اتفاقية سيداو واختلاف الثقافات
يدور جدل واسع حول اتّفاقيّة سيداو الدولية لحماية النساء من العنف والتّمييز والقتل والظلم والاضطهاد، ويبدو من خلال ما يكتب في وسائل الإعلام المختلفة ومنها صفحات التّواصل الاجتماعي"الفيسبوك"، أنّ هناك سوء فهم حول هذه الإتّفاقيّة، حتّى يخيّل للبعض منّا أنّها ستطبّق بحذافيرها على الشّعوب والدّول كافّة وبالقوّة، وهذا فهم يجانب الحقيقة. فالحقيقة هي أنّ هذه الإتّفاقيّة تدعو إلى احترام المرأة كإنسان يشكّل نصف البشريّة.
وإذا ما وقفنا أمام بنود الإتّفاقيّة لتقييمنا علينا الإنتباه إلى اختلاف الثّقافات والمعتقدات والتّقاليد بين الشّعوب، فليست كلّ شعوب الأرض عربيّة ومسلمة، فلكلّ شعب معتقداته ومعتقداته، والمسلمون يشكّلون حوالي 20% من سكان العالم، ولا يفهمنّ أحد أنّ المرأة عند الشّعوب أتباع الدّيانات والمعتقدات الأخرى تحظى بالمساواة مع الرّجل، فقد كتبت الفنّانة الأمريكيّة انجيلا ديفيز قبل حوالي أربعة عقود" أنّ المرأة الأمريكيّة تعاني من تمييز يفوق التّمييز العنصريّ بين البشر في الأنظمة العنصريّة."
وما يهمّنا هنا هو المرأة العربيّة والمسلمة من منطلق أنّ الغالبيّة العظمى من شعوبنا العربيّة من أتباع الدّين الإسلاميّ. وإذا كانت بعض الشّعوب قد ارتضت في ثقافتها أن تكون علاقات جنسيّة علنيّة بين الرّجل والمرأة خارج الحياة الزّوجيّة فهذا لا ينطبق علينا، فالديانتان الإسلام والمسيحيّة -التي تدين بهما شعوبنا- وتقاليدنا تعتبر ذلك زنا وتحرّمه، ولا أحد يستطيع تغيير معتقداتنا وتقاليدنا وثقافتنا، مع أنّ أحدا لم يحاول أن يفرض علينا ذلك. لكنّ السّؤال الذي يطرح نفسه هو: هل المرأة في مجتمعاتنا تحصل على حقوقها التي منحها لها الله الذي نؤمن به؟ وهل نطبّق شريعتنا في حياتنا العامّة على تعاملنا مع المرأة؟ فعلى سبيل المثال: هل تأخذ المرأة في بلادنا حقّها في الرّعاية والتّعليم والعمل واختيار الزّوج أو الموافقة عليه والميراث كما دعا إلى ذلك الدّين؟ وهل قَتْلُ النّساء تحت ما يسمّى في مجتمعنا "القتل دفاعا عن الشّرف" تطبيق لشرع الله أم إرث جاهليّ؟ وإذا كان القتل واجبا بحقّ "الثّيّب الزّاني" فمن مِنْ حقّه تطبيق ذلك؟ وهل الشّرع يُطبّق على النّساء دون الرّجال؟ وهل الشّرف يخصّ المرأة دون الرّجل؟ وهناك أسئلة كثيرة تشكّل خللا في فهمنا للدّين وطريقة تطبيق شرع الله.
تدعو اتّفاقيّة "سيداو" إلى حماية المرأة من سطوة المجتمعات الذّكوريّة، ويبقى لكلّ شعب حرّيّة حماية المرأة وإعطائها حقوقها حسب دينه ومعتقداته وتقاليده. فهل نحن ضدّ ذلك؟ وهل من مصالح شعوبنا أن نقول للعالم أنّنا ضدّ إنصاف المرأة وحمايتها من سطوة العقليّة الذّكوريّة؟ وهل من حقّنا أن نطبّق أخلاقياتنا على شعوب أخرى لا تدين بديانتنا ولها ثقافات مختلفة عن ثقافاتنا؟
وهل نعلم أنّ الدّساتير في الدّول العربيّة والإسلاميّة ومن ضمنها الدّستور الفلسطيني تنصّ على: "أنّه لا يجوز سنّ قوانين وتشريعات تتناقض مع الدّين؟ فلماذا كل هذه الضّجّة على اتّفاقيّة "سيداو"؟
وسوم: العدد 855