لماذا سكت العالم على انقلاب خليفة حفتر؟
تسارعت الأحداث فيما يخص الشأن الليبي بعد أن تشكلت مفارقة عالمية كبرى، يمثلها اعتراف الأمم المتحدة ودول العالم بالحكومة الشرعية الليبية في طرابلس، أما على الأرض فإن القوى الكبرى في العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، التي اتصل رئيسها بالجنرال الانقلابي خليفة حفتر بعد فترة قصيرة من بدئه الانقلاب على الحكومة الشرعية وفي الوقت نفسه الذي كان فيه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في ليبيا، برفقة غسان سلامة مندوبه إلى ليبيا، إضافة إلى الدول الأوروبية التي تعترف رسميا بحكومة الوفاق ولكنها تساهم، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، في دعم الحركة الانقلابية، التي تقوم الإمارات ومصر والسعودية بتقديم التمويل والدعم العسكري واللوجستي والسياسي لحفتر، وانضاف إلى ذلك مرتزقة محترفة من جماعة «فاغنر» الروسية المحسوبة على الرئيس فلاديمير بوتين.
يجب التذكير بأن حكومة الوفاق ظهرت بعد مفاوضات طويلة شملت أطراف الصراع في ليبيا وتم توقيعه تحت رعاية منظمة الأمم المتحدة في مدينة الصخيرات المغربية في 17 كانون الأول/ديسمبر 2015، والذي بدأ العمل به في 6 نيسان/ابريل 2016، ووقع عليه ممثلون من طرف المؤتمر الوطني العام الجديد ومجلس النواب الليبي.
أمام هذا التواطؤ العالمي الخبيث الذي تعرضت له حكومة الوفاق، التي تمثل منطق التسوية السياسية الوحيد والحاضنة الأخيرة لأفكار الحرية والديمقراطية من نظام طغياني، قدمت مبادرة تركيا لحماية الحكومة الشرعية في طرابلس حبل النجاة الوحيد الممكن لليبيين الذين لا يريدون إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، والانتقام، في الوقت نفسه، من أفكار الثورة في المنطقة العربية. تناسى العالم، ضمن هذا السياق، أن الحكومة الشرعية الليبية هي التي هزمت مشروع تنظيم «الدولة الإسلامية»، وأنها قدمت آلاف الشهداء في حربها على ذلك التنظيم الإرهابي، في حين انتظرت قوات حفتر انتهاء المعارك للانقضاض على الحكومة الليبية، وخلق نظام عميل للقوى الإقليمية المناهضة للثورة.
عملت فرنسا، خلال هذه الحقبة، مقاولا من الباطن لانقلاب حفتر، وقدمت له أشكالا من الدعم الجوي والمخابراتي، والأغلب أن هذا بالتنسيق مع أبو ظبي، التي لعبت دور الممول والمخطط، وكان لها يد كبرى في «اختراع» الجنرال ذي التاريخ الغرائبي، من الهزيمة في تشاد، إلى العمل مع المخابرات الأمريكية، وصولا إلى انتظامه في المخطط الإماراتي، بموافقة ومشاركة سعودية ومصرية، ولا يستبعد أن تكون صفقات السلاح الفرنسية إلى مصر والإمارات إحدى الرسوم التي تمت جبايتها على خلفية هذا التورط.
أدت الاتفاقية البحرية والأمنية بين أنقرة وطرابلس إلى انضمام أطراف جديدة إلى هذا الحلف، على رأسها اليونان، التي استغلت ظروف ليبيا للتمدد والاستيلاء على مناطق من الحدود البحرية الليبية (والمصرية)، وكان من مفاعيل ذلك تحشيدها للاتحاد الأوروبي ضد هذه الاتفاقية، وزيارة وزير خارجيتها الاستفزازية إلى بنغازي في نوع من الكيد السياسي الرفيع، كما قام بزيارة للقاهرة للتنسيق معها ضد حكومة طرابلس.
وبما أن لكل فعل رد فعل، فقد لاحظنا بدء حراك إقليمي تمثل بزيارة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان إلى تونس ولقائه الرئيس قيس سعيد، وهو ما دفع القوى التونسية المناهضة للثورة، والمحسوبة على حلف الإمارات السعودية مصر، للاستنفار والتحشيد.
لا يمكن أن ننسى أيضا أن الجزائر لها مصالح أيضا في ليبيا، ويمكن احتسابها ضمنيا ضمن المحور المساند للحكومة الشرعية.
على هذه الخلفية كلها، صار مفهوما طلب حكومة الوفاق للدعم العسكري التركي، وموافقة تركيا على ذلك، أما اتصال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ودعوته لإنهاء «التدخلات الخارجية»، فليس غير استطالة للهراء الأمريكي (والإيطالي) الذي يتحدث عن «مسافة واحدة من طرفي النزاع»، وهو ما يصب عمليا في طاحونة حفتر. كانت ليبيا باتجاه تسوية سياسية تحفظ لشعبها دماءه، ولقواها السياسية اختلافها، ولكن العالم قرر عكس ذلك.
وسوم: العدد 857