هل ربح المغرب في تطبيعه مع إسرائيل، وإقرار سيادته على الصحراء الغربية؟
لا زالت منطقتنا العربية تخضع للمشاريع الأمريكية والصهيونية الهادفة للاستيلاء على ثرواتها وتحويل سكانها العرب إلى أدوات خادمة لهذه المشاريع. حيث تسعى الصهيونية مع قوى الهيمنة العالمية إلى ذلك عبر مفاهيم "السوق شرق أوسطية" و"مشروع الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا" و"مشروع الشرق الأوسط الكبير"، فضلًا عن استهداف الهوية العربية من خلال القضاء كليًا على الثقافة العربية المميزة، وإعاقة مشروع الأمة الحضاري الذي يعيد لأمتنا دورها ومكانتها ويجدّد حيويتها وإسهاماتها في مسيرة التطور والتقدم الإنساني.
إن هذه المشاريع تهدف إلى إعادة رسم خريطة الوطن العربي، عبر تفتيته وتجزئته ونشر الفوضى فيه، لتسهل السيطرة عليه والتحكّم بمصيره ومقدراته، وهذه المشاريع ليست وليدة اللحظة وإنما هي قديمة جدًا؛ يعود بعضها إلى أيام نابليون بونابرت سنة 1798، الذي خاطب اليهود في ندائه بأنهم ورثة فلسطين الشرعيين، ودعاهم للنهوض إلى الحرب وإظهار القوة للمطالبة بـ (استعادة حقوقهم ومكانتهم بين شعوب العالم التي سلبت منهم مكانتهم منذ آلاف السنين)، وصولاً إلى خريطة الشرق الأوسط الجديد التي تسعى إلى إضعاف دول عربية كبيرة، وتقوية دول أخرى صغيرة، عبر التفريق والتمزيق وإثارة الفتن الطائفية والمذهبية والإثنية...
لقد شهدت الأشهر الأخيرة اتفاقيات تطبيع للعلاقات بين إسرائيل و3 دول عربية، أولها الإمارات ثم البحرين فالسودان، ثم انضم المغرب إلى كوكبة الدول العربية المطبّعة! وقد سبقتهم مصر، والأردن، اللتان تقيمان علاقات رسمية مع إسرائيل بموجب اتفاقيتي سلام منذ 1979 و1994 على الترتيب، ولكن هذا التطبيع الأخير بين المملكة المغربية، وإسرائيل، يثير عددًا من الأسئلة:
هل المغرب في حاجة إلى هذا التطبيع مع إسرائيل؟
هل ربح المغرب في إقرار سيادة على الصحراء المغربية مقابل؟
ماذا يعني الاعتراف الأمريكي بالسيادة المغربية على الصحراء؟
هل يعجل الاعتراف الأمريكي بحل النزاع في الاقليم؟
ما تأثير التطبيع ومنح الصحراء إلى المغرب على الشعب المغربي والصحراوي؟
لمحة عن تاريخ العلاقة المغربية الصهيونية
لقد سبقت المملكة المغربية الدولَ العربية في علاقاتها مع "إسرائيل"، حين عملت المنظمات الصهيونية على تهجير يهود المغرب إلى فلسطين مع إقامة "إسرائيل" سنة 1948، لحاجتها للعنصر الديموغرافي، فهاجر 85 ألف يهودي (1) حتى سنة 1956، وكانت المغرب في ذلك الحين تحت الانتداب الفرنسي. فرأى يهود المغرب أن قيام "دولة إسرائيل" فرصتهم للهجرة، نتيجة لتأييدهم للاستعمار الفرنسي، وخشيتهم على مستقبلهم، بفعل معاداة الحركة الوطنية المغربية لهم (2). فهاجر ما يقارب 30-25 ألف يهودي خلال الفترة 1961-1956 إلى فلسطين.
وبعد غرق سفينة أغوز في 11/1/ 1961، وعلى متنها 44 يهوديا نصفهم من الأطفال، توطدّت العلاقات المغربية الإسرائيلية، ورفعت كافة القيود المفروضة على الهجرة اليهودية، خصوصًا بعد الحملة التي شنتها الصحافة الأمريكية ضدّ المغرب، ووجهت لها مسؤولية إغراق السفينة، واضطهاد يهود المغرب (3).
