حول إلغاء أوسلو وتفكيك السلطة الفلسطينية
لم تتوقف مطالبة الكثير من الفلسطينيين بإلغاء اتفاقيات أوسلو الموقعة عام 1993 بين منظمة التحرير الفلسطينية، كممثل للشعب الفلسطيني والحكومة الإسرائيلية. كان القصد من هذا الاتفاق إنهاء حالة العداء بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل وإعلان حقبة جديدة من صنع السلام، لكنها تحولت منذ ذلك الحين إلى عملية لا نهاية لها لم تؤد إلى إنهاء العداء ولا إطار متماسك للسلام. في رأيي لا يمكن إلغاء اتفاق مر عليه أكثر من 25 عاما وأنتج واقع وحقائق على الارض لا يمكن العودة عنها:
أدت اتفاقية أوسلو إلى تغييرات جذرية على الأرض وأنتجت واقعًا جديدًا لا يمكن تجاهله. بعد مرور أكثر من 25 عاما على توقيع الاتفاقية، تغير الوضع السياسي والاقتصادي الفلسطيني، وتغيرت العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية بشكل جذري ولا رجعة فيه. بموجب هذا الاتفاق، انسحب الجيش الاسرائيلي من 20% من أراضي الضفة الغربية وكامل قطاع غزة، وحلت السلطة الفلسطينية محل الجيش الإسرائيلي في تولي مسؤولية رفاه السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وتزويدهم بالخدمات الاساسية مثل الصحة والتعليم والتنمية والإغاثة وخدمات الشرطة. أسست السلطة الفلسطينية قطاع خدمات حكومي ضخم 170,000 موظف وتفكيك السلطة الفلسطينية يعني تسريح هذا الكم الهائل من الموظفين بما يخلق مأساة اقتصادية تصل معها نسب البطالة والفقر إلى مستويات فلكية. لا يوجد إجماع بين الفلسطينيين على إلغاء أسلو، حيث مازال يؤمن الكثير أن هذا الاتفاق أوجد سلطة وطنية فلسطينية تمثل الشعب الفلسطيني في اراضي 1967 وتقوم على خدمته ورعايته. فقد صرح رئيس الوزراء الفلسطيني د محمد اشتية قبل أسبوعين مؤكدا بالقول: إننا لن نحل السلطة الفلسطينية فهي نتاج نضال الشعب الفلسطيني. بموجب هذا الاتفاق، تمكنت السلطة الفلسطينية، نيابة عن منظمة التحرير الفلسطينية، بتوقيع عدد من الاتفاقيات مع مختلف الأطراف الدولية في جميع المجالات قامت عشرات الدول بفتح ممثليات دبلوماسية لها في غزة اولا وفي رام الله لاحقا. سيؤدي إنهاء اتفاقيات أوسلو وتفكيك السلطة الفلسطينية إلى نزوح الممثلين الدبلوماسيين الأجانب من رام الله. وإنهاء التمويل الدولي وإلغاء الاتفاقات الاقتصادية بين السلطة الفلسطينية والعديد من البلدان الأخرى والمؤسسات الاممية حول العالم. قامت السلطة الفلسطينية وشركات القطاع الخاص بتوقيع اتفاقيات عديدة مع الجانب الاسرائيلي في جميع المجالات الاقتصادية مثل: - الطاقة والأسمنت والكهرباء والاتصالات السلكية واللاسلكية وغيرها الكثير. إلغاء الاتفاق سيؤدي حتما إلى تجميد جميع المشاريع الاقتصادية المشتركة بين القطاعين الخاص الفلسطيني والإسرائيلي، مما سيؤدي إلى خسائر اقتصادية لا تقل عن مئات الملايين من الدولارات. إلغاء الاتفاق يعني نهاية للتنسيق الأمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، مما يعني عودة الجيش الإسرائيلي إلى الضفة الغربية خاصة المنطقة "أ". وهذا سيؤدي بالتأكيد إلى انتفاضة أخرى. من المرجح أن تتفجر فعاليات انتفاضة جديدة وقد يصاحبها أعمال عنف خاصة مع التواجد الكثيف للمستوطنين في اراضي الضفة الغربية. قيام الجانب الفلسطيني بإلغاء اتفاقيات السلام قد يسبب غضب العديد من الجهات الدولية التي تدعم الموقف الفلسطيني. حيث ستجد السلطة الفلسطينية نفسها في موضع الاتهام. هذا لا ينف بالمطلق حقائق الواقع