مشروع الولايات المتحدة الإبراهيمية

د. ناجي خليفة الدهان

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الخميس13 /8 /2020، أن اتفاق السلام بين إسرائيل والإمارات سيتم تسميته "الاتفاق الإبراهيمي"، وشدّد ترامب على الأهمية التاريخية للاتفاقية، حيث قال: "ناقشنا بالفعل اتخاذ مثل هذه الخطوة مع دول أخرى، وهو ما يمكن حدوثه الفترة القادمة"، من جانبه أشار السفير الأمريكي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، إلى أن "الاتفاق الابراهيمي" جاء تيمنا بـ "أبو الديانات الكبيرة كلها"، وقال: "لا يوجد شخص يرمز بشكل أفضل إلى إمكانية وحدة هذه الديانات الثلاثة العظيمة أكثر من (إبراهيم عليه السلام)".

وبعد إقدام الكيان الإماراتي على الاندماج العلني في المشروع الصهيوني الليكودي، انطلقت كل الأجواق والأبواق التابعة للإمارات في حملة التأييد والتمجيد والتحميد، سعيًا إلى تبييض هذا العمل وقلب حقيقته ومقاصده..

والتطبيع المحرّم في الشارع العربي، هو المشاركة في أي مشروع أو مبادرة أو نشاط، محلي أو دولي، مصمم خصيصًا للجمع (سواء بشكل مباشر أو غير مباشر) بين العرب وإسرائيليين (أفرادا كانوا أم مؤسسات) ولا يهدف صراحة إلى مقاومة الاحتلال وكل أشكال التمييز والاضطهاد الممارس على الشعب الفلسطيني، وأهم أشكال التطبيع هي تلك النشاطات التي تهدف إلى التعاون الاقتصادي والعلمي أو الفني أو المهني أو النسوي أو الشبابي...

وقد يتساءل البعض لماذا سمي بالاتفاق الابراهيمي؟ وما الهدف من ورائه؟ وما أفضل الطرق للتصدي لهذا المخطّط؟ وهل التطبيع لموجهة إيران فعلًا كما يشاع؟

هل هذا التطبيع سيحقق السلام للدول العربية أم أنه خطر عليه؟

التطبيع هو المؤامرة التي تهدف إلى إضعاف الأمة العربية وتقسيمها إلى دويلات، وإبادتهم جميعًا من خلال مختلف الوسائل العسكرية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الثقافية. إن مرتكبي المؤامرة هم (أمريكا، والغرب، وبعض الدول العربية المنافقة. والخطر الأكبر هو من هؤلاء المنافقين الذين يتواطؤون مع جهات سياسية فاعلة في العالم الغربي لتدمير العرب والإسلام.

ولكن حتى لا ينزعج من لا يؤمن بالمؤامرة نقول: إن ما كان يخطط للأمة العربية من قبل هذه الدول ذات الأطماع في ثروات الأمة كبير جدا، وحين نقلّب صفحات التاريخ منذ بداية القرن الماضي إلى الآن من مؤتمر كامبل بنرمان عام 1007 الذي نتج عنه وعد بالفور، ومعاهدة سايكس بيكو وتقسيم الوطن العربي، واحتلال فلسطين وزرع الكيان الصهيوني، وإدخال المنطقة كلها في حروب مستمرة، واشاعة الفوضى وعدم الاستقرار لنهب الثروات، فماذا نسميه هل هو صدفة، أم أنّ هناك تخطيطًا مسبقًا لهذه المنطقة!!

كتب أول رئيس وزراء لإسرائيل ديفيد بن غوريون، في مذكراته: «إسرائيل تؤمن أن قوتها ليست في امتلاكها للسلاح النووي، وإنما في تفتيت ثلاثة جيوش عربية كبري وهي (العراق، وسوريا، ومصر) وتحويلها إلى دويلات متناحرة على أسس دينية وطائفية»، منوهًا إلى أن «تل أبيب تؤمن بأن نجاحها في ذلك لا يعتمد على ذكائها بقدر ما يعتمد على جهل الطرف الآخر وغبائه وعمالته».