لقد سعت "إسرائيل"، منذ سنوات عديدة، بشكل حثيث لتوطيد علاقاتها مع الدول الإفريقية، واختراق الصف العربي المناصر للقضية الفلسطينية، وأدركت زعزعة مقاليد الحكم في المملكة المغربية، وعملت على استغلال ذلك، ومقايضة علاقة هذه الأنظمة مع الولايات المتحدة عبر "إسرائيل"، لتوفير سبل الدعم العسكري والمالي لها، ومن خلال ذلك تسلّلت إلى دول المغرب العربي ككل. ومنذ تولي دونالد ترامب مقاليد الحكم في البيت الأبيض للولايات المتحدة الأمريكية، عاد مصطلح التطبيع للتداول بصورة كبيرة، فقد سعى ترامب لإقامة تحالف إقليمي تكون فيه "إسرائيل" رأس الحربة، دون الالتفات لحقوق الشعب الفلسطيني، والمقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس، وعمل على إعادة علاقات التطبيع بين المملكة المغربية و"إسرائيل" من جديد وبشكل علني. وتمكنت الإدارة الأمريكية في 10/12 / 2020، من عقد اتفاق تطبيع كامل للعلاقات الديبلوماسية بين المملكة المغربية و"إسرائيل"؛ لتصبح المغرب رابع دولة عربية تخطو خطواتها نحو الاصطفاف العربي إلى جانب "إسرائيل"، متناسية دورها في منظمة التعاون الإسلامي، وترأسُها للجنة القدس وحماية المقدسات الإسلامية، لهذا التاريخ الطويل في العلاقة لم يكن التطبيع بين المغرب وإسرائيل مفاجئا؟!
ردود فعل الشعب المغربي والصحراوي على التطبيع
على الصعيد المغرب الداخلي، أثار إعلان التطبيع ردود فعل متباينة بين المعلقين المغاربة، إذ دعا نشطاء إلى تدشين حملات شعبية تندد بالاتفاق المبرم وتؤكد على محورية القضية الفلسطينية. وسرعان ما انتشرت رسوم تستنكر موافقة الملك على الاتفاق دون أن "يهتم لرد فعل الشارع المغربي الذي يعتبر المسألة الفلسطينية قضية وطنية لا تقل قدسية ولا أهمية عن قضية الصحراء الكبرى" بحسب ما قاله مدونون.
ورغم تباعد المسافات، فإن للمغرب حضورًا قويا في مدينة القدس من خلال مؤسسة "بيت مال القدس" التي تأسست بمبادرة من الملك المغربي الحسن الثاني للدفاع عن الهوية العربية داخل المدينة.
كما ندّدت جبهة البوليساريو "بأشدّ العبارات" قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب باعترافه بالسيادة المغربية على الصحراء المغربية، وقالت وزارة الإعلام الصحراوية: "ندين حكومة الجمهورية الصحراوية وجبهة البوليساريو بأشد عبارات الإدانة على إقدام الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الاعتراف للمغرب، اعتراف من لا يملك لمن لا يستحق".
وأضافت إن "قرار ترامب لا يغير في أي شيء من الطبيعة القانونية للقضية الصحراوية حيث إن المجتمع الدولي لا يعترف للمغرب بالسيادة على الصحراء الغربية، لأنها تبقى ملكا حصريا للشعب الصحراوي"
آثار التطبيع على المغرب والصحراء المغربية
من أبرز آثار التطبيع على المغرب وعلى الشعب الصحراوي ما يلي:
- لم تعد مغربية الصحراء محل إجماع لدى الشعب المغربي، وارتفع اعترافهم في حقوق الشعب الصحراوي بشكل غير مسبوق.
- إعطاء مشروعية للنضال الصحراوي من أجل الاستقلال، وأصبح مبررا ضد البيع الأمريكي للصحراء الغربية.
- المغرب طبعّ من أجل أرض يعتبرها جزءا من تاريخه وهي مختلف عليها حتى الآن، وفرّط في أرض لا خلاف عليها (فلسطين).
- إعطاء الرئيس الأمريكي الصحراء للمغرب، وهي أرض لا وجود فيها لأمريكا ولا لإسرائيل، والصحراء المغربية ليس ولاية أميركية كي يتصرف بها ترامب، فهذا الصك الأمريكي لا يشكل اعترافًا دوليًا.
- إن المقايضة التي تمت في التطبيع مقابل الصحراء الغربية وضع المملكة المغربية أمام جبهتين في آن واحد هما:
- الصراع مع كل المغاربة المؤيدين للقضية الفلسطينية.
- الصراع في الصحراء المغربية وسيكون الرد كبيرا على الأرض.
- المغرب فرّط في فلسطين من خلال إعطاء صك التطبيع على حساب القضية الفلسطينية وهولا يملكه، مقابل إعطاء صك الصحراء الذي لا تملكه أمريكا.
ما هي المصلحة التي حققها المغرب من التطبيع؟
إن القضية الفلسطينية متقدمة في الحراك السياسي المغربي، ومعروف أن تعلّق الشعب المغربي والجيش المغربي بالقضية الفلسطينية كبير جدًا، وقدّموا عددًا كبيرًا من الشهداء خلال الصراع الذي جرى مع العدو الصهيوني عبر التاريخ، فكافأهم صلاح الدين الأيوبي بتسمية أحد أبواب أسوار المدينة الذي دخل منه الجيش المغربي ب "باب المغاربة" ومكان سكنهم ب "حي المغاربة".
وفي الحرب الأخيرة عام 1973 كان المقاتلون المغاربة يقاتلون جنبًا إلى جنب مع الجيش العراقي في الجولان وجبل الشيخ وقدموا عددًا كبيرًا من الشهداء، وأنا شاهد على ذلك، حيث كان لي شرف المشاركة فيها!!!
