقاط طائرة التجسس الأمريكية من قبل الدفاعات الجوية الإيرانية سواء كان اسقاطها داخل المجال الجوي الإيراني أو المجال الجوي الدولي هو أمر يخص الدولتين الأمريكية والإيرانية رغم خطورته، لأنه باعتقادي فإن هذه الحادثة هي نوع من الغزل الخشن بين الدولتين، ويؤكد على ذلك تصريحات المسؤولين في كلا البلدين، فكل منهما يؤكدان أنه لا نية له لإشعال حرب بين الدولتين، فهذا نائب الرئيس الأميركي السابق والمرشح إلى رئاسة البيت الأبيض جو بايدن يعلن: إن "آخر شيء نحن في حاجة إليه هو حرب جديدة في الشرق الأوسط"، في حين تؤكد رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي يوم الخميس: "إن الولايات المتحدة لا ترغب في خوض حرب مع إيران".
تصريحات ترامب تؤكد على ما ذهب إليه المسؤولين الأمريكيين معلناً أنه ليس هناك أي نوايا لإشعال حرب لا مكاسب من ورائها لكلا الطرفين، وأن أسلم الحلول هي اللجوء إلى مفاوضات تنتهي بتوصل الطرفين إلى قواسم مشتركة يتم التفاهم عليها بنسب ترضي الطرفين وتحفظ ماء وجههما تجاه المجتمع الدولي، بعيداً عما يرضي حلفاء أمريكا في المنطقة أو يغضبهم، فهذا أمر لا تلتفت إليه أو تهتم به أمريكا، طالما أن القيادات في الدول الحليفة يعطون ويقدمون ما يطلب منهم، ويحصلون في المقابل على وعود وتصريحات خاوية وفارغة كمن يسمع جعجعة ولا يرى طحيناً.
ويؤكد على ذلك محاولات ترمب إيجاد مبررات تحول دون التفكير بأي رد على إيران، فقد قلل من شأن إسقاط طائرة مراقبة مسيرة عسكرية أمريكية يوم الخميس وقال: "إنه يشتبه في أنها أسقطت بالخطأ" مشيرا إلى: أن ”الأمر كان سيختلف كثيرا بالنسبة له لو كانت الطائرة مأهولة".
وقال للصحفيين في البيت الأبيض: ”أعتقد أن إيران ارتكبت خطأ على الأرجح، وأتصور أن جنرالا أو شخصا ما ارتكب خطأ بإسقاط تلك الطائرة".
وأضاف لدى لقائه مع رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو في المكتب البيضاوي: ”لم يكن هناك شخص على متن تلك الطائرة المسيرة. كان الأمر سيختلف كثيرا... كان سيختلف كثيرا جدا جدا إذا كانت مأهولة"، وقال ترامب: ”من الصعب التصديق أن الأمر كان متعمدا إذا أردت معرفة الحقيقة. أعتقد أنه ربما كان شخصا منفلتا وغبيا في ذلك اليوم“، في إشارة لإسقاط الطائرة المسيرة.
تبريرات ترامب هي رسالة يبعث بها إلى المسؤولين الإيرانيين كي يخففوا من لهجتهم التصعيدية تجاه أمريكا، مراهناً على احتمال ألا يتبع الجميع في طهران نفس قواعد اللعبة، وربما يتركون مساحة لأصوات أكثر اعتدالاً هناك، لديها نفس الرغبة الأمريكية في التخفيف من حدة التوتر، حتى يتمكن من ضبط الإيقاع أمام الكونجرس والبنتاجون والمجتمع الأمريكي.
بعد كل هذا الاستعراض لمواقف أمريكا تجاه اسقاط طائرتها التجسسية بواسطة الدفاعات الجوية الإيرانية، وبعد ضرب ناقلتي النفط في بحر عُمان ومن قبلهما التفجيرات في ميناء الفجيرة الإماراتية بواسطة وكلائها الحوثيين في اليمن والحشد الشعبي في العراق وحزب اللات في لبنان، وهي رسائل مهمة من إيران تجاه أمريكا، لتختبر نواياها حول إن كانت سترد على كل هذه الرسائل المتتابعة عبر الكلام أم الفعل، وكان الجواب كما قلنا: "جعجعة بلا طحين".
هناك ملاحظة قد يكون الكثيرون لم ينتبهوا لها أو غفلوا عنها ولم يعيروها أي اهتمام، وهي التصريحات التي أطلقها كل من قائد الحرس الثوري الجنرال حسين سلامي: إن "الحدود الإيرانية خطوط حمراء، وأن كل من يتعرض لها لن يعود وستتم إبادته". والموقف ذاته أكده أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني بالقول: إن "أجواء إيران خط أحمر وسندافع عنها بكل قوة".
وما أريد أن ألفت الانتباه إليه هو ما يقوله هذان الرجلان من أن حدود وأجواء ومياه إيران خط أحمر لن تسمح إيران باختراقها، ولكن إيران الباغية تسمح لنفسها أن تخترق الحدود البرية والبحرية والجوية لأربع دول عربية هي العراق وسورية ولبنان واليمن، وتفعل فيها كل الموبقات وانتهاك الحرمات، مستهينة بإنسانها وشجرها وحجرها، مستهدفة عقيدة شعوب هذه البلدان وديمغرافيتها، وتشارك النظام السادي في دمشق مع مجرم الحرب بوتين بارتكاب المجازر البشعة بحق الأطفال والنساء والرجال، وتدمير المدن والبلدات والقرى على رؤوس ساكنيها في هجمة وحشية لم يشهد التاريخ لها مثيلاً، واجبار الناس على النزوح من بيوتهم ليقيموا في البراري والقفار سقفهم السماء ومفرشهم الأرض وطعامهم أوراق الشجر، ومشربهم ما تجود به السماء من مطر، وفرض الهجرة القسرية عليهم إلى خارج الوطن، تتقاذف أطفالهم ونساءهم أمواج البحر والحدود الشائكة، هرباً من حرب إيران وشركائها المجنونة عليهم، وطلباً للنجاة والأمان الذي سلبته إيران وشركائها المجرمين من حياة الناس في هذه البلدان المنكوبة بحكامها قبل غزاتها.
أخيراً نقول لإيران الباغية أن حدودنا ليست خطاً أخضر كما تتوهمون، وقد عبرتم منها بتسهيل من نمرود الشام، وفي حماية مقاتلات مجرم الحرب بوتين، فدخول الحمام ليس كالخروج منه، فحدودنا خط أحمر قان ونار ملتهبة، ولن نترككم تخرجون منها كما دخلتم على أقدامكم القذرة، بل سيكون خروجكم منها في نعوش الموت الزؤام الذي سنسقيكم إياه قريباً إن شاء الله، وإن غداً لنظاره قريب.
وسوم: العدد 830