عَودةُ «المَسِيحِ» بَيْنَ القَبُولِ وَالإنْكَارِ

د. محمد عناد سليمان

تفْسيرُ القُرْآنِ بِالقُرْآَنِ

عَودةُ «المَسِيحِ» بَيْنَ القَبُولِ وَالإنْكَارِ

د. محمد عناد سليمان

[email protected]

تُعَدُّ قضية «المسيح» وعودته من أهم القضايا العقديَّة التي درج السَّابقون على التَّسليم بها، وأنَّها من البديهيَّات التي ينبغي تجاوزها وعدم النِّقاش فيها، معتمدين في ذلك على الأغلب على ما استقرَّ في أذهانهم من عدم الخوض في أمور قالها بعض أهل العلم، فأصبحوا في درجة عُليا، تتجاوز حدَّ المناقشات أو الرَّدِّ، دون طعن أو تجريح.

ولقد درجنا في أبحاثنا السَّابقة واللاحقة على اعتماد النَّصَّ القرآنيّ، وتفسير «القرآن بالقرآن» لفهم كثيرٍ من الموروث الذي وصلنا، وأصبح من مسلَّمات الدِّين والعقيدة؛ بل إنَّ مجرَّد الخوض فيها قد تجعل من صاحبها عرضة للنَّقد الذي يصل إلى حدِّ «التَّكفير» و«الزَّندقة» أحيانًا، متناسين أنَّ من قرَّر من السَّابقين إنَّما هم من البشر، وقولهم كما أقوالنا معرَّضة للصَّواب والخطأ، ويمكن ردُّها ورفضها عند إقامة الدَّليل على ذلك. أمَّا أن نجعل أقوالهم منزَّهة تنزيهًا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فهو أمر يرفضه العقل، وتأباه ظروف الحياة وتاريخها، وتطوّرات العلم وتقنيَّاته.

وبما أنَّ أقوال السَّابقين عرضة للأخذ والرَّدِّ، ومفتوحة للنَّقد والتَّفنيد، فلا يحقُّ لأحد أن يُلزم الآخر بأن يكون عبدًا لآرائهم، ورهينًا لأحكامهم، ولا يجوز التَّسليم المطلق بكلِّ ما جاؤوا به، وألا نرى إلا ما رأوا، كحال فرعون لما قال لقومه:{قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ}«غافر29».

ومن بين ما رأينا وجوب العودة إليه والبحث فيه، ما استقرَّ في أذهان العامَّة والخاصَّة من عودة «المسيح» عليه السَّلام في وقت ما، وفي مكان ما، وما اتصل بذلك من أخبار وروايات، سنأتي على تفصيلها، والرّدّ على ما يسمح المقام بذكره. دفعَنَا إلى ذلك أمر غاية في الأهميَّة، وهو تواتر القوم من «يهود» و«مسيحين» و«مسلمين» على وجود هذه العقيدة لديهم، فكلٌّ منهم يزعم نزول «مسيحه» و«مهديِّه»، وهم في ذلك سواء، وكأنَّ بساطة العقل البشريّ استأنست مثل هذه الأمور، لاستكانتها إلى مُنقذ لها مَّما هي فيه من ضنْك وكَبَد.

وما يهمُنا هنا معرفة هذه العودة لدى «المسلمين»، وما ورد من أحاديث أنَّه ينزل على أرضنا ليقتل «الدَّجَّال»، وأنَّه يمكث في بعض الرّوايات أربعين عامًا حتى يأذن الله بموته، ومن ثم يقبره المسلمون إلى جانب النّبيّ محمّد صلى الله عليه وسلم.

وحتى لا ندَّعي أنَّنا في بحثنا هذا أوَّل من تطرَّق إلى هذا الموضوع، ورأى ضرورة البحث فيه، فقد تناوله علماء لهم وزنهم وقدرهم، كالشَّيخ «محمد عبده» مفتي مصر سابقًا، حيث أنكر أن يكون الله قد رفع «عيسى» عليه السَّلام بنفسه وبدنه، وأنكر عودته، والشَّيخ «محمد رشيد رضا»، ورأى أنَّ هذه المسلَّمات إنَّما هي مستوردة من عقيدة «النَّصارى»، وتسلَّلت إلى عقيدتنا حتى أصبحت جزءًا منها، ولا يجوز إنكارها. وكذلك الشَّيخ «مصطفى المراغي» الذي رأى أنَّ «عيسى» عليه السَّلام لم يُرفع حيًا، وأنكر عودته، ومثله الشَّيخ «محمود شلتوت» في كتيِّبه «الفتاوى»، والشَّيخ «محمد أبو زهرة»، حيث أنكر هذه العقيدة، والشَّيخ «محمد الغزالي»، ورأى أنَّ ذلك هو التَّفسير الموضوعيّ لـ«ـلقرآن الكريم». ومثلهم «أحمد شلبي» حيث لخَّص أقوال من سبقه، والشَّيخ «حسن التُّرابي» في «السُّودان»، والشَّيخ «ابن عثيمين». حتى وصل الأمر بمن تصدَّى له لأن ينكر ذلك جملة وتفصيلا، ويجعله من الخرافات التي لحقت بالعقائد، الغاية منها إبعاد النَّاس عن دين الله في الأرض، وفتح باب التَّدليس بالمعتقدات.

