ميليشيات إيرانية تنبش ضريح عمر بن عبد العزيز
نبش ضريح الخليفة عمر بن عبد العزيز
أظهرت التسجيلات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي نبش ثلاثة قبور يضمها الضريح، ويعتقد أنها للخليفة عمر بن عبد العزيز وزوجته فاطمة بنت عبد الملك، وخادم الضريح أبو زكريا بن يحيى المنصور. كما عمّ المكانَ الخرابُ، وبدا الضريح خاليا دون أن يتضح المكان الذي نقلت إليه محتوياته.
وكانت قوات النظام المجرم والحاقد قد أضرمت النار في أجزاء من الضريح بعد سيطرتها على قرية دير شرقي في فبراير/شباط الماضي، وهو ما تسبب بأضرار مادية فيه.
وأثار نبش الضريح موجة واسعة من الغضب والاستنكار في مواقع التواصل الاجتماعي لدى ناشطين سوريين ومن بلدان عربية وإسلامية مختلفة.
جيش نبش القبور
ليست المرة الأولى التي تنبش فيها مجموعات موالية للنظام ولإيران القبورَ في سورية، فقد أظهرت تسجيلات مصورة نبش عناصر من قوات النظام قبور معارضين في مناطق دخلوها بعد معارك مع المعارضة في ريف إدلب.
وهذا الموقف للعصابة الحاكمة في دمشق ليس مستغرباً؛ فمن قصف المساجد وقتّل آلاف الأطفال والنساء والأبرياء لا يستغرب منه نبش قبر، واعتبر ذلك ترسيخا لمنهج الانتقام والحقد والهمجية.
حقد الطغاة على أهل العدل والمساواة لا حدود له، وقد بسط الخليفة عمر بن عبد العزيز بعدله المحبة في قلوب أعدائه قبل أتباعه، أما النابشون والمخرّبون لقبره اليوم ففي قلوبهم مرض، وحقد ليس طائفيا فحسب بل حقد على الإسلام والعدل والسلام والإنسانية التي اتسم بها عمر بن عبد العزيز.
إجرام الميليشيات الطائفية التي جندتها إيران
لم تكن عملية نبش قبر الخليفة عمر بن عبد العزيز هي الأولى فقد سبق ونبش الحاقدون من حزب اللات قبر البطل المجاهد خالد بن الوليد الذي أطفأ نار كسرى وهزم الروم، وقبر البطل المجاهد مسلمة بن عبد الملك، إضافة إلى عمليات نبش القبور على يد ميليشيات النظام الطائفية، والمجموعات الموالية لها ولإيران من منطلق ترسيخ منهج الانتقام، لكن التساؤل الأكبر والأهم: هل غدا التعايش في سورية المتعددة الطوائف والملل والنحل ممكنا بعد كل هذا الإجرام الذي لم يشهد له التاريخ مثيلا؟!
هذا هو الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز الذي حزن على موته ملك الروم
ونبش قبره الطائفيون الذين جندتهم إيران بعد موته بنحو 1400 عام
عندما بلغ ملك الروم أمر وفاة الخليفة عمر بن عبد العزيز، جمع حاشيته، وقال لهم: "إن ملك العرب الرجل الصالح قد مات". رحم الله خامس الخلفاء الراشدين، الذي أثبت بأن التغيير لا يحتاج لسنوات، وإنما يحتاج للرغبة والنية الصادقة.
لقد كان الراشدُ الخامسُ عمرُ بنُ عبد العزيز قمّةً في إقامة العدل بين الناس، لا نغالى إذا قلنا إنّه تفوّق في إقامة العدل على من سبقه من الخلفاء الراشدين الذين سبقوه، لأنّ العدل في أعقاب دولة النبوّة كان موروثا، بينما كان في عهد عمر بن عبد العزيز انقلاباً على الجوْرِ الذي ساد ما يقرُب من ستين عاماً!
وفى خلافة هذا الراشد الخامس-التي لم تتعدّ العامين-نصوص سياسية تحتاج إلى فقه جديد، نتعلم منه هذا العدل الذي جسّده عمر بن عبد العزيز بين الناس.