توجد في المغرب حركة عريقة ذات جذور تاريخية واسعة بين النخب والقوى السياسية، وكان لها دورا في الأحداث العربية، وفي عام 2000 عندما حدثت انتفاضة الاقصى المباركة، خرجت في المغرب أضخم تظاهرة شهدها العالمين العربي والاسلامي تأييدًا للقضية الفلسطينية، والتي كتبت عنها الصحافة الغربية في تحليلها عن بقاء هذه الجذو الحية للقضية الفلسطينية. وبالتالي فلا بد من طرح السؤال ما المصلحة التي حققها المغرب من التطبيع؟ وهل صك منح الصحراء له قيمة؟ وهل لأمريكا الحق كي تهب الصحراء للمغرب؟
الجواب: لا.
لقد سبق أن منحت أمريكا صك الجولان لإسرائيل، وعندما أرادت إسرائيل نصب مراوح لتوليد الطاقة، انتفض الجولانيون بوجه المتحل وأجبروه على الانكفاء، أن هذا الصك الأمريكي لا يغير شيء طالما هناك شعب حي!!!
لقد رفض الشعب المغربي التطبيع مع "إسرائيل" منذ أن بدأت تتكشف تلك العلاقة، وتولى الائتلاف المغربي المكون من 26 حزبا وجمعية، تنظيم الاحتجاجات المغربية الرافضة للتطبيع، وحتى لو سلمنا أن هناك مصلحة في هذه المقايضة، يبقى هذا الصك لا قيمة له ما لم يحسم الأمر مع شعب الأرض، الذي يخدم المغرب ودول الجوار هو تفاهم المغرب والجزائر وموريتانيا وأهل الصحراء، على أي صيغة لحل موضوع الصحراء، هذا هو الذي يخدم الاستقرار في المغرب.
التطبيع يعني تأزّم العلاقات مع دول الجوار وكذلك في الداخل المغربي مع القوى والنخب السياسية، ومع الشعب الصحراوي وقواه السياسية، وإعطاء مشروعية للشعب الصحراوي كي يسعى لاستقلال أرضه.
السياسات الأمريكية المتعاقبة كانت تملك القدرة في استخدام نفوذها على جبر الحكومات وجرّها إلى طاولة التطبيع في أي وقت لمصلحة اسرائيل، مقابل حماية عروشها وانظمتها، ولكن السياسة الاستراتيجية الأمريكية الحالية هي ردة فعل يائسة من إمكانية الوصول إلى تسوية يرتضيها الفلسطينيون، ولذلك جاء التطبيع خلال هذه المرحلة ليكون هدايا احتفالية لدعم وتثبيت الوجود الصهيوني على أرض فلسطين.
إن الهيمنة الأمريكية منذ وقت طويل تخطط وترسم لنقل الوطن العربي من حالة التجزئة إلى حالة التفتيت والتشتيت والتشرذم في محاولة منها لتجميل شكله، وتمكين إسرائيل من الهيمنة على المنطقة.
لقد نجحت بعض المشاريع هنا وهناك ولكنها لم تكن لتنجح لولا ضعاف النفوس والمتخاذلون المتحالفون مع القوى الغربية والكيان الصهيوني.
التطبيع مع العدو الصهيوني خيانة وجريمة في حق الدين الإسلامي وحق الأمة وحق فلسطين وشعبها وقضيتها وقدسها وأقصاها... وموضوع التطبيع مع العدو خيانة، وخصوصا في هذه الظروف التي يتم فيها تصفية القضية الفلسطينية عن طريق صفقة القرن.
يجب مقاومة التطبيع مع إسرائيل على كافة مستوياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، من خلال كل المنظمات والهيأة العربية المساندة لنضال الشعب الفلسطيني.
وعلى كل الأحرار والشرفاء في الوطن العربي الانخراط بكل أشكال المقاومة للتطبيع، والتأكيد على ميثاق علماء الأمة لمقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني؛ الذي صدر عن المؤتمر الذي عقده العلماء في مدينة اسطنبول التركية في شهر ديسمبر/كانون الاول 2020.
إن القضية الفلسطينية قضية الأمة العربية والاسلامية، وستبقى كذلك حتى تحرير آخر شبر منها.
عاشت فلسطين حرة عربية
المراجع
- تتشكل الطائفة اليهودية في المغرب من التوشفيم من اليهود المحليين، والكورشيم اليهود المهاجرين من غرناطة عام 1492 الذين أستقرو في طنجة، سلا، وأسفي.
- سامي ابو جلهوم، تهجير يهود المغرب في مؤتمر اليهود الشرقيين عام 2016، مركز عبد الله الحوراني، غزة 2016 ص8.
- الحاج محمد الناسك، ذكرى غرق ايكوز، قصة تهجير اليهود المغاربة الى اسرائيل، موقع هسبريس 7/2/ 2017 في https:// bit. I/3Ivd6nn
____________
ناجي خليفه الدهان: دكتوراه علوم سياسية، علاقات دولية، باحث في الشؤون السياسية واستراتيجية. 27 / 12/ 2020.
وسوم: العدد 909