التقرير السنوي التاسع عن التعذيب في سوريا في اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب
مقتل 14388 بسبب التعذيب على يد أطراف النزاع الرئيسة الفاعلة في سوريا منذ آذار 2011 حتى حزيران 2020
بيان صحفي:
قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر اليوم بمناسبة اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب إن ما لا يقل عن 14388 قتلوا بسبب التعذيب على يد أطراف النزاع الرئيسة الفاعلة في سوريا منذ آذار 2011 حتى حزيران 2020.
وركَّز التقرير الذي جاء في 45 صفحة على الانتهاكات التي تم تسجيلها ما بين 26/ حزيران/ 2019 حتى 26/ حزيران/ 2020، في حين استعرض الحصيلة الشاملة للضحايا الذين قضوا بسبب التعذيب منذ آذار/ 2011 حتى حزيران/ 2020 وتناول التقرير أيضاً الحديث عن انعدام شبه تام لتشميل كافة مراسيم العفو على المعتقلين والتعذيب الممارس بحقهم.
وأكَّد التقرير اعتماده تعريف التعذيب الوارد في المادة 1 من اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984، وأضاف أنه اعتمدَ بشكل رئيس على أرشيف الضحايا وأرشيف المعتقلين والمختفين قسرياً لدى الشبكة السورية لحقوق الإنسان، الناتج عن حالات المراقبة والتوثيق اليومية المستمرة لحوادث التعذيب والاعتقال والاختفاء القسري منذ عام 2011، كما استند إلى لقاءات أجريت مع عائلات ضحايا وناجين من التعذيب من مختلف المحافظات السورية، واستعرض تسع روايات، تم الحصول عليها بشكل مباشر وليس من موارد مفتوحة.
ورأى التقرير أن طبيعة السيطرة المركزية للدولة على مراكز الاحتجاز التابعة لها، يؤكد أنه من المستبعد أن تجري وفيات بسبب التعذيب دون علم النظام الحاكم في الدولة، مشيراً إلى أنَّ النظام السوري مسؤول عن إثبات أن حالات الوفيات التي وقعت لم تكن بسبب التعذيب، لكنه لم يقم ومنذ تسع سنوات بتحقيق واحد، وهذا بحسب التقرير يُشكل دليل إدانة واضح بحق النظام السوري، وأكد التقرير أن أجهزة عديدة من أجهزة النظام السوري منخرطة في التعذيب وفي الوفيات بسبب التعذيب، من أبرزها: وزارة الداخلية، وزارة الدفاع، الأجهزة الأمنية، السجون المدنية، المشافي العسكرية، المؤسسة القضائية، وزراة الأوقاف، مكتب دفن الموتى، واعتبر التقرير أن هذا يشير إلى عملية تناغم وتنسيق عالية بين هذه المؤسسات، وهذا لا يتم إلا بإرادة مستويات عليا في النظام السوري تتحكم بجميع هذه المؤسسات.
يقول فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان:
“يفترض على لجنة مناهضة التعذيب أن تبذل جهوداً أكبر بكثير في سوريا التي تشهد تعذيباً يُعتبر من الأقسى على مستوى العالم، بلغ حد الجرائم ضدَّ الإنسانية، وعليها أن تبرز مدى انتهاك النظام السوري لاتفاقية مناهضة التعذيب وللقانون الدولي بشكل واضح في تقريرها السنوي إلى كافة الدول الأطراف في الاتفاقية وإلى الجمعية العامة، وعلى بقية دول العالم المصادقة على الاتفاقية أن تتكاتف لمنع النظام السوري من ممارسات التعذيب الوحشية المستمرة منذ تسع سنوات حتى الآن، وإلا فما هو جدوى اتفاقية مناهضة التعذيب؟”
وطبقاً للتقرير فإنه منذ آذار/ 2011 حتى حزيران/ 2020 قد قتل ما لا يقل عن 14388 شخصاً بسبب التعذيب على يد أطراف النزاع الرئيسة الفاعلة في سوريا، من بينهم 177 طفلاً و63 سيدة (أثنى بالغة)، النظام السوري مسؤول عن مقتل 14235 بينهم 173 طفلاً و46 سيدة، وتنظيم داعش مسؤول عن مقتل 32بينهم 1 طفلاً و14 سيدة، أما هيئة تحرير الشام فمسؤولة عن مقتل 26 بينهم 1 طفلاً بسبب التعذيب، وبحسب التقرير فإنَّ 52 شخصاً بينهم 1 طفلاً و2 سيدة قد قتلوا بسبب التعذيب على يد قوات سوريا الديمقراطية، فيما قتل 43 بينهم 1 طفلاً و1 سيدة بسبب التعذيب على يد فصائل في المعارضة المسلحة.
