أخطر غابة طبيعية ، أقلّ سوءاً ، من مجتمع بشري ، تَسوده فوضى !
مجتمع الغابة ، حياته منظّمة:
كلٌّ يَعرف قدراته .. كلٌّ يعرف أعداءه.. كلٌّ يعرف ممّ يخاف .. كلٌّ يعرف كيف يتصرّف، عند الخطر.. كلٌّ يعرف ماينفعه ، وما يضرّه ، من الطعام والشراب.. كلٌّ يأكل بقدر حاجته .. كلٌّ يطعم أفراد أسرته ، بقدر حاجاتهم.. لا أحد يقتل أحداً، إلاّ لضرورة الأكل، أو للدفاع عن النفس!
المجتمع البشري، في الحالة الطبيعية:
مصطلح الحالة الطبيعية ، يختلف معناه ، من بلد إلى آخر، ومن مجتمع إلى آخر!
فهناك المجتمعات ، التي قَطعت أشواطاً بعيدة ، في تنظيم حياتها وأمورها ، على سائر المستويات ، لكن سيطرت عليها هواجس عدّة ، من أهمّها :
هاجس الحرّية الفردية : التي تخوّل المرء ، بفعل كلّ مايرغب ، دون المساس بحرّيات الآخرين ! وكلّ ذلك ، في إطار القوانين ، التي وضعتها هذه المجتمعات ، لأنفسها !
هاجس الأنانية : الذي يجعل (الأنا) ، هي الأساس ، في حياة الفرد ، بصرف النظر، عن القيَم العليا ! وانطلاقاً من هذا الهاجس ، تفكّكت الأسَر، وصار كلّ فرد فيها ، يبحث عن لذّاته الفردية ، وعن مصالحه الخاصّة ؛ فلا يهتمّ بأمّ أو أب ، ولا بأخ أو أخت ، فالكلّ مشغول ، بما يحقّق رغباته وشهواته !
وهناك المجتمعات ، التي تغلب عليها قيَم معيّنة ، هي قيَم التسلّط والاستبداد ، التي تعزّز، لدى الفرد ، أنانية من نوع ما ، تتدرّج ، في مستوياتها ، حتى تصل ، إلى دكتاتورية الحاكم ، وتسلّطه الذي يحتكر ، بموجبه ، لنفسه ، أنواعاً من الحرّية ، يمنع منها الآخرين ، وأهمّها حرّيته ، في التسلّط ، وحده ، على شعبه ! وهذا نوع من الفساد ، تنبثق عنه ، أنواع من الفساد ، الذي يستجير منه العقلاء ؛ لأن توحّش (الأنا) ، دون ضوابط دينية ، أو خُلقية ، يجعل المجتمع البشري ، في المآل ، أسوأ من مجتمع الغابة ؛ إذ يموت فيه أناس ، من التخمة ، في الوقت الذي يموت فيه أناس ، من الجوع !
المجتمع البشري ، في حالة الفوضى: أمّا المجتمع ، الذي تهيمن عليه الفوضى ، فهو مجتمع هشّ بائس ، لا يتمنّى عاقل ، العيش فيه ؛ فهو ممّا تنطبق عليه ، مضمونات عدّة ، من أهمّها:
مضمون الحديث الشريف ( .. لأتيحنّ لهم فتنةً تَدعُ الحليمَ حيران ) !
ومضمون الحديث الشريف (.. لايَعرف القاتلُ فيمَ قَتل ، ولا القتيل فيمَ قُتل )!
وسوم: العدد 846