وبما أنَّ مثل هذه المواضيع من المسلَّمات التي يتحرَّج عامَّة القوم وخاصَّتهم الخوض فيها، وإيمانهم بها إيمانًا غيبيًا، لمجرَّد أنهَّا وصلتهم عبر موروث ثقافيّ دينيّ لا يعلمون صحَّته من عدمه، آثرنا أن نثبت بعض الآراء التي وردت في ذلك وعرض كلٍّ على «القرآن الكريم» لنصل إلى ظنٍّ ترجيحيّ في المسألة، خاصَّة وأنَّها مسألة لا تزيد في معتقدها شيئًا في الإيمان، ولا تنقص في منكرها شيئًا من الإيمان، لكن البحث واجب، والتَّمحيص حجَّة عليه.

وغالب الظَّنِّ أنَّ هذه العقيدة وردتنا من «اليهود» و«المسيحيين»، وليست من صلب عقيدتنا؛ لأنَّ «اليهود» يعتقدون اعتقادًا جازمًا أنَّ «مسيحهم المنتظر» سيعود، وسيكون منقذهم ومخلصهم، و«المسيحيون» يرون الأمر نفسه، لكن يرون فيه ربًا وإلهًا، وهي الشُّبهة التي غيَّرت «الدِّيانة المسيحيَّة» برمَّتها. وقد اعتمد من أقرَّ بعودته على آيات من «القرآن الكريم»، ليدلِّلوا على صحَّة هذا المعتقد في «الإسلام»، وأنَّ هناك «مسيحًا» و«مهديًا منتظرًا» على سَنَن «اليهود» و«النَّصارى»، وسنناقش ما أثبتوه من أدلَّة، على اعتماد تفسير «القرآن بالقرآن».

ولعلَّ مَّما أوروده من الآيات التي وردت بشأن «عيسى» عليه السَّلام قوله تعالى في سورة «آل عمران»، فقال تعالى: {إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}«آل عمران55».

فقد اعتمدوا ومن درج على سننهم على هذه الآية، وأنَّ الله قد رفع «عيسى» بروحه وبدنه؛ بل إنَّ «الطَّبري» في تفسيره أورد اختلاف القوم في «الوفاة» على أقوال، فقال: «ثم اختلف أهل التَّأويل في معنى  «الوفاة»  التي ذكرها الله - عزَّ وجلَّ - في هذه الآية .فقال بعضهم: هي وفاة نوم. وكان معنى الكلام على مذهبهم: إنِّي مُنيمك ورافعك في نومك.

 وقال آخرون: معنى ذلك: إنِّي قابضك من الأرض، فرافعك إليّ، قالوا: ومعنى «الوفاة القبض، لما يقال: توفّيت من فلان مالي عليه، بمعنى: قبضته واستوفيته. قالوا: فمعنى قوله: إنّي «متوفّيك ورافعك، أي: قابضك من الأرض حيًّا إلى جواري، وآخذك إلى ما عندي بغير موت، «ورافعك من بين المشركين وأهل الكفر بك».

ونقل شيئًا عن «كعب الأحبار» من حديث رسول الله يؤيِّد هذا القول، فقال: «قال كعب الأحبار : وذلك يصدق حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم – حيث قال: كيف تهلك أمَّة أنا في أوَّلها ، و«عيسى» في آخرها.

ولنا مع «كعب الأحبار» وقفة نشرحها في مقامها إن شاء الله. ويتابع «الطَّبريُّ»: «وقال آخرون: معنى ذلك: إنَّي متوفيك وفاة موت. وقال آخرون: معنى ذلك: إذ قال الله يا عيسى إنِّي رافعك إليَّ ومطهرك من الذين كفروا، ومتوفّيك بعد إنزالي إيَّاك إلى الدُّنيا. وقال: هذا من المقدَّم الذي معناه التَّأخير، والمؤخَّر الذي معناه التَّقديم».

ثم رجَّح «الطَّبري» وأكَّد أنَّ أصحَّ الأقوال عنده من ذهب إلى أنَّ الله توفَّاه ببدنه، وسيعيده حيًّا ليقتل «الدَّجَّال»، فقال:  «وأولى هذه الأقوال بالصِّحَّة عندنا، قول من قال: معنى ذلك: إنِّي قابضك من الأرض ورافعك إلي؛ لتواتر الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال: ينزل «عيسى بن مريم »فيقتل «الدَّجَّال»، ثم يمكث في الأرض مدَّة ذكرها، اختلفت الرِّواية في مبلغها، ثم يموت فيصلِّي عليه المسلمون ويدفنونه .

