الحملة القومية للدفاع عن خير أجناد الأرض “طومان باي”!
وعلى وقع أغنية “أنده ويرد الصدى أنا وحبيبي أنا”، كان ما جرى بين “صدى البلد”، و”العربية الحدث”، فبينما قالت خالدة الذكر لميس جابر، عضو برلمان السيسي على الفضائية الأولى إن الأتراك جبناء لا يواجهون، كان اللواء أركان حرب أحمد أبو زيد السماري، المتحدث العسكري باسم الجيش الوطني الليبي يعلن في الفضائية الثانية أن مدفعاً تركيا يحول دون دخول قوات حفتر لطرابلس، ولم يتراجع عن كلامه والدهشة تكسو وجه المذيعة، وتود تنبيهه بأن ما هكذا تورد الإبل، لكنه يؤكد على ما قال، نعم مدفع تركي واحد هو ما يحول دون الوصول إلى الساعة صفر، التي وعهد بها المشير متقاعد!
لا نعرف “ملة” هذا المدفع التركي، أو “ماركته”، ولا أظن أن المعرفة به ستفيدنا كثيراً، لأن معلوماتي عن أنواع المدافع، تشبه إلى حد كبير علاقة عبد الفتاح السيسي مع الأرقام، والذي قال إن بلاداً تهاجم بلاده، وأن دخلها السنوي هو 20 تريليون دولار، وأنه يحتاج إلى مثل هذا المبلغ ليجعل من مصر عروسة، وكما قال السلف الصالح للخلف الطالح: “لبس البوصة تصبح عروسة”، وعندئذ اعتقدت أن هذا الرقم هو الدخل السنوي لواحدة من الدولتين اللتين تقومان بالهجوم عليه: تركيا وقطر، فلا أظن أنه يقصد إسرائيل، لأكتشف أن البلد الوحيد على ظهر البسيطة الذي يصل إلى هذا المبلغ ويتجاوزه هو الولايات المتحدة الأمريكية، تليها الصين والتي يصل دخلها القومي إلى ثلاثة عشر تريليون دولار.
ومن قبل قال السيسي في لحظة من اللحظات التي يخاطب فيها العوالم السفلية: تريد أن تتدخل في شؤون مصر الداخلية ادفع مئة مليار (لم يحدد العملة) ليصبح من حقك ذلك، وأجمع الذين عندهم علم من الكتاب أنه يقصد أهل الحكم في قطر!
نوعية المدافع
الباحث الاقتصادي مصطفى شاهين حل هذا الإشكال في قوله إن عبد الفتاح لا يعرف الفرق بين المليون، والمليار، والتريليون. تماما كما لا أعرف أنا نوعية المدافع وقدراتها، وقطعاً فلن يفيد شيئاً إذا عرفت نوعية المدفع التركي، الذي يمنع حفتر من تنفيذ مهمته في الاستيلاء على طرابلس، ولكني قلت فماذا لو كان المدفع ثلاثة مدافع؟! إذن لهتفت قوات حفتر خلف حلفائه من السلفية المدخلية: “يا خفي الألطاف نجنا مما نخاف” وهو دعاء بسطاء المصريين عندما قصفت الحملة الفرنسية القاهرة بمدافع لا علم لهم بها، فكانوا يفزعون عندما يسمعون دويها المخيف ويبتهلون إلى الله بهذا الدعاء!
لم يهتز للواء أركان حرب المسماري رمش، وهو يعلن هذا على فضائية الحلفاء في الإمارات: “الحدث”، فارتج على المذيعة لهول ما سمعت، وربما اعتقدت للحظة أن قوات السراج دخلت على الخط، فإذا بها تنظر للطلعة البهية لمحدثها وإذا هو من يتكلم وهو في كامل قواه العقلية.. إن شفتيه كانتا تتحركان بما يوحي أنه المتحدث وأنه على قيد الحياة.
مدفع تركي واحد هو ما يعطل حركة التاريخ، ويعرقل الوصول إلى ساعة الصفر، التي وعد بها المشير المتقاعد خليفة حفتر، في زيه العسكري، وإن كان خالياً من الأوسمة والنياشين هذه المرة، وفي مرات سابقة ظهر في النياشين، التي لا نعرف من منحها له، وفي أي حرب خاضها من قبل واستحق عليها التكريم والأوسمة، تماماً كما لا نعرف من رقاه إلى رتبة “مشير”، وقد خرج من ليبيا ضابطاً صغيراً إلى “الحضانات الأمريكية” ليكتمل نموه هناك، كما لا نعرف التاريخ العسكري للواء أركان حرب أحمد المسماري، ومن رقاه لرتبة اللواء، وآخر رتبة في الجيش الليبي لم يصل إليها سوى شخص وهي “العقيد”، وقبل عشرين سنة كتبت مقالاً عنوانه “الأخ العميد”، وأعلنت فيه أنه منذ أن وعيت على وجه الدنيا والقذافي مربوط عند رتبة العقيد، ولهذا فقد قررت ترقيته حباً وقربى، ويبدو أنه لم يفهم المقال وظل يذاكره لأكثر من ثلاث سنوات، فاعتبره سباً وقذفاً في حقه، وعليه فقد أقام ضدي دعوى قضائية وطلب تعويضاً وقدره مليون جنيه عداً ونقداً، ولم يكن قد توصل إلى الثقافة الرقمية للأخ المشير عبد الفتاح السيسي، وإلا كان طلبه مني تريليون دولار على سبيل التعويض المؤقت!
