العراق: لماذا زادت المجازر وعمليات الخطف والاغتيال؟
جاءت استقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي في نهاية الشهر الماضي بعد مجازر في الناصريّة والنجف وبغداد، وقد تساءلت افتتاحية «القدس العربي» حينها إن كانت الاستقالة ستوقف القتل في العراق، وقد جاء الرد على هذا السؤال باستراتيجية جديدة تبادلت فيها المنظومة الأمنية العراقية الأدوار مع الميليشيات المسلّحة.
بدأت الاستراتيجية بمحاولة بلبلة الجماهير المنتفضة بإنزال مظاهرات مقابلة لأنصار الميليشيات تخلط في شعاراتها الغوغائية بين اتهام المتظاهرين السلميين بالعمالة لأمريكا وإسرائيل، وادعاء الدفاع عن المرجعيّة الشيعيّة.
كانت النقلة الثانية هي الهجوم على المتظاهرين بالسكاكين وطعن العشرات منهم، فيما ترافقت الحركة الثالثة مع الهجوم بالرصاص الحيّ وخطف المتظاهرين وترويعهم، واستهداف رموز الناشطين السلميين عبر اغتيالهم بعمليات ذات طابع استخباراتي يقوم بها أشخاص ملثمون بملابس سوداء يتنقلون على دراجات نارية ويستخدمون المسدسات الكاتمة للصوت، كما استهدف القتل والخطف والترويع بعض الناشطات.
يختار «الملثمون» ناشطين مثل فاهم الطائي (53 عاما)، الذي اغتيل في مدينة كربلاء الأحد الماضي قرب منزله، وعلي اللامي (49 عاما)، الذي اغتيل لدى عودته من ساحة التحرير في بغداد الثلاثاء الماضي، وزيد الخفاجي، المصور الشاب الذي اختطف من أمام بيته في بغداد، وتقوم استراتيجية الخطف والاغتيال هذه على إظهار معرفة القتلة بعناوين الأشخاص وقتلهم قرب بيئاتهم العائلية والاجتماعية بغرض توجيه رسالة الترويع للحاضنة الاجتماعية لزرع الرعب فيها، كما تبيّن اختيارات القتلة لناشطين مصرّين على السلميّة على محاولات لإشعال ردود فعل عنيفة تكون مبررا لاستمرار القتل وتوسيعه وصولا إلى إنهاء الثورة العراقية بالعنف.
تم اتباع هذا النهج، كما هو معلوم، في مناطق العراق السنّية، وأضافت السلطات الأدوات اللازمة عبر التسهيل لهروب مئات من عناصر تنظيم «القاعدة»، وهو ما أدّى إلى الصعود المعروف لتنظيم «الدولة الإسلاميّة»، ووصولا إلى التداعيات العراقية والعربية والعالمية المهولة التي نتجت عنه، وأدّت بالنتيجة إلى إنهاء الانتفاضة السلميّة العراقية، كما انتقلت إلى سوريا وشاركت في تدمير ثورتها ضد نظام بشار الأسد، وصولا إلى تقسيم البلاد الحالي على قوى احتلال عديدة.
تشكّل الاستراتيجية المذكورة «الدليل العملي» لأغلب الأنظمة العربيّة بغرض كسر الاحتجاجات السلميّة والشعبيّة ودفعها باتجاه العنف المضاد، والواضح أن الشخصيات السياسية الواعية في الاحتجاجات، أمثال فاهم الطائي وعلي اللامي، يشكلون نقيض هذه الاستراتيجية، وتبين الاستجابات الجماهيرية الواسعة بالعودة إلى ساحات التظاهر بعد كل مجزرة تقوم بها السلطات والميليشيات وعيا ثوريا كبيرا لدى العراقيين، فيما تظهر المجازر والخطف والاغتيالات إحساسا متزايدا لدى الحكام الفاسدين وميليشيات القوة الغاشمة بفشلهم في دفع الجماهير العراقية لردود فعل انتحارية، كما حصل أول أمس حين منعوا محاولة اقتحام المنطقة الخضراء بعد تهديدات واضحة من أحد زعماء الميليشيات بقتل عدد كبير منهم.
أهمّ ما يحصل حاليا في العراق هو أن الجبهتين اتضحتا، وما عادت هناك أقنعة، فالميليشيات احتلّت دور الحكومة المستقيلة علنا وصارت تتفاخر بالقتل وتعلن عنه على مواقعها الالكترونية، وتهدد به صراحة، وهو ما يجعلها عمليا تتحرك من خارج أطر القانون المحلّي والدولي، ويبيّن للمتظاهرين أن انتصارهم الأول بإسقاطهم الحكومة جعلهم هم الشرعيّة ما داموا محافظين على تفوقهم الأخلاقي كمتظاهرين سلميين.
وسوم: العدد 855