لقد أعلن – في خُطبه ومراسلاته مع العلماء والولاة-أنّ المرجعية المقدسة هي الكتاب والسنة، وأن رأس الدولة منفذ لما يحكم به القضاء، ويشير به المشيرون. وأنّ رأس الدولة ليس خير الناس، وإنما أثقلهم حملا، وأنّ من لم يجد من الرعيّة العدل فخرج على الإمام وهرب من السلطان فليس بعاص وإنما الإمام هو العاصي! وأنّ مواريث الظلم لا تكتسب أيّة شرعية مهما طال بها الزمان. وتحدّث عن أركان السلطة الأربعة، فقال: " إن للسلطان أركاناً أربعة لا يثبت إلاّ بها، فالوالي ركن، والقاضي ركن، وصاحب بيت المال ركن، والركن الرابع الإمام".
ومن موقع السلطة-وليس المعارضة-أعلن عمر بن عبد العزيز أنّ المال مال الله، وأن الأمة-كلَّ الأمّة-مستخلفة عن الله في الأموال. تقضي بها حاجات أهلها، والحاكم المحكوم في المال سواء، وأنّ التكافل يشمل الأمة جمعاءَ، المسلمين منها وغيرَ المسلمين، والرقيقَ والأحرار، سواء بسواء، وأن الإنفاق يجب أن يكون من الحلال الطيب الذي لم يتدنس بالحرام، وأنّ على الدولة أن تسهر على رعاية الأسرى-في سجون الأعداء-ورعاية أسرهم-كبيرهم وصغيرهم، الذكور والإناث، الأحرار منهم والأرقاء.
كما جعل عمر بن عبد العزيز نفقات جهاز الدولة من بيت المال، وليس على كاهل الفلاحين، ومنع الاستغلال للفلاحين بواسطة فروق العملة! ووضع الجزية عن الذين أسلموا، لأنّ الله قد بعث محمداً-صلى الله عليه وسلم-هاديا لا جابياً! وقرر مساعدة الراغبين في أداء فريضة الحج من بيت المال، وأمر الولاة بمراجعة الخلافة قبل إقامة عقوبات الحدود!
الخليفة عمر بن عبد العزيز يشرف بنفسه على أعمال دولته صغرت أم كبرت
أشرف عمر بن عبد العزيز بنفسه على ما يتم في دولته من أعمال صغرت أو كبرت، وكان يتابع عماله في أقاليمهم وساعده على ذلك أجهزة الدولة التي طورها عبد الملك بن مروان، كالبريد، وجهاز الاستخبارات الكبير الممتد في أطراف الدولة والذي كان الخلفاء يستخدمونه في جمع المعلومات، وعلى الرغم من عناية عمر بن عبد العزيز في اختيار الولاة، إلا أن هذا لم يمنعه من العمل على متابعة أمر الرعية وتصريف شؤون الدولة وقد اشتهر عنه الدأب والجد في العمل، وقد كان ـ رحمه الله ـ يمضي الكثير من وقته لرسم سياسته الإصلاحية الهادفة للقضاء على المظالم والفساد والتي شملت مختلف الحياة، السياسية والاقتصادية والإدارية، وغيرها.. حتى خلف رحمه الله كماً هائلاً من تلك السياسات التي تمثل مواد نظام حكمه الإصلاحي الشامل، وقد بعث بهذه السياسات إلى عماله لتنفيذها في مختلف الأقاليم وكثيراً ما يردفها بتوجيهات تربوية يذكر فيها عماله بعظم الأمانة الملقاة على عواتقهم، ويخوفهم بالله ويأمرهم بمراقبته وتقواه فيما يعملون ويذرون، ونلاحظ أن عمر بن عبد العزيز كان يهتم بمصادر متنوعة بجمع المعلومات، لعلمه أن المعرفة الدقيقة بأمور الرعية والولاة تحتاج لجمع معلومات صحيحة تبنى عليها التوجيهات والأوامر والنواهي النافعة للأمة والدولة.