الأتراك جبناء
وقد كان الجيش الليبي موقوفا عند رتبة العقيد فمن حقنا أن نسأل كيف تحصل المسماري على هذه الرتبة العظيمة “لواء أركان حرب”، ليظهر في زيه العسكري ونجومه وسيوفه، وهيلمانه الجسدي في قناة “العربية الحدث”، فيرهب المذيعة ويرهب المشاهدين، قبل أن يعلن بسهولة أن مدفعاً تركيا هو من يعطل مسيرة حفتر في السيطرة على طرابلس، وقد بشر بساعة الصفر!
فمدفع تركي واحد ينتج كل هذا الأثر، ومع هذا فإن لميس جابر تظهر مع أحمد موسى على قناة “صدى البلد” لتعلن أن الأتراك جبناء لا يقدرون على المواجهة؟!
وذلك في سياق الحملة القومية، التي تقودها الأذرع الإعلامية لقائد الانقلاب العسكري في مصر، وقد رد وبتمويل إماراتي على أردوغان، بمسلسل “ممالك النار”، وهو عمل يهاجم الخلافة العثمانية وينتصر للدولة المملوكية، ويرى أنه معني بالانتصار للمملوكي الشركسي “طومان باي”، الذي شنقه السلطان العثماني سليم الأول على باب زويلة، بعد أن هزمه في موقعة الريدانية!
وقد لخص منسق حركة تمرد سابقاً وعضو برلمان السيسي حاليا محمود بدر الحكاية بأن أردوغان هو “سليم الأول”، وأن السيسي هو “طومان باي”، لكن في هذه المعركة لن يُمكن “باي”، “الأول” من الانتصار عليه.. أو كما قال!
وهذا ما يفسر “الزفة”، التي تنصبها الفضائيات لمسلسل “ممالك النار”، وتأتي استضافة لميس جابر في قناة “صدى البلد” في هذا السياق، والتي قالت إن سليم الأول نهب القاهرة وتركها خاوية. وقد يمثل هذا تمهيداً لإعلان عبد الفتاح السيسي أنه ورث تركة ثقيلة وخزانة خاوية بسبب السلطان العثماني!
وفي السياق ذاته تحدث محمد سليمان كاتب السيناريو لهذا العمل الجبار “ممالك النار” فأبدع، عندما قال إنه لا يوجد في التاريخ “حاجة” اسمها خلافة عثمانية، وأنها مجرد أكذوبة، عندئذ أيقنت أننا أمام جهل مطاع، فالخلافة العثمانية، التي حكمت لأكثر من 600 عام، ليس لها وجود في التاريخ وأنها أكذوبة!
أعترف أنني لم أكن قد سمعت باسم كاتب السيناريو للعمل سالف الذكر، وربما هذا بسبب أنني لم أعد متابعاً لتطور الحالة الدرامية في مصر، منذ زمن أسامة أنور عكاشة، ووحيد حامد، ومجدي صابر، وقد انتهى المطاف باحتكار الحكم العسكري للدراما تماماً، وعندما سئل وحيد حامد قبل أيام عن سبب توقفه عن كتابة الدراما؟ فقال إنه كتب مسلسلين وأرسلهما إلى الرقابة، لكنهما لم يخرجا منها، كما هي العادة، وإن هذا سلوك يحدث مع غيره أيضاً!
لقد بحثت عن التعريف بسيناريست المرحلة الذي كتب عملاً تاريخيا انتصر فيه للمماليك الشركس على حساب الأتراك، فوجدته صاحب أعمال يكفي كتابة اسمها للوقوف على مدى جدارته بكتابة هذا العمل، خذ عندك:
“تامر وشوقية”، “بابا زعيم عصابة”، “عصام والمصباح”، “رومانسية بالأرانب”!
وعندما يكون هذا هو المستوى، فليس غريباً البتة، أن يكشف السيناريست عن اكتشافه العبقري: لا توجد في التاريخ “حاجة” اسمها خلافة عثمانية!
لا بأس، فمن الواضح أن القوم يدقون طبول الحرب الآن للأخذ بالثأر، والانتصار لـ “طومان باي”، ودخل إبراهيم عيسى عبر قناة “الحرة” في هذه المعركة وتحدث عن وحشية السلطان سليم الأول، هروباً من الواقع الأليم، لأنه لن يستطيع الحديث عن وحشية “طومان باي” الجديد “السلطان عبد الفتاح السيسي”.
إنها الحرب، وقد بدأت والنصر لهم بعد التغلب على المدفع التركي، الذي قال المسماري إنه مشكلتنا الآن.
أرض – جو
قالت قناة “تن”، إنها مستمرة. التهنئة واجبة لـ “يوسف حسين” مقدم برنامج “جو شو” على “التلفزيون العربي” الذي كانت خسارته فادحة باختفاء “نشأت الديهي”.
ليس استجابة لي بطبيعة الحال، ولكن صدفة تدفعني للتفاؤل، فمنذ أن بدأت كتابة هذه الزاوية في 2003 تمنيت أن تطلق قطر قمراً صناعيا، وبعد عدة سنوات كان “سهيل سات”، وعندما بدأ الحديث عن المدن الإعلامية كتبت أتمنى أن تنشئ مدينة لها، والعمل فيها الآن قائم على قدم وساق. الآن أتمنى لها “الجزيرة منوعات”، تهتم بالسينما والدراما والطب ونحو ذلك.
استمتعت للمرة الثانية بمشاهدة حوار المؤرخ عبد الرحمن الرافعي، لكن تكرار البرامج والمسلسلات كاشف عن عملية النهب المنظم والعشوائي، الذي تعرضت له مكتبة التلفزيون المصري.
وسوم: العدد 856