في كل الجرائم أول ما يسأل المحقق : من المستفيد !؟
من المستفيد من هذه الحرب المفتوحة على العالم باسم الإسلام والمسلمين
لم يطو بعد ملف حرب الكراهية التي فتحها الرئيس ماكرون على الإسلام وأهله ، بذريعة جريمة فردية لفرنسي جاهل من أصول شيشانية، ثم ما تبعها من جرائم – كلها فردية - على الأرض الفرنسية ؛ حتى قفز إلى المشهد بالأمس جريمة أخرى يرتكبها فرد نمساوي من أصول ألبانية ضد الأبرياء من النمساويين ..!!
ولم يفرح الرئيس ماكرون بشيء ، فرحه بالجريمة التي وقعت على أرض النمسا ، وراح ضحيتها حتى الآن أربعة أبرياء ؛ فقد وجد فيها حبل خلاص من أزمته التي أوقع نفسه فيها بتعصبه وحماقته ، ورآها طريقة ليجر بها كل دول أوربة لتقف في صفه . وهو يكرر مع كل تصريح : لن نتنازل !!! والجميل من العديد من الدول أنها وزنت كلماتها بميزان العقل ، فأدانت الجريمة ولم تسقط في مستنقع ماكرون النتن.
وسؤالنا للرئيس ماكرون : لن يتنازل عن ماذا ؟! هل حقا أن أحدا مما يؤبه به أو له من المسلمين ، طالب الرئيس الفرنسي ، أو الشعب الفرنسي بالتنازل ، عما يسمونه " حرية التعبير " ؟؟؟؟ أو ليس السواد العام من المسلمين في ديارهم وفي مهاجرهم يرفعون شعار حرية التعبير مطلبا يهجرون من أجله ديارهم وأوطانهم ؟! وأنهم إنما يفعلون ذلك إيمانا منهم بهذا الحق " حق حرية التعبير " ، وتمسكا به ، وحرصا عليه ، وتضحية في سبيله ...
لا أحد من المسلمين يريد من الرئيس ماكرون ، أو من الشعب الفرنسي ، أو من أي شعب أوربي أن يتنازل عن حرية التعبير . بل إن المسلمين حول العالم يتطلعون إلى مساعدة الأحرار لينعموا مثلهم بهذا الحق الرائع والجميل !!
كل البيانات التي صدرت عن الشعوب المسلمة أرادت من الرئيس الفرنسي أن يتنازل عما يعتبره حقا له في شتم الناس ، والسخرية من مقدساتهم ، والتحريض على كراهيتهم ، واتهام دين خمس البشرية بالإرهاب ، ثم أن يتنازل عما يعتبره حقا له ولجمهورية " ماريان " في الاحتفاظ بجماجم البشر في المتاحف الفرنسية على أنها رمز من رموز بطولة الفرنسيين ، وعظمة فرنسا !!
ويبقى السؤال المطروح على ألسنة كل المسلمين : لماذا يجب على المسلمين في الملايو أو في إندونيسيا أو في الباكستان أو في أفغانستان أو في تركية أو في العالم العربي أو في نيجيريا أو في مالي أن يدفعوا ثمن جريمة فرنسي – وإن كان من أصول إسلامية - لا أحد يعلم شيئا عن مدخله ومخرجه ، وهل هو صناعة جهاز من أجهزة الأمن المتعددة الجنسيات، أو صناعة مدارس الغلو والجهل؟! ولماذا يُسأل المسلمون كافة عن مخرجات التوجيه والتثقيف التي يسيطر عليها بشار الأسد وعبد الفتاح السيسي وأشياعهم في هذا العالم الكبير ..؟!
ما ذنب الإسلام والمسلمين في كل هذا، ولاسيما حين تثبت التحقيقات القضائية، أن أكثر هؤلاء المنغمسين في مشروع "تشويه الإسلام" لم يأتوا من المساجد ، ولا من مدارس أهل القرآن والإسلام ، إنما يأتون من خلفيات أكثر ريبة عند الإسلام والمسلمين ؟!
أما حرية التعبير فالمسلمون في كل العالم أحرص من الرئيس الفرنسي على صونها وحمايتها والقيام بحقها ..
وإذا توافق كل العقلاء أن كل أحداث العنف الفردية ضد المجتمعات الإنسانية التي وقعت ، والتي يمكن أن تقع حول العالم هي جرائم ، وإذا وصفها كل أصحاب الرأي والقرار بين المسلمين على أنها جرائم ، فعلينا أن نتساءل كما يتساءل كل محقق رشيد : من المستفيد من هذه الجرائم ، ومن هو المتضرر الأول منها ؟؟
كلمة صادقة اعترف بها ماكرون على قناة الجزيرة 80% من ضحايا هذه الجرائم هم من المسلمين ، وأظن أن من حقنا أن نرفع النسبة قليلا ، لتوازي نسب مخرجات الاستفتاء للحكام الذين يفرضهم ماكرون وشركاه على كل بلاد المسلمين ، في أبشع لنظام صورة للهيمنة ، في مرحلة ما بعد الاستعمار .
وإذا احتسبنا الأعداد الحقيقية للضحايا التي يشنها الآخرون على الإسلام والمسلمين منذ عقود ، في أفغانستان وفي العراق وفي سورية وفي اليمن وفي ليبية وفي فلسطين وفي جنوب السودان وفي الإيغور وفي الشيشان وفي أراكان وفي كشمير وفي مالي وفي نيجيريا .. فنظن أن النسبة ستتعدى كثيرا ما سبق إلى تقريره ماكرون ومدرسة ماكرون على السواء ..
إن الذين وضعوا استراتيجياتهم لإعلان الحرب على ما أسموه منذ نصف قرن " الخطر الأخضر " بعد أن انتصروا على ما كانوا يسمونه "الخطر الأحمر، هم الذين يقودون الحروب اليوم على الإسلام والمسلمين ، وعلى كل المستويات .
يخوضونها ضد الإسلام والمسلمين حروبا ثقافية باردة ، وعسكرية حامية ، يزيفون وعي البشر ، يختلقون للمسلمين الاتهامات ، ويصنعون لهم الأزمات ، يزيفون الوقائع ، ويصطنعون الأحداث والأفلام ، ويهيئون لحروبهم الأدوات التي تقدم لهم الذرائع ، حكومات وميليشيات وتنظيمات كرتونية هشة ، تجيد إشعال النار ، كما تجيد عندما يطلب منها تولية الأدبار ..
وحين نتساءل بحق وجد من المستفيد الأول من تشويه صورة الإسلام الحضاري المقاوم لمشروع تشيئ الإنسانية وتشويه الإنسان ؟؟ سنجد في مقدمة المستفيدين رأسمالية امبريالية بشعة كالحة وقحة مختصر مشروعها الإنساني في الرغبة – واِلإشباع ، والسياسي في الهيمنة والنفوذ والسيطرة والاستحواذ .
المهيمنون الجشعون والمستبدون والفاسدون هم في هذه الحرب فريق واحد، وهم أول المستفيدين من الجرائم الفردية يرتكبها مأجورون أو مهوسون باسم الإسلام والمسلمين . والمسلمون ومشروعهم الحضاري لإنقاذ شعوبهم هم أول المتضررين ..
وتبقى اليد مبسوطة لكل شعوب الأرض بالاحترام والمحبة والسلام وسنظل ندعو الناس جميعا إلى رحاب الكلمة السواء ( وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ ) ونرفض كل جبار عنيد ..
وسوم: العدد 901