متابعة الخليفة عمر بن عبد العزيز الفساد الإداري
ومن أهم القضايا التي كان يتابعها ويحرص على تطويقها وتقويضها قضايا الفساد الإداري فقد سعى عمر بن عبد العزيز لتحقيق السلامة من هذا الفساد، بالحرص على سبل الوقاية منه، وسد المنافذ على السموم الإدارية مثل الخيانة، والكذب والرشوة والهدايا للمسؤولين والأمراء والإسراف وممارسة الولاة والأمراء للتجارة واحتجاب الولاة والأمراء عن الناس ومعرفة أحوالهم، والظلم للناس والجور عليهم وغير ذلك.
حرص عمر بن عبد العزيز على انتقاء عماله من أهل الخير والصلاح
إن عمال الخليفة وأمراء البلدان هم نواب الخليفة في أقاليمهم، والواسطة بينه ورعيته ومهما كان الخليفة على درجة من الدراية في تصريف أمور السياسة إلا أنه لا يستطيع تحقيق النجاح إلا إذا اختار عماله بعناية تامة، لذا عني عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ عناية فائقة باختياره عماله وولاته، وحين نتتبع أخباره في هذا الصدد نجد أن له شروطاً لا بد من تحققها فيمن يختار العمل عنده، ومن أهم هذه الشروط: التقوى، الأمانة، وحسن التدين، فلما عزل خالد بن الريان الذي كان رئيساً للحرس في عهد الوليد بن سليمان ـ نظر عمر في وجوه الحرس فدعا عمرو بن المهاجر الأنصاري فقال: والله إنك لتعلم يا عمرو أنه ما بيني وبينك قرابة إلا الإسلام، ولكني سمعتك تكثر تلاوة القرآن، ورأيتك تصلي في موضع تظن أنه لا يراك أحد فرأيتك تحسن الصلاة، خذ هذا السيف قد وليتك حرسي، وكان يكتب إلى عماله: إياكم أن تستعملوا على شيء من أعمالنا إلا أهل القرآن، فإنه لم يكن عند أهل القرآن خير فغيرهم أحرى بأن لا يكون عندهم خير.
التوسعة على العمال في الأرزاق
كان أول إجراء إداري رأى فيه عمر الوقاية من الخيانة أن وسع على العمال في العطاء، رغم تقتيره على نفسه وأهله وأراد بذلك أن يغنيهم عن الخيانة، فقد كان يوسع على عماله في النفقة، يعطي الرجل منهم في الشهر مائة دينار، ومائتي دينار وكان يتأول أنهم إذا كانوا في كفاية تفرغوا لأشغال المسلمين فقيل له: لو أنفقت على عيالك، كما تنفق على عمالك؟ فقال لا أمنعهم حقاً لهم، ولا أعطيهم حق غيرهم، وكان أهله قد بقوا في جهد عظيم، فاعتذر بأن معهم سلفاً كثيراً قبل ذلك، وبهذا الإجراء ألا وهو التوسع على عماله يحقق عمر أمرين هامين:
أ ـ سد منفذ الخيانة، وما يدفع العمال من حاجة إلى الخيانة وسرقة أموال المسلمين.
ب ـ ضمان فراغ الولاة والعمال والأمراء لأشغال المسلمين وحوائجهم.
عمر بن عبد العزيز يأمر الجيوش الإسلامية بالالتزام بدستور الفروسية
ومع الأمر بالعدل والإحسان وإشاعتهما- وهما قوام الدين- أمر عمر بن عبدالعزيز الجيوش الإسلامية أن تلتزم بدستور الفروسية الإسلامية، فكتب إلي أمراء الجيوش: "إنه بلغني أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- كان إذا بعث جيشاً أو سريّة قال:" أغزوا باسم الله، وفي سبيل الله، تقاتلون من كفر بالله، لا تغلّوا-(لا تخونوا)- ولا تغدروا- ولا تمثّلوا، ولا تقتلوا امرأة ولا وليداً". ولقد تعدّى عدل عمر بن العزيز حدود الإنسان إلى الرفق بالحيوان، فكتب إلي العمال والولاة:" لا تجرّوا شاة إلي مذبحها، ولا تحدّوا الشفرة على رأس الذبيحة"، وطلب من خادمه مزاحم أن يراقبه، فقال له: "إن الولاة جعلوا العيون على العوام، وأنا أجعلك عيني على نفسي، فإن سمعت منّي كلمة تربأ بي عنها، أو فعلاً لا تحبّه، فعظنِي عنده، وانهنِي عنه".