واستمر تنفيذ المخطّط واسقطت مصر إثر توقيع معاهد كامبديفد، وجاء الدور على العراق واستدرج إلى الفخ واحتل العراق ودُمر وحُلّ جيشه، ومن بعد ذلك جاء دور سوريا وأدخلت في الصراع المدّمر بين النظام المستبد والشعب السوري، فهل كل ذلك مجرّد صدفة؟!

كل ذلك التدرج للوصول إلى الهدف المخطط له من قبل الصهيونية والقوى الاستعمارية لتدمير هذه الأمة والقضاء على مقومات النهضة التي أشارت إليها وثيقة كامبل. فالقضية الفلسطينية مرّت بثلاث مراحل وهي: اتفاقيات أوسلو التي منحت الفلسطينيين وعدًا بدولة ضبابية، ثم تدمير العراق وتوسيع نفوذ إيران، وأخيرًا اندلاع الربيع العربي الذي جعل من ضمن أولوياته الديمقراطية بدل الإيديولوجيات، للوصول إلى التطبيع الذي يجري الآن بعد أن أنهكت الأمة وتشرذمت وتفككت لحمتها القومية، وتسلّط على رقابها حكام ديكتاتوريون موالون لقوى التسلط الأمريكي الصهيوني الغربي، فلا يعتبر الاتفاق مفاجئا بل عمدت الإمارات إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل منذ سنوات، وعقدت مع إسرائيل لقاءات كثيرة في عدد من عواصم العالم، بل مهّدت لذلك منذ سنوات في السماح لليهود في دبي بإقامة شعائرهم الدينية وبناء دور العبادة الرسمية للديانات الأخرى من كنائس مسيحية ومعبدٍ هندوسي ومعبدٍ سيخي ومعبدٍ هندوسي...

وأخيرا وجدنا الإمارات تبني معبدًا يهوديا ضمن "بيت العائلة الإبراهيمية" ولا نعلم هل ستضم الإمارات معبد الهندوس والسيخ إلى هذا البيت العائلة الابراهيمي؟!

التطبيع لن يقف فقط عند دولة الإمارات، ولكن ستمتد لبعض الدول العربية الأخرى، وهناك من ينتظر دوره في التطبيع من الدول العربية، من الذين باركوا التطبيع الإماراتي سرًا أو علنًا، إن لم نشاهد ردّا شعبيًا لمواجهة هذا المخطّط، لإرضاء سيدهم (أمريكا)، والسودان على خطا الإمارات قريبا، فالتطبيع قد يحقق للكيان الصهيوني السيطرة على الوطن العربي لتحقيق حلمه من الفرات إلى النيل.

إن المخطط هو "تقسيم المقسّم، وتجزئة المجزأ" من الأقطار العربية. وإن الحروب في اليمن، وليبيا، وسورية، والعراق، ليست إلا غطاءً من أجل تقسيم هذه الدول بعد إنهاكها، واستهلاك مواردها البشرية والطبيعية والمالية، وهدم بنيتها الفوقية والتحتية...

والمخطط الذي وضعه اليهودي البريطاني «برنارد لويس» كان صاحب أول مخطط لتقسيم المنطقة العربية، وصاحب نظرية أن الاستعمار للشعوب العربية نعمة تخلصهم من آفة الجهل والتخلف التي زرعتها الأديان السماوية ولاسيما الإسلام!!

وبرز اسم «برنارد لويس» بقوّة عندما وضع أول مخطط مكتوب مدعمًا بالخرائط لتقسيم الدول العربية، حيث وضعه عام 1980، ليتضح أن التخطيط قديم وأن التطبيع لن يكون سوى نتيجة لهذه المخططات والمؤامرات.

أنا لست من دعاة المؤامرة ولكن ممن يقول: ينبغي قراءة هذه الأحداث بعمق ووعي. فالسقوط نحو التطبيع لا يمكن أن يتم لولا العملاء المتصهينين والمتعاونين داخل الوطن العربي، بل صرّح أحد كبراء الصهاينة إن مِن حكام بلادنا العربية من هو صهيوني أكثر منهم، ومُخلص لدولة بني إسرائيل أكثر من الإسرائيليين أنفسهم!