وموقف المجتمع الدولي في معظمه في أن الجانب الاسرائيلي هو الذي أخل ببنود هذا الاتفاق. إن تكاليف إلغاء اتفاقيات أوسلو أكبر بكثير مما يمكن أن تتحمله السلطة الفلسطينية أو المجتمع الفلسطيني، تدرك القيادة الفلسطينية هذه الحقيقة جيدا. لذلك يمكن قراءة التهديدات المتكررة لإلغاء أوسلو تهدف إلى جذب اهتمام المجتمع الدولي وإثارة مخاوفه بشأن الاستقرار النسبي للوضع الراهن الذي أوجدته هذه الاتفاقيات. تفكيك السلطة وإلغاء اتفاق أوسلو متداخلان ومترابطان كعلاقة الاب مع ابنه. فالسلطة الفلسطينية هي المولود الشرعي لاتفاق أوسلو الذي هو الاب الشرعي للسلطة. تفكيك السلطة يعني إلغاء الاتفاق الذي جاء بها. وكذلك التراجع عن الاتفاق أو إلغاءه يعني تفكيكا للسلطة التي ولدت بموجبه. فلا سلطة فلسطينية دون أوسلو ولا أوسلو دون سلطة. هذا يطرح سؤالا منطقيا وهو: في حال إلغاء الاتفاق أو تفكيك السلطة.. ماهي البدائل لتعبئة الفراغ السياسي والاداري والخدماتي والقانوني ومواصلة تقديم الخدمات. فإما 1) عودة الادارة المدنية والجيش الاسرائيلي للتواجد في محافظات الضفة الغربية كما كانت الحال قبل الاتفاق أو 2) ظهور أو تظهير قيادة محلية تقبل بأن تأخذ محل السلطة أو 3) خليط من هذين الاحتمالين. على الفلسطينيين التفكير جديا كيف سيكون الوضع في الضفة الغربية في اليوم التالي لتفكيك السلطة، وماهي الاستراتيجية الممكن تبنيها لمواصلة مشروع النضال الفلسطيني في الظروف الجديدة التي سيخلقها إلغاء السلطة وأوسلو؟ ماذا سيكون مستقبل البعثات الدبلوماسية الفلسطينية المنتشرة في العالم؟ هل بالإمكان إعادة مرجعيتها إلى منظمة التحرير الفلسطينية؟ هل هذا ممكن مع التراجع الحاد في الوضع المالي والقانوني والمعنوي لمنظمة التحرير الفلسطينية! بالتأكيد إن مسألة إعادة المكانة والاحترام لمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل لكل الشعب الفلسطيني في الداخل وفي الشتات هي مسألة مطلوبة ويجب مواصلة العمل على إنجازها دون توقف. السؤال هل من الافضل حل السلطة أولا ومن ثم البدء في إعادة المكانة للمنظمة ام العمل على إصلاح المنظمة في ذات الوقت العمل على إصلاح السلطة وفي ظلها. قضية أخرى للتفكير بها وهي ما هو مستقبل قطاع غزة بعيد تفكيك أوسلو والسلطة؟ من المؤكد لن يعود الجيش الاسرائيلي إلى قطاع غزة كما يمكن أن يكون الحال في الضفة الغربية. لذا فإن الحديث عن تفكيك السلطة و\أو أوسلو يقتصر على الضفة الغربية دون قطاع غزة. في ضوء ما سبق، فالمطلوب والممكن ليس إلغاء أوسلو ولكن إحيائها وتقويتها وتطويرها بما يمكن ان يطلق عليه أسلو2. يجب على السلطة الفلسطينية تجييش المجتمع الدولي للدعوة إلى مؤتمر دولي للسلام يهدف إلى البناء على الاتفاقات السابقة وتطويرها. كذلك المطالبة بدخول شركاء دوليين جدد من القوى الناشئة مثل الصين والبرازيل والهند وتركيا، مع الاصرار على دور أكثر نشاطًا للاتحاد الأوروبي. أخيرا فرض جدول زمني لتنفيذ الاتفاق الجديد الذي يؤدي في النهاية إلى دولة فلسطينية مستقلة على أراضي 1967. قبل ذلك ولضمان النجاح في مسار التعديل يجب العمل على ثلاث ركائز اساسية هي 1) تحقيق المصالحة الوطنية واستعادة الوحدة الوطنية مع ضمان دخول قوى الاسلام السياسي إلى تمثيل الشعب الفلسطيني 2) إدخال إصلاحات جذرية في المؤسسة الفلسطينية الرسمية والنقابية 3) تفعيل دور الفلسطينيين في الشتات والبدء الفوري في إعادة الثقة والفعالية إلى منظمة التحرير الفلسطينية.
وسوم: العدد 878