ووفقاً للتقرير فإنَّ جميع أطراف النزاع قد مارست جريمة التعذيب بشكل أو بآخر، إلا أنَّ النظام السوري المسيطر على أجهزة الجيش والأمن والقضاء قد قام باعتقال ما لا يقل عن 1.2 مليون مواطن سوري تعرضوا بشكل أو آخر لنوع من أنواع التعذيب والمذلة، ولا يزال حتى تاريخ صدور التقرير لديه العدد الأكبر من المعتقلين، الذين تحوَّل قرابة 85 % منهم إلى مختفين قسرياً؛ ونظراً لذلك فإن حصيلة ضحايا التعذيب لدى قوات النظام السوري هي الأعلى بفارق شاسع من كل أطراف النزاع الأخرى، وبحسب التقرير فإن السبب الأساسي للوفيات بسبب التعذيب لدى النظام السوري إهمال الرعاية الصحية بعد الإصابة بالأمراض، حيث يترك الشخص يتألم دون علاج حتى الموت، وأشار التقرير إلى أنَّ هناك أساليب تعذيب عدة تجعل من المعتقلين فئة هشة للغاية ومعرضة بشكل خطير لانتشار فيروس كورونا المستجد فيما بينهم.
وبحسب التقرير فإنَّ محافظتي حمص ودرعا جاءتا في مقدمة المحافظات التي فقدت أبناءها بسبب التعذيب، ويوزع التقرير حصيلة حالات الوفيات بسبب التعذيب تبعاً للمحافظة التي تنتمي إليها الضحية، وليس تبعاً للمكان الذي وقعت فيه حادثة التعذيب، بهدف إظهار حجم الخسارة والعنف الذي تعرَّض له أبناء تلك المحافظة مقارنة مع محافظات أخرى، ولأنَّ مكان وقوع الحادثة والانتهاك في النسبة العظمى من الضحايا هو مراكز الاحتجاز في مدينة دمشق. وأضاف التقرير أن ممارسة النظام السوري لعمليات التعذيب في كثير من الأحيان جاءت على خلفية انتماء الضحية لمنطقة ما مناهضة للنظام السوري كنوع من الانتقام الجماعي في مراكز احتجازه.
وتحدث التقرير عن عمليات مراسلة دورية مستمرة يقوم بها فريق الشبكة السورية لحقوق الإنسان مع مقرري الأمم المتحدة المعنيين بحالات القتل خارج نطاق القانون والتعذيب، حيث يقوم المقرر بمراسلة النظام السوري حول البعض من تلك الحالات المرسلة التي تمكن من التحقق منها، كما يقوم بإيرادها في الملحق الخاص المتعلق بالتقرير الذي يُعدُّه فريق الأمم المتحدة عن التعذيب في سوريا. ونوَّه التقرير إلى وجود استمارة خاصة على الموقع الرسمي للشبكة السورية لحقوق الإنسان تقوم العائلات بتعبئتها وترسَل أوتوماتيكياً إلى فريق العمل في قسم الاعتقال والتعذيب الذي يقوم بمتابعة الحالة والتواصل مع العائلات لإتمام عملية التوثيق والتسجيل. وفي هذا السياق طالب التقرير أهالي الضحايا وذويهم بمزيد من التعاون من أجل إيصال أكبر قدر ممكن من الحالات إلى مقرري الأمم المتحدة المعنيين بحالات القتل خارج نطاق القانون والتعذيب، مُشيراً إلى أن فريق العمل في الشبكة السورية لحقوق الإنسان يعمل على مدار كامل أيام الأسبوع من أجل بناء علاقات واسعة مع أهالي الضحايا وتحصيل أكبر قدر ممكن من البيانات وتخزينها ضمن قاعدة البيانات الخاصة بالضحايا.
وذكر التقرير أن مراسيم العفو لم توقِف أو تُخفِّف من وتيرة عمليات التعذيب أو الاعتقال لدى النظام السوري، حيث أصدر النظام السوري ما يقارب 17 مرسوماً للعفو ركَّزت على الإفراج عن مرتكبي الجرائم والجنايات والمخالفات وشملت أعداداً قليلة جداً من المعتقلين المحالين إلى المحاكم الاستثناية كمحكمة قضايا الإرهاب، ومحاكم الميدان العسكرية، واستثنت بحسب التقرير الحصيلةَ الأكبر من المعتقلين الذين لم يخضعوا لأية محاكمة على مدى سنوات من اعتقالهم وتحولوا إلى مختفين قسرياً.
