اعتماد الليرة التركية في الشمال السوري.. المسار والأسباب والأثر
تقاوم الليرة السورية حالياً عند مستوى 2500 ليرة لكل دولار، ولكن الأسباب الهيكلية الطبيعية والأزمات المتوقع أن يواجهها الاقتصاد السوري خلال النصف الثاني من عام 2020 سيجعلها تصل إلى قيعان جديدة غير مسبوقة.
ومع دخول قانون سيزر حيز التنفيذ والذي استهدف العلاقة بين النظام وشبكته الاقتصادية، إضافة إلى قطع العلاقات الاقتصادية مع حلفائه التقليدين في كل من لبنان والعراق وغيرهما، يتوقع أن يُحرَم النظام السوري من موارد كبيرة في الفترة المقبلة، كما ستضعُف قدراته في حماية الليرة؛ في ظل عملياتِ توسُّع في المعروض النقدي من أجل الصرف على التزاماته المستمرة واستهلاك أكبر للعملات الأجنبية من أجل تمويل العمليات العسكرية، وانتشار الجنود على طول البلاد، وفي ظل فقدان واضحٍ لأدواته النقدية التي كان يعتمد عليها سابقاً.
لذا فإن الانهيار المتكرر لسعر الليرة سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل جنوني وغير مسبوق، وستتأثر القوة الشرائية للمدنيين في مناطق النظام لجهة الموارد القليلة التي يحصلون عليها، والتي ستضعف قيمتها، مما سيتسبب بمزيد من الفقر وتعطل الأعمال.
ولو أتيح للمواطنين السوريين في مناطق سيطرة النظام السوري الحرية لربما تخلو عن الليرة السورية في معظم معاملاتهم، حفاظاً على ما تبقى من أموالهم ودفعاً لعملية تجارية أكثر استقراراً، وسيطور المدنيون أساليب دفع غير مسبوقة للصفقات الكبرى.
في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام سيكون هناك تخلٍ كبير عن التعامل بالليرة السورية خلال المرحلة المقبلة، وسنشهد في الشمال السوري تحديداً نظام دفع متعدد العملات؛ يعتمد على الدولار الأميركي للصفقات الكبرى والليرة التركية للسلع الرئيسية والمتوسطة السعر، وستبقى الليرة السورية على المدى القصير في التداول لجهة التعامل بالسلع البسيطة والرخيصة كالخضار والفواكه وبعض الأطعمة.
وسيكون مستقبل التعامل النقدي على المدى الأبعد رهناً بمصالح الفاعلين في هذه المنطقة وبمحصلة قوى الدفع المتعارضة، والتي منها مَن سيدافع عن الليرة التركية ومنها من سيدافع عن الليرة السورية، ومنها من يُفضّل نظام دفعٍ متعدد.
وسيتسبب دخول الليرة التركية للتداول في الشمال السوري بخلل ومشاكل في قضية التسعير والتداول، علاوة على مشاكل فنية تتعلق بوجود فئات العملة وتوافرها، لذا فإن المدى المتوسط وليس القصير سيشهد استقراراً في عمليات التسعير، ونشاطاً في حركة التجارة، ومزيداً من الاستثمارات التركية والسورية في الشمال السوري، مدفوعاً برغبة أنقرة بتنشيط المنطقة وإعادة جزء من اللاجئين الموجودين على الأراضي التركية.
كما ستساعد العملة التركية الموجودة في التداول على معرفة الحجم الحقيقي لنشاط المنطقة الاقتصادي وتيسر أمر الدراسة وتقييم الأضرار، وستساهم في ضبط الفوضى الأمنية التي يعتقد أن جزءاً كبيراً منها يعود لمسائل تتعلق بالدفاع عن مصالح ومكتسبات مالية، وسيكون المواطن السوري والتاجر في الشمال أكثر قدرة على تحديد الأسعار والحفاظ على القيم في حالة الليرة التركية.
وسيجد النظام السوري في هذه الحركة تهديداً لمصالحه في الاقتصادية والسياسية، لذا فإنه سيسعى لإحداث فوضى أكبر على المدى المتوسط لتعطيل التطبيق الكامل لمثل هذه الخطوة، مستخدماً وسائل أمنية وأخرى نقدية مستعيناً بشبكة الصرافين أصحاب النفوذ المتواجدين في المنطقة.
وبالتالي لن تكون عملية التحول نحو الليرة التركية عملية سلسلة أو سهلة لأسباب تقنية واقتصادية، والأهم لأسباب تعود لتضارب مصالح الفاعلين من وراء هذه الخطوة، وسنشهد تصاعد لوتيرة الحرب على هذه المساحة، حرب قد لا تقل ضراوة عن العمليات العسكرية التي تجري على أرض الواقع.
وسوم: العدد 883