السيسي بين «نهضة» أثيوبيا و«صحوات» ليبيا!
بعد نشر عقيلة صالح، رئيس مجلس نواب طبرق، بيانا يدعو فيه الجيش المصريّ للتدخل عسكريا في بلاده، ذكرت وسائل إعلام مصرية أن وفدا من «المجلس الأعلى لشيوخ وأعيان القبائل الليبية» وصل من مدينة بنغازي إلى القاهرة والتقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
وإذا كان المقصود من البيان الآنف تقديم شرعيّة ليبية لتدخّل عسكريّ مصريّ، فالمجلس المذكور بقي منه 35 عضوا فحسب، وهو عدد لا يكفي لتشكيل نصاب، ورغم ذلك فقد قام رئيس المجلس باستخدام أصوات النواب رغم إنكار بعض الأعضاء عقد أي جلسة أو عرض البيان عليهم.
أما استقدام شيوخ من قبائل شرق ليبيا، والحديث عن «العلاقة التاريخية المتينة» لها مع «القبائل المصريّة»، ففيه ما فيه من استخفاف بالليبيين والمصريين أيضاً، فرغم عدم مصداقية ما يسمى بمجلس النواب في طبرق فهو يمثّل بنية سياسيّة ترتبط بالدولة الحديثة، ويفترض أن نوابه حصلوا على مقاعدهم نتيجة حصول عملية انتخاب ديمقراطي، أما لقاء رئيس الدولة المصرية بـ«شيوخ قبائل» ليبيين، فيعني أن الأول، وهو القادم بانقلاب عسكريّ، ليس مشغولا البتة بضجيج مجلس نواب منتخب، ولا يهمّه عمليا غير تصريف القوة الغاشمة التي يمثّلها إلى جهات تؤمر فتطيع.
كما هو متوقع، فإن وسائل الإعلام المصرية رأت في الزيارة «تفويضا جديدا» للسيسي للتدخل في الصراع الليبي، وكان المدد قد جاء أيضا من مكان لا يتوقّع، وذلك من الرئيس التونسي قيس سعيّد، الذي اقترح بعد لقاء قبل فترة بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أن تقوم القبائل الليبية بالتفاوض لحلّ «على الطريقة الأفغانية»، وهي نظريّة سبق أن طبقها الأمريكيون في العراق، والنتيجة أن لا أفغانستان ولا العراق قد وصلا إلى استقرار سياسي أو أمني حتى الآن.
يأتي هذا في الوقت الذي تواجه فيه سلطات السيسي أزمة مع إثيوبيا التي تردّدت أنباء عن بدء ملئها لسد النهضة، وهو أمر يمكن، إذا التزمنا بتحليلات الإعلام الرسمي المصري أيضا، أن يشكّل خطرا على ما تعتبره حصتها التاريخية من مياه النيل، والبالغة أكثر من 55 مليار متر مكعب، وهو أمر أمنه اتفاق إعلان المبادئ الموقع في الخرطوم عام 2015، غير أن الإعلام المصري (وحليفه العربي) يجعل القبول بمشروع، تعتبره إثيوبيا مشروعا ينتظر مئة مليون أثيوبي، وتستفيد منه السودان، قضية «أمن قومي» مصريّ، وهي الكلمات نفسها التي استخدمها السيسي في تبرير إمكانيات تدخّله العسكري في ليبيا.
يحاول السيسي في الموضوع الليبي استنساخ تجربة «الصحوات» التي طبقها جيشه مع قبائل سيناء، وهو أمر عاد بنتائج كارثية على مدن وقرى شمال سيناء وأهلها، الذين تعرضوا للقتل خارج القانون والإخفاء القسري لمئات منهم إضافة إلى التهجير الجماعي، والحقيقة أن الأمر برمّته لم يعدُ أن يكون توظيفا لبلطجيّة محلّيين للقيام بأعمال قذرة ضد أهاليهم وأقاربهم وقبائلهم.
والحقيقة أن السياسة المصرية في قضية «صحوات» القبائل الليبية أو سد «النهضة» الإثيوبي رغم حديثها عن «الأمن القومي»، فإن الواقع يقول إنها تعبير مصغّر عن نظام يقوم على البلطجة الداخلية والخارجية، ويقسم مواطنيه إلى مخبرين وإرهابيين.
وسوم: العدد 886