وعلى ذلك درج المفسِّرون ومنهم «أبو حيَّان» الذي يقول في تفسيره هذه الآية: «وفاة موت، قاله ابن عباس. وقال وهب: مات ثلاث ساعات، ورفعه فيها ثم أحياه الله بعد ذلك في السماء، وفي بعض الكتب: سبع ساعات. وقال الفرَّاء : هي وفاة موت، ولكن المعنى: متوفّيك في آخر أمرك عند نزولك، وقتلك الدَّجال، وفي الكلام تقديم وتأخير. وقال الزَّمخشري: مستوفي أجلك، ومعناه أي: عاصمك من أن يقتلك الكفَّار، ومؤخِّرك إلى أجل كتبته لك، ومميتك حتف أنفك، لا قتلا بأيديهم. وقيل: متوفِّيك: قابضك من الأرض من غير موت، قاله الحسن، والضَّحَّاك، وابن زيد، وابن جريج، ومطر الوراق ، ومحمد بن جعفر بن الزّبير، من: توفَّيت مالي على فلان إذا استوفيته. وقيل: أجعلك كالمتوفَّى; لأنَّه بالرَّفع يشبهه. وقيل: آخذك وافيًا بروحك وبدنك. وقيل: متوفِّيك: متقبّل عملك، ويضعف هذا من جهة اللَّفظ، وقال أبو بكر الواسطيّ: متوفّيك عن شهواتك. قال ابن عطية :وأجمعت الأمَّة على ما تضمَّنه الحديث المتواتر من: أنَّ عيسى في السِّماء حيٌّ، وأنَّه ينزل في آخر الزَّمان، فيقتل الخنزير، ويكسر الصَّليب، ويقتل الدَّجال، ويفيض العدل، وتظهر به الملة، ملَّة محمَّد - صلى الله عليه وسلم - ويحجُّ البيت، ويعتمر، ويبقى في الأرض أربعًا وعشرين سنة. وقيل: أربعين سنة» انتهى. 

ولا أدري كيف رجَّح «الطَّبريُّ» ومن تابعه أحد الأقوال ولم يلتفت إلى قول «ابن عباس» و«منبه» بأنَّ الوفاة: وفاة موت؛ لأنَّ المتتبّع لألفاظ «القرآن الكريم» التي وردت فيها «الوفاة» بمختلف أبنيتها لم يجد معنى ما ذهب إليه القوم؛ بل إنَّهم قد ابتعدوا عن ظاهر اللَّفظة في قوله: «إني متوفِّيك» بمعنى: أنِّي مميتك، يدفعنا إلى ذلك أنَّ مواقع استعمال الفعل الأصلي وهو «توفَّى» تشير إلى أنَّه قبضه قبضًا تامًا واستوفاه، وهو ما ذكره علماء المعاجم كـ«الزّبيدي» في «تاج العروس» وغيره.

وقد اختصر «ابن عاشور» في «التَّحرير والتَّنوير» معانيها في «القرآن»، فأوجز وأظهر، فقال: وقوله: إنِّي متوفيك ظاهر معناه: إنّي مميتك، هذا هو معنى هذا الفعل في مواقع استعماله؛ لأنّ أصل فعل «توفَّى الشَّيءَ: أنَّه قَبَضه تامًّا واستوفاه. فيقال: توفَّاه اللَّه: أي قدّر موته، ويقال: توفَّاه ملك الموت: أي أنفذ إرادة الله بموته، ويطلق التَّوفّي على النَّوم مجازاً بعلاقة المشابهة في نحو قوله تعالى: { وهو الذي يَتَوَفَّاكم بالليل }« الأنعام : 60 »وقوله: {الله يتوفَّى الأنفسَ حينَ موتها والتي لم تَمُتْ في منامها فيُمْسِك التي قضى عليها الموتَ ويرسل الأخرى إلى أجل مسمّى } «الزمر : 42 » . أي: وأمَّا التي لم تمت الموت المعروف فيُميتها في منامها موتاً شبيهاً بالموت التَّام،كقوله: {هو الذي يتوفَّاكم باللَّيل ثم قال: {حتى إذا جاء أحدكم الموت توفَّتْه رسلنا. فالكلُّ إماتة في التَّحقيق، وإنمَّا فَصَل بينهما العرف والاستعمال، ولذلك فرّع بالبيان بقوله: فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمّى}، فالكلام منتظم غاية الانتظام، وقد اشتبه نظمه على بعض الأفهام. وأصرح من هذه الآية آية المائدة: {فلمَا توفيتَني كنت أنتَ الرَّقيب عليهم}؛ لأنَّه دلَّ على أنَّه قد توفّى الوفاة المعروفة التي تحول بين المرء وبين علم ما يقع في الأرض، وحملُها على النّوم بالنِّسبة لـِعيسى لا معنى له؛ لأنهُ إذا أراد رفعَه لم يلزم أن ينام؛ ولأنّ النَّوم حينئذ وسيلة للرَّفع، فلا ينبغي الاهتمام بذكره وترك ذكر المقصد، فالقول بأنَّها بمعنى الرَّفع عن هذا العالم إيجاد معنى جديد للوفاة في اللَّغة بدون حجَّة، ولذلك قال ابن عباس، ووهب بن منبه: إنَّها وفاة موت. وهو ظاهر قول مالك في جامع العتبية. قال مالك: مات «عيسى» وهو ابن إحدى وثلاثين سنة. قال ابن رشد في البيان والتَّحصيل : «يحتمل أنّ قوله : مات وهو ابن ثلاث وثلاثين على الحقيقة لا على المجاز».

