مفهوم الحاكمية
يظن الكثيرون أن مفهوم " الحاكمية " هو من إبداعات أو ابتداعات الإخوان المسلمين . وأن أكثر من ركز عليه هو سيد قطب رحمه الله تعالى ولاسيما في تفسيره للقرآن الكريم ....
يحاول البعض أن يصور للناس أن الحديث عن " الحاكمية " ينصب على الفروع والجزئيات وليس يؤسس للأصول والكليات ، التي تضبط الفروع والجزئيات .
قضية الحاكمية قضية قديمة جدا في تاريخ الفكر الإنساني ، وهي مطروحة على مستوى الفلسفة والفلسفة الأخلاقية وعلى مستوى كل الشرائع والقوانين والنظم ..
يتساءل الفلاسفة والمفكرون والمشرعون : ما هو مستند توصيف الحق والباطل ؟!
وقبل أن تدرس الحاكمية : ما هو حكم السارق ، تتساءل : هل السرقة فعل حسن أو فعل قبيح ؟ هل الفساد المالي فعل حسن أو فعل قبيح ، ومن يقرر هذا الوصف أو ذاك. قد يقول قائل : ولا أحد يخالف في توصيف هذا ، ونقول بل المخالفون في توصيف هذا وأشباهه ونظائره كثير . وحتى أصبح من الجريمة أن تستنكر بعض الأفعال التي تسوق في منظومات ما يعرف بحقوق الإنسان .
ديستوفيسكي يقول في " الأخوة كارامازوف " ويصدق : " إذا لم يكن الله موجودا فكل شيء مباح " . بمعنى أن حكم " الله تعالى الله " هو مستند القانون الأخلاقي في العالم . وانه حين يعلن بعضهم موت الله - جل الله - فإنه يقوض هذا القانون من أساسه . في الغابة يضبط قانون الغريزة ، وفي المجتمعات الإنسانية اليوم يسقط حتى هذا القانون . ويسقط معه ما يسمى القانون الطبيعي الذي طالما تدارى به بعض الفلاسفة والمفكرين.
مفهوم الحاكمية يطرح القضية على هذه الطريقة : من يحكم أن هذا جميل وأن هذا قبيح ؟؟ . الله .. أو العقل .. أو السلوك الجمعي للمجتمعات " المعروف " وعلى أي المعطيات يستند هذا السلوك على ثابت أو على متحول يموج مع الهوى بلا ضابط ولا رابط ..
التعبير القرآني في سياق آخر يحتفظ لله وحده حق تقرير هذا حلال وهذا حرام ؟! حق توصيف هذا حق وخير وحسن وجميل وهذا باطل وشر وفاسد وقبيح . ويعزل البشر الذين كثيرا ما تتلاعب بهم أهواؤهم ، وتتغلب عليهم مصالحهم الفردية أو الفئوية عن التصدي لمثل هذا الدور
( وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ).
سؤال الحاكمية الكبير : وماذا لو قرر البرلمان الشرعي المنتخب ديموقراطيا بطريقة نزيهة : تحليل الحرام أو تحريم الحلال ؟! أو توصيف القبيح بالجميل وتوصيف الجميل بالقبيح ؟!
نحن - وأقصد المسلمين القائلين بالديموقراطية القابلين بها مرجعية - نقول عندها سيكون لدينا مشكلة مجتمعية في مفهومي المعروف والمنكر ، وفي فقه اختيار الرجال ، ويجب علينا كدعاة ومعلمين ومربين أن نعود إلى المجتمع تعليما وتثقيفا وإرشادا ..
غيرنا من أصحاب المدارس الإسلامية - من الرافضين للديموقراطية - يقولون علينا أن نحمل العصا على الناس ، ونكرههم على ما لا يحبون ..
ولنا ( وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ )
مختصر مفيد في الرد على أصحاب المذاهب العدمية من المتطرفين من يمين وشمال .وهم كثر في هذا الزمان ..
( فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ ) آية في كتاب الله تتلى لتتدبر حين يأتي تأويلها ...
وسوم: العدد 830