حدث أقرب إلى الخيال
ومن أعجب محاكم التاريخ تلك التي أقامها الخليفة عمر بن عبد العزيز، والتي روتها كتب التاريخ، فتاريخ الفتوحات مليء بالأخبار الرائعة والفريدة التي يستعجب منها الجميع ويجعلها تحت بند حدث أقرب للخيال. ولكن لِم العجب؟! خاصة أن هذه الواقعة حدثت في عهد خليفة عادل متميز بالورع والتقوى كالخليفة “عمر بن عبد العزيز” الذي ذاع صيته وملأت سيرته الطيبة الدنيا بأكملها فتلمّس الجميع منه العدل حتى لو كان من أهل الملل الأخرى.
جرت العادة في الفتوحات الإسلامية أن يكون لها أسس وقواعد، فالمسلمون قبل دخول مدينة كان لا بد لهم أن يخيروا أهلها بين ثلاثة أمور، الأمر الأول: الإسلام، والأمر الثاني: دفع الجزية مقابل البقاء على دينهم والدفاع عنهم، والأمر الثالث: وفي حالة رفض أهل المدينة هذين الأمرين (الإسلام-الجزية)؛ يتم إعطاؤهم مهلة ثلاثة أيام، ثم يبدأ القتال بعد ذلك.
فماذا لو حدث غير ذلك، لو لم يلتزم القائد الإسلامي خلال فتح أي مدينة بهذه الأسس والقواعد ماذا يكون رد فعل خليفة المسلمين؟ خاصة إذا كان للقائد الإسلامي حينها دوافع نبيلة جعلته يقدم على هذه الخطوة من أجل رفعة الدين وإعلاء راية الإسلام.
تذكر روايات التاريخ، أن فتح (سمر قند) تم على يد القائد (قتيبة بن مسلم الباهلي) وتروى بعض المصادر أنه فتح (سمر قند) دون تطبيق الأمرين الأولين (الإسلام أو الجزية) ولجأ للخيار الثالث (القتال) في أول الأمر.
وكان أهل مدينة (سمرقند) قد سمعوا عن أسس الفتح الإسلامي وأدركوا أنها لم تطبق في حالتهم هذه، فاتفق الكهنة على أن يبعثوا رسولًا منهم إلى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز يخبرونه بما فعله (قتيبة بن مسلم)، ولا شك أن أمل هؤلاء كان أمل اليائسين فكيف ينصر أمير المؤمنين أهل دين آخر على أهل دينه حتى لو كانوا ظالمين.
قطع رسولهم المسافة من سمرقند إلى دمشق، ولا شك أنه كان يقول في قرارة نفسه إنها رحلة بلا فائدة وكيف لشخص مثلي أن يقابل أمير المؤمنين؟! وكيف يتسنى له دخول قصر الخليفة؟! وهل سيسمح الخليفة له بالجلوس معه والتحدث عن ظلم قائده في مدينته سمرقند؟ "لا بد أنني واهم في ذلك".
دخل رسول أهل (سمرقند) دمشق ووجد بناءً ضخمًا يقصده عدد كبير من الناس فظن أنه قصر خليفة المسلمين فسأل أحد المسلمين: أهذا قصر أمير المؤمنين؟ فقيل له لا إنه المسجد، ودله هذا الرجل على بيت خليفة المسلمين، وقال له: اذهب إلى هذا البيت وكان من الطين فتعجب رسول سمرقند من ذلك.
وذهب إلى البيت فوجد رجلًا يتسلق على الحائط يصلحه، فرجع إلى المسلم الذي دلّه على البيت فقال له: أتهزأ بي؟! فأقسم له أن ذلك بيت الخليفة. فذهب إليه وسلّمه الرسالة فقرأها، فكتب عمر رسالة أخرى وعليه ختمه مفادها: أن تنعقد محكمة يترأسها قاضٍ حدد عمر اسمه، وعاد الرجل إلى (سمرقند) حاملًا تلك الرسالة.