فلا ينبغي كما ذهب «ابن عاشور» أن نوجد معنى للفظة جديدًا من دون حجَّة، من أجل أن يتناسب مع ما ورد من عقائد القوم السَّابقين، وتحميله لألفاظ «القرآن الكريم»، والتَّكلُّف فيها لتوافق إقرار عقيدة «نصرانيَّة أو غيرها، خاصَّة وأنَّ أقوال مشاهير الأمَّة كـ«ابن عباس» وغيره قد أكَّدوا معنى موته.

ولا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ هذا الاهتمام الكبير بعقيدة عودة «المسيح» إنَّما هي لإثبات «المسيحية» برمَّتها، فلولاها لم تقم، وكذلك الأمر بالنِّسبة إلى «اليهوديَّة»، أمَّا بعض الأدلَّة الأخرى التي يتَّخذها القوم دليلا على عودته مما ورد في «القرآن الكريم» من آيات، لا تنهض حجَّة قويَّةً على صحَّة ما ذهبوا إليه، من مثل قوله تعالى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ . وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ}«آل عمران «45 -46»، فجعلوا قوله «من المقرَّبين» و«وجيها» دلالة على أنَّ الله  قد رفعه إليه ببدنه ونفسه إلى السَّماء الثَّانية.

وعند مقابلة مثل هذه الألفاظ في آيات أخرى في القرآن باعتماد تفسير «القرآن بالقرآن» نجد أنَّ «المقرَّبين» ليست سمة خاصَّة بـ«عيسى» عليه السَّلام، ولا تدلُّ على قرب المكان الذي تعالى الله عنه علوًا كبيرًا، من ذلك قوله تعالى: {فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ}«الواقعة88»، وقوله: {أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ}«الواقعة11»، وقوله: {يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ}«المطففين21»، وقوله: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ}«المطففين28».

وجعلوا الوجاهة أيضًا دليلا على أنَّ الله رفعه بنفسه وببدنه، وهو بعيد؛ لأنَّ الله قد وصف غيره من الأنبياء بذلك كما في قوله تعالى عن «موسى» عليه السلام: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً}«الأحزاب69».

وقد جعلوا أيضًا من قوله تعالى: «وكهلا»، دليلا على عودته إلى الأرض ويكلّم النَّاس في عمر الكهولة بعد أن رفعه الله وهو في عمر الشَّباب، وهم بذلك يعتمدون على نصِّوص أحاديث قد ورد من «الإسرائيليَّات» تفيد بأنَّ الله لما توفَّى «عيسى» كان عمره أربعًا وثلاثين سنة، كما ورد في بعض الكتب الصِّحاح، وأنَّه يقتل «الدَّجَّال»، وأشرنا إلى أنَّه من «الإسرائيليَّات» لوقوع التَّناقض في كثير منها في إشارتها إلى قصَّة وفاة «عيسى» عليه السَّلام.

وثمَّة أدلَّة أخرى اتخذوها اعتمادًا على «روايات» و«أحاديث» لن نقف عليها كثيرًا هنا، وقد نوردها في مقال مستقلّ؛ لما فيها من تناقضات واختلافات تؤكِّد تدليسها وعدم صحِّتها، وإن كانت مخرَّجة في «البخاري» أم في غيره، لأنَّنا أكدنا غير ما مرَّة أنَّ في صحيح «البخاريّ» و«مسلم» من «الأحاديث» ما لا يجوز قبولها ك«سحر» النَّبي صلى الله عليه وسلم، والقول بـ«تحريف» «القرآن الكريم»، وغير ذلك ممَّا يخالف نصَّ القرآن الكريم.