وبحسب التقرير فإن ما لا يقل عن 116 شخصاً أفرج عنهم من مراكز الاحتجاز التابعة لقوات النظام السوري منذ صدور مرسوم العفو رقم 6 في 22/ آذار/ 2020 حتى 26/ حزيران/ 2020 وهذه الحصيلة تشمل فقط من اعتقلوا على خلفية مشاركتهم وأنشطتهم في الحراك الشعبي نحو الديمقراطية أو الذين اعتقلوا عشوائياً أو بناءً على تقارير أمنية كيدية من دون مذكرة قضائية وقد تولت الأفرع الأمنية التحقيق معهم وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب.
وأشار التقرير إلى أنه لم يسجل أية عملية إفراج من مراكز الاحتجاز التابعة للأفرع الأمنية الأربعة (الأمن العسكري، الأمن الجوي، الأمن السياسي، أمن الدولة) سواء من مقراتها المركزية في مدينة دمشق أو فروعها المنتشرة في المحافظات؛ مؤكداً أنَّ هذه الأفرع تمتلك صلاحيات عدم تطبيق القوانين حتى وإن كانت تشتمل على حالات ينطبق عليها ما ورد ضمن مرسوم العفو.
واستعرض التقرير حصيلة ضحايا الموت بسبب التعذيب منذ صدور المرسوم رقم 6/ 2020، حيث سجل مقتل ما لا يقل عن 33 شخصاً بينهم 1 سيدة بسبب التعذيب وإهمال الرعاية الصحية في مراكز الاحتجاز التابعة لقوات النظام السوري منذ 22/ آذار/ 2020 حتى 26/ حزيران/ 2020، بعضهم اعتقل بعد صدور المرسوم رقم 6 وتوفي بعد أسابيع قليلة من اعتقاله، وخمسة منهم فقط سلمت جثامينهم لذويهم وعليها آثار التعذيب، مشيراً إلى أنه لم تسلم جثامين بقية الضحايا لعائلاتهم ووفقاً للتقرير فإن عدداً من هؤلاء الضحايا قد أجروا تسوية لأوضاعهم الأمنية في وقت سابق.
أكد التقرير أن القانون الدولي يحظر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية وغير الإنسانية أو المذلة بصورة تامة وهو بمثابة قاعدة عرفية من غير المسموح للدول المسُّ به أو موازنته مع الحقوق أو القيم الأخرى، ولا حتى في حالة الطوارئ، ويُعتبر انتهاك حظر التعذيب جريمة دولية في القانون الجنائي الدولي ويتحمل الأشخاص الذين أصدروا الأوامر بالتعذيب أو ساعدوا في حدوثه المسؤولية الجنائية عن مثل هذه الممارسات.
وأشار التقرير إلى أن النظام السوري انتهك بشكل واضح نصوص الدستور السوري، وبنود اتفاقية مناهضة التعذيب التي صادقت عليها سوريا في عام 2004، وتلاعبَ في سنِّ القوانين والتشريعات التي تحمي عناصر قواته من أية ملاحقة كما أشار إلى أن كلاً من قوات سوريا الديمقراطية وفصائل في المعارضة المسلحة وهيئة تحرير الشام تتحمل مسؤولية عمليات التعذيب التي جرت في مراكز الاحتجاز التابعه لها.
أوصى التقرير مجلس الأمن والأمم المتحدة بحماية المدنيين المعتقلين لدى النظام السوري من التعذيب حتى الموت، وإنقاذ من تبقى منهم على قيد الحياة، كما طالب الجمعية العامة للأمم المتحدة بأخذ زمام المبادرة في الحالة السورية واللجوء لتطبيق مبدأ اتحاد من أجل السلام؛ وذلك نظراً للشلل التام في مجلس الأمن بسبب الفيتو الروسي الصيني.
وأوصى التقرير جميع الأذرع الإغاثية التابعة للأمم المتحدة بالبحث عن الأُسر التي فقدت مُعيلها أو أحد أبنائها بسبب التعذيب، وضمان إيصال المعونات إلى مُستحقيها بشكل مستمر، والبدء بعمليات إعادة التأهيل.
وشدَّد على ضرورة قيام الدول الأطراف في اتفاقية مناهضة التعذيب باتخاذ ما يلزم من إجراءات لإقامة ولايتها القضائية على مرتكبي جرائم التعذيب، وبذل كل الجهود المادية والأمنية في سبيل ذلك.
وقدم التقرير توصيات لكل من قوات سوريا الديمقراطية والتنظيمات الإسلامية المتشددة وفصائل في المعارضة المسلحة بضرورة الالتزام بمعايير القانون الدولي لحقوق الإنسان، والتوقف عن استخدام التعذيب بحق الخصوم السياسيين، أو العسكريين، وفتح تحقيقات بحق المتورطين في هذه الجرائم، ومحاسبتهم.
وسوم: العدد 883