فانعقدت المحكمة واستمع القاضي لمظلمة الكهنة وأهل (سمرقند)، وبعد التأكد من صحتها قال: إن الله ما نصر هذه الأمة إلا باتباع الدين واجتناب الغدر، وإنّا والله ما خرجنا من بيوتنا إلا جهادًا في سبيل الله، ما خرجنا لنملك الأرض ولا لنعلو فيها بغير الحق، وحكم القاضي بأن يخرج المسلمون من البلد ويردوه إلى أهله، ثم يتبعوا أسس الفتوح الإسلامية معهم قبل مقاتلتهم.
تعجب الكهنة من هذا الحكم وظنوا أن هذا الحكم لا يتعدى حيز تنفيذه المكان الذي عقدت فيه المحاكمة، ولكن ما هي إلا ساعات قليلة حتى خرج المسلمون من المدينة وتفاجأ أهلها من عدل القاضي وأمير المسلمين، فدخل من شاء منهم في الإسلام ومن بقي على دينه التزم بدفع الجزية. لنكون بذلك أمام مشهد من أروع مشاهد التاريخ، وأمام محكمة هي في رأينا من أعدل وأعظم محاكمات التاريخ أيضًا.
شخصية الخليفة عمر بن عبد العزيز كانت قيادية جذابة
الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز تولى الخلافة لعامين (99-101هـ) كانت كأنها عشرون عاماً على المسلمين لما حل فيها من الخير والبركة، وإن لهذا الخليفة مكانة عظيمة في قلوب المسلمين، حيث يعتبر مجدداً للهدي النبوي ولسيرة الخلفاء الراشدين وقدوة لمن أراد أن يسوس هذه الأمة، وقد أطلق عليه المؤرخون الخليفة الراشدي الخامس؛ لمَ اتصف به من عدل وتعفف وخوف من الله.
شخصية عمر بن عبد العزيز تعتبر شخصية قيادية جذابة، وقد اتصف رضي الله عنه بصفات القائد الرباني، ومن أهم هذه الصفات: إيمانه الراسخ بالله وعظمته، وإيمانه بالمصير والمآل، وخوفه من الله تعالى والعلم الغزير، والثقة بالله، وبسبب ما أودع الله فيه من الصفات الربانية استطاع أن يقوم بمشروعه الإصلاحي ويجدد كثيراً من معالم الخلافة الراشدة؛ التي اندثرت أمام زحف الملك العضوض، واستطاع أن يتغلب على العوائق في الطريق، وتوجت جهوده الفذة بنتائج كبيرة على مستوى الفرد والمجتمع والدولة وأصبح منهج عمر بن عبد العزيز الإصلاحي التجديدي مناراً للعاملين على مجد الأمة وسيادتها، وإن من أهم الصفات التي تجسدت في شخصية عمر بن عبد العزيز هي:
شدة خوف عمر من الله تعالى
كانت ميزته الكبرى والسمة التي اتسم بها ودافعه إلى كل ذلك هو إيمانه القوي بالآخرة وخشية الله والشوق إلى الجنة، وليس لغير هذا الإيمان القوي، الذي امتاز به عمر بن عبد العزيز أن يحفظ إنساناً في مثل شباب عمر بن عبد العزيز، وقوته وحريته وسلطانه، من إغراءات مادية قاهرة ـ ومن وساوس الشيطان، والنفس المغرية، وتفرض عليه المحاسبة الدقيقة للنفس، والاستقامة على طريق الحق، فقد كان مشتاقاً إلى الجنة مؤثراً الآخرة على الدنيا، فأدرك عمر بفطرته السليمة وعقيدته الصحيحة، أن آخرة المسلم أولى باهتمامه من دنياه، يقول عمر في كتاب له إلى يزيد بن المهلب: لو كانت رغبتي في اتخاذ أزواج، واعتقال أموال، كان في الذي أعطاني من ذلك، ما قد بلغ بي أفضل ما بلغ بأحد من خلقه، ولكنِّي أخاف ـ فيما أُبتليت به ـ حساباً شديداً، ومسألة عظيمة، إلا ما عافى الله ورحم، كما كان عمر شديد الخوف من الله تعالى.