وهذا ينذر بوجود خلل بنيوي أصاب الأمة، سهّل من نجاح خصومها في تنفيذ مخططاتهم، لو التفتنا قليلا إلى اليمين أو اليسار، سنرى أننا مشغولون في التآمر على بعضنا البعض أكثر من المتآمرين أنفسهم، ولو لم تكن السياسة سلسلة مؤامرات فماذا تكون؟ وحيث أننا في العالم العربي نتلقى الهزائم منذ ١٠٠ عام أو يزيد!

فما الهدف من تسميته بالاتفاق الإبراهيمي؟

الصهيونية العالمية تدرك أن استمرار بقاء إسرائيل على قيد الحياة في هذه المنطقة العربية مرهون بتغيير عميق في ثقافة شعبوها؛ والذي تعتبر الدولة العبرية كيانا غريبا ومعاديا لها، ولأن شعوب المنطقة العربية شعوبا كلاسيكية متدينة بالفطرة وتشكل فيها العقيدة الدينية والموروث الثقافي العقائدي الثقافة العامة والجمعية، فإن أي تغيير في تلك الثقافة الجمعية هو مرهون بتغيير في العقيدة الدينية لتلك الشعوب.

في بداية الألفية الثانية أخذت تظهر فكرة إيجاد إصدار جديد لعقيدة تجمع الأديان الثلاثة لأبناء إبراهيم اليهودية والمسيحية والإسلام، وهذه الفكرة ضمن الأفكار الخيالية التي تحولت مع الوقت وبدعم من اللولبيات اليهودية في الولايات المتحدة الأمريكية إلى فكرة واقعية تبنتها مراكز دراسات حكومية مرموقة وجامعات مثل جامعة هارفارد وغيرها منذ تسعينيات القرن الماضي، وقد بدأت في العمل على أرض الواقع تحت شعارات مثل: (السلام العالمي، والتعايش، وتعزيز القيم الإنسانية، وثقافة السلام...) وذلك عبر إيجاد تفاسير حديثة وتأويلات جديدة للنصوص المقدسة؛ وخاصة للآيات القرآنية التي ترى فيها الصهيونية العالمية خطرًا عليها!

ولتسويق هذه الأفكار واعدت الإمارات عددا من المثقفين للحديث عن “العائلة الإبراهيمية” لبيان تقارب أبناء الديانات الثلاث، ولما أرادت الإمارات توسيع دائرة العائلة، باحتضان السيخ والبوذية وكل الملل والنحل والطوائف، سخرت علماءها للتنظير لذلك، فصار عبد الله بن بيه لا يفتأ يذكر "العائلة الإنسانية"، وما صفقة القرن إلا جزءا مما يجرى تنفيذه على الأرض يوميًا من مخطط التحول الثقافي العقدي السياسي وصولًا إلى كيان الولايات المتحدة الإبراهيمية التي تمتد من المحيط إلى الخليج، وما يجرى يتعدى فلسطين التاريخية ويمتد إلى إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل حيث المسار الإبراهيمي في التوراة، ويمرّ مشروع الولايات المتحدة الإبراهيمية حتما بتصفية القضية الفلسطينية دون أي حلول عادلة، وصفقة القرن ستكون المرجعية النموذجية المعتمدة لأي حل مستقبلي. وجوهر ما يحدث حسب الرواية التوراتية هو تهيئة الأرض لنزول الماشيا أو المسيح المخلص أو المهدى المنتظر؛ لكن طبقا لمفاهيم العهد القديم.

ويبدو أننا أمام مخطط استراتيجي وطويل الأمد ويبدو للوهلة الأولى ذو أهداف إنسانية سامية إلا أنه يحمل في طياته أهدافًا سياسية واستراتيجية تخدم مصالح قوى الإمبريالية العالمية. ومشروع الثقافة الإبراهيمية ليس مشروعا ثقافيا فحسب بل هو مشروع سياسي طويل الأمد يهدف إلى تطبيع وجود إسرائيل ككيان طبيعي تمهيدا لتسويده في المنطقة من خلال تفوقه العلمي والتكنولوجي والثقافي.

