«سلام» للعدو وحروب أهلية للعرب!
استنادا إلى مجلة «غلوبس» الإسرائيلية، فإن محادثات سرية جرت مؤخراً بين سلطات الإمارات ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لتغيير موقف الفلسطينيين الرافض لاتفاقات تطبيع الدول العربية، وعُرضت على الفلسطينيين حزمة من المساعدات الاقتصادية المميزة، ووعود بمليارات الدولارات مقابل الموافقة على التفاوض مع إسرائيل من دون شروط مسبقة.
غير أن أكثر ما يلفت النظر في العروض التي تشاركت الإمارات والسعودية (وهو ما يظهر أن اتفاقها مع إسرائيل هو مسألة وقت فحسب) على عباس هو «مساعدة» السلطة الفلسطينية «في استعادة السيطرة على قطاع غزة» الذي تحكمه حركة «حماس»!
من معرفتنا بطريقة عمل الإمارات والسعودية، فمن غير المعقول، طبعا، أن المقصود بـ«المساعدة» المذكورة في فرض سيطرة السلطة الوطنية على غزة هو «إقناع» حماس بالتخلي عن سلاحها لصالح السلطة، أو بدعم مفاوضات بين الطرفين، وبالتأكيد فإن أبو ظبي والرياض أعطتا مؤشرات للسلطة الفلسطينية عن طريقة «استعادة السيطرة» وهي، من واقع تجارب المنطقة العربية، فإن هذا الأمر سيتم بالتنسيق بين جيش الاحتلال الإسرائيلي والسلطات المصرية، وربما ستقوم الرياض وأبو ظبي بتوفير الأموال والأسلحة وربما مرتزقة من دول عربية وأجنبية لتحقيق الهدف المطلوب.
يمكننا اعتبار هذه الاقتراحات من باب الوعود المعسولة التي تريد الاستهزاء بعقول الفلسطينيين، غير أن قراءتنا للأحداث العربية، وطرق تدخل أبو ظبي والرياض في سياسات المنطقة، تجعلنا أقرب لتصديق إمكان تورطهما في سيناريوهات خطيرة مثل هذه.
كان مدهشا، في هذا المجال، كشف التقارير والمعلومات التي أكّدت أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بدأ تنفيذ خطة التدخل العسكري السعودي في اليمن (وكان حينها وزيرا للدفاع)، من دون إعلام وليّ العهد الفعلي آنذاك محمد بن نايف، وأنه فرض القرار على والده الملك سلمان بن عبد العزيز أيضا.
لم تنقطع أيضا منذ سنوات الأخبار عن طرق تدخّل الإمارات المتعددة الأشكال، عسكريا وأمنيا وسياسيا في اليمن وليبيا، وخصوصا دورها في الانقلاب العسكري لعبد الفتاح السيسي في مصر، وتخطيطها مع الرياض لغزو قطر ثم حصارها، وتكشّف تدخلاتها العسكرية والأمنية في سوريا، والسياسية والمالية في تونس وتركيا وبلدان عربية أخرى.
يمكن اعتبار الجامع الأكبر، في كل هذه التدخّلات، هو أنها تقوم كلها على مبدأ تصعيد الحروب الأهلية في البلدان العربية، فقد امتاز وليّا العهد الإماراتي، محمد بن زايد، والسعودي، محمد بن سلمان، منذ تسلّمهما زمام السلطات في البلدين، بكونهما لا يمارسان السياسة إلا باعتبارها فرضا غاشما لرأي، وانتزاعا لكافة السلطات في بلديهما، وفي تأجيجهما للحروب الأهلية المشتعلة في العالم العربيّ بأسوأ الطرق الممكنة.
مما يثير السخرية في موضوع «فرض السيطرة» على غزة، أن كلا من أبو ظبي والرياض لم ينجحا، رغم تدخلاتهما العسكرية المهولة في أكثر من بلد عربيّ، في «فرض السيطرة» في أي حرب خاضاها، سوى، اللهم، حربهما ضد الشعبين في السعودية والإمارات!
الخلاصة الممكنة من هذا التحليل أن جهد بن سلمان وبن زايد الحثيث على تأجيج الحروب الأهلية العربية هو القاسم المشترك الأعظم لهما مع إسرائيل، وبالتالي فإن اتفاقات «السلام» مع إسرائيل هي الوجه الآخر للعداء للشعوب العربية.
وسوم: العدد 894