تقول زوجته فاطمة بنت عبد الملك: والله ما كان بأكثر الناس صلاة، ولا أكثرهم صياماً، ولكن والله ما رأيت أحداً أخوف لله من عمر، لقد كان يذكر الله في فراشه، فينتفض انتفاض العصفور من شدة الخوف حتى نقول: ليصبحَنَّ الناس ولا خليفة لهم، وقال مكحول: لو حلفت لصدقت، ما رأيت أزهد ولا أخوف لله من عمر بن عبد العزيز، ولشدة خوفه من الله، كان غزير الدمع وسريعه.
الخليفة الزاهد
فهم عمر بن عبد العزيز من خلال معايشته للقرآن الكريم ودراسته لهدي النبي الأمين صلى الله عليه وسلم ومن تفكره في هذه الحياة بأن الدنيا دار ابتلاء واختبار، وأنها مزرعة للآخرة، ولذلك تحرّر من سيطرة الدنيا بزخارفها، وزينتها، وبريقها وخضع وانقاد وأسلم لربه ظاهراً وباطناً، فزهد عمر بن عبد العزيز في الدنيا وأول الزهد؛ الزهد في الحرام، ثم الزهد في المباح، وأعلى مراتب الزهد أن تزهد في الفضول وكل مالك عنه غنى، وكان زهد عمر بن عبد العزيز مبني على الكتاب والسنة ولذلك ترك كل أمر لا ينفعه في آخرته فلم يفرح بموجود وهي الخلافة، ولم يحزن على مفقود من أمور الدنيا، وقد ترك ما هو قادر على تحصيله من متاع الدنيا انشغالا بما هو خير في الآخرة ورغبة في ما عند الله عز وجل.
قال مالك بن دينار: الناس يقولون: مالك بن دينار زاهد، إنما الزاهد عمر بن عبد العزيز الذي أتته الدنيا فتركها، قال ابن عبد الحكم: ولما ولي عمر بن عبد العزيز زهد في الدنيا، ورفض ما كان فيه وترك ألوان الطعام، فكان إذا صنع له طعام هيئ على شيء وغطي، حتى إذا دخل اجتذبه فأكل، فكان لا يهمه من الأكل إلا ما يسد جوعه ويقيم صلبه وكانت نفقته وعياله في اليوم كما في الأثر، فعن سالم بن زياد: كان عمر ينفق على أهله في غدائه وعشائه كل يوم درهمين، وكان لا يلبس من الثياب إلا الخشن، وترك مظاهر البذخ والإسراف التي سادت قبله وأمر ببيعها وأدخل أثمانها في بيت مال المسلمين، وهكذا فعل بالجواري والعبيد حيث رد الجواري إلى أصحابهن إن كن من اللاتي أخذن بغير حق، ووزع العبيد على العميان وذوي العاهات وحارب كل مظاهر الترف والبذخ، والإسراف، ومن زهد عمر بن عبد العزيز في جمع المال، فقد كان على النقيض ممن يلي منصباً في وقتنا الحاضر فقد كانت غلته حين استخلف أربعين ألف دينار، ثم أصبحت حين توفي أربعمائة دينار، ولو بقي لنقصت، حيث لم يرتزق رحمه الله من بيت مال المسلمين شيئاً، فقد كان رحمه الله من زهاد زمانه إن لم يك أزهدهم.
تواضع الخليفة عمر بن عبد العزيز
كان التواضع أهم صفات عمر الحميدة التي تميز بها عمر بن عبد العزيز، فقد أدى زهد عمر إلى تواضعه، لأن شرط الزهد الحقيقي هو التواضع لله، وقد كان تواضع عمر في جميع أمور حياته ومعاملاته، فذلك ما يتطلبه الأمر من قائد خاف الله، ورجاء ما عنده، وأراد الطاعة والولاء من رعيته، ومما يذكر من تواضع عمر جوابه لرجل ناداه: يا خليفة الله في الأرض، فقال له عمر: مه: إني لما ولدت أختار لي أهلي أسماً فسموني عمر، فلو ناديتني: يا عمر، أجبتك، فلما اخترت لنفسي الكُنى فكنيت بأبي حفص، فلو ناديتني يا أبا حفص أجبتك، فلما وليتموني أموركم سميتموني: أمير المؤمنين، فلو ناديتني يا أمير المؤمنين أجبتك، وأما خليفة الله في الأرض، فلست كذلك ولكن خلفاء الله في الأرض داوود والنبي صلى الله عليه وسلم وشبهه.