والمطلوب دوما لتمرير مثل تلك المخططات هو أن تفقد الشعوب الثقة في أنفسها وفى قدرتها على التغيير لتلتحق طواعية بالمشروع المستقبلي الوحيد الذي سيسمح له بالقيام في هذه المنطقة ألا وهو الولايات المتحدة الإبراهيمية.

إنَّ هذا الكيان الصهيوني منذ اليوم الأول لقدومه بلادنا لا يريد هدنة ولا صلحاً ولا سلاماً! بل يريد الاستسلام التام والخضوع الكامل لدول الجوار على أقل تقدير!

وكل ما يجري الآن من تطبيع وحروب ومؤامرات إنما هو من أجل: محو رغبة الشعوب في مقاومة دولة بني إسرائيل، وتذويب كل الحواجز النفسية والتاريخية والدينية... من أجل مزيد من الإفساد والتدمير للأخلاق العربية!

أنا على ثقة بأن الفلسطينيين لن يلوحوا براية الاستسلام البيضاء، كما لم يفعلوا في أي وقت مضى، ولن يتخلوا عن حقوقهم السياسية مقابل حفنة من المال!

فالأهداف الغير معلنة من الفكرة الإبراهيمية يمكن ان نجملها بالآتي:

  1. إن انتشار فكرة "الإبراهيمية" واتساع المؤمنين بها، ينطوي على تحول دور العبادة بالأديان الثلاثة إلى مراكز للدبلوماسية الروحية، ومن ثم ستفقد قدسيتها. وإعادة قراءة النص الديني، واستخدامه لتفسير النهج السياسي، وستؤدي هذه الجهود مجتمعة لاستيلاء إسرائيل على القدس كاملة ومن ثم تسطو على المقدسات المسيحية والإسلامية هناك، والأهم من ذلك ضرب الإسلام والأمة العربية.
  2. إن تكريس فكرة "الإبراهيمية" يعني القضاء على القضية الفلسطينية، وعلى حقوق الفلسطينيين. وقد كانت القدس من أهم المحطات الأولى للتغيير على الأرض؛ فقد حاولت منظمة الأونروا فور وصول "ترامب" إلى السلطة حذف عبارة "القدس عاصمة فلسطين" من المقررات الدراسية للصف الأول إلى الرابع الابتدائي بمدارسها لتحل محلها عبارة "القدس المدينة الإبراهيمية"، تمهيداً لخلق واقع جديد وبناء جيل جديد مؤمن بهذا الطرح، كمحاولة لتغيير وتغييب هوية الأطفال خلال مرحلة التشكيل ليكونوا نواة التطبيق للمخطط المستقبلي.
  3. إن الإشارة إلى مفهوم أصحاب الحق الأصلي دون تحديد هويتهم، يفتح المجال أمام لإصدار خرائط عن وزارة الخارجية الإسرائيلية تتحدث عن حقوق تاريخية لليهود في الدول العربية، وخاصة في شبه الجزيرة العربية.

4.إن الهدف من نسف الأديان السماوية والدعوة للدين الإبراهيمي العالمي الواحد والتفاوض لإعادة الحقوق لأصحابها الأصليين (اليهود)، وفرض الدولة اليهودية كباقي دول المنطقة على أساس ديني، ويجب الاعتراف بها.

د. ناجي خليفه الدهان. دكتوراه العلوم السياسية، والعلاقات الدولية، وباحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية.

المراجع

  1. سيد جبيل. مشروع أبراهام/ «الدبلوماسية الروحية».. بوابة «تصفية» الصراع مع إسرائيل.

http://www.albadeeliraq.com/ar/node/3290

2 . مخطط أمريكي صهيوني لتقسيم العرب إلى كانتونات طائفية متناحرة

https://alwatannews.net/article/587701  موقع الوطن.

  1. د. هبة جمال الدين «المراكز الإبراهيمية».. تُعد لـ«كتاب مقدس» جديد والصراعان «العربي - الإسرائيلي»

https://www.elwatannews.com/news/details/3159209  الوطن

وسوم: العدد 894