ومن تواضعه أن نهى الناس عن القيام له، فقال: يا معشر الناس: إن تقوموا نقم، وإن تقعدوا نقعد، فإنما يقوم الناس لرب العالمين، وكان يقول للحرس: لا تبتدئوني بالسلام، إنما السلام علينا لكم، وكان متواضعاً حتى في إصلاح سراجه بنفسه، فقد: كان عنده قوم ذات ليلة في بعض ما يحتاج إليه، فغشى سراجه، فقام إليه فأصلحه فقيل له: يا أمير المؤمنين ألا نكفيك؟ قال: وما ضرني؟ قمت وأنا عمر بن عبد العزيز، ورجعت وأنا عمر بن عبد العزيز، ومن تواضعه أيضاً قال يوماً لجارية له: يا جارية روّحيني قال: فأخذت المروحة فأقبلت تروحه، فغلبتها عينها فنامت، فانتبه عمر، فإذا هو بالجارية قد أحمّر وجهها، وقد عرقت عرقاً شديداً ـ وهي نائمة ـ فأخذ المروحة واقبل يروحها، قال: فانتبهت، فوضعت يدها على رأسها فصاحت، فقال لها عمر: إنما أنت بشر مثلي أصابك من الحر ما أصابني، فأحببت أن أروحك مثل الذي روحتني، وكان يمتنع عن كثرة الكلامـ وهو العالم الفصيح المفوّه ؛ خشية على نفسه من المباهاة بما عنده، أو يظن الناس به ذلك، فكان يقول: إنه ليمنعني من كثير من الكلام مخافة المباهاة.
عدل عمر بن عبد العزيز
أما عن عدل عمر بن عبد العزيز فحدث ولا حرج فقد أجمع العلماء قاطبة على أنه -أي عمر بن عبد العزيز- من أئمة العدل، وأحد الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين، ولعل عدل عمر من أهم أسبابه يرجع إلى إيمانه بأن العدل أحد نواميس الله في كونه ويقينه التام بأن العدل ثمرة من ثمرات الإيمان، وأنه من صفات المؤمنين المحبين لقواعد الحق وإلى إحساس عمر بوطأة الظلم للناس؛ بالإضافة إلى السبب الأهم وهو: ما أمر الله به من العدل والإحسان، وأنهما الأسس العامة لأحكام الشرائع السماوية، وما نماه الإسلام في نفس عمر، من حب للعدل وإحياء لقيمه، وإليك هذه الصور من عدله فقد روي عنه أن رجلاً ذمّياً من أهل حمص قدم على عمر، فقال: يا أمير المؤمنين: أسألك كتاب الله عز وجل، قال: وما ذاك، قال العباس بن الوليد بن عبد الملك: اغتصبني أرضي ـوالعباس جالس،ـ فقال له: يا عباس ما تقول؟ قال: أقطعنيها يا أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك، وكتب لي بها سجلاً، فقال عمر: ما تقول يا ذمي؟ قال: يا أمير المؤمنين أسألك كتاب الله عز وجل. فقال عمر: كتاب الله أحق أن يتبع من كتاب الوليد بن عبد الملك، فأردد عليه يا عباس ضيعته فردّها عليه.
المصادر:
*علي محمد الصلابي-الخليفة الراشد والمصلح الكبير عمر بن عبد العزيز- دار ابن كثير- دمشق- ط2(2009)- صفحة 78:66.
*أبو محمد عبد الله بن عبد الحكم، سيرة عمر بن عبد العزيز، دار العلم للملايين، بيروت، (1967)، صفحة 42، 43، 46.
*جلال الدين السيوطي، تاريخ الخلفاء، دار صادر، بيروت، ط1، (1975)، صفحة 221، 224.
*محمد بن مشيب بن سلمان القحطاني، النموذج الإداري المستخلص من إدارة عمر، منشورات جامعة أم القرى، صفحة 163:140.
*وهبة الزحيلي، عمر بن عبد العزيز، دار قتيبة، ط3، 1998، صفحة 105.
*الوفد المصرية-2/12/2011
*الجزيرة نت-1/3/2019 و-29/5/2020
*قناة الحرة28-/5/2020
وسوم: العدد 879