على العقلاء من صنّاع القرار في هذا العالم أن يراجعوا مواقفهم من غطرسة من يوقدونها
(( كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ))
تناقلت وسائل الإعلام ليلة أمس نبأ وقف إطلاق النار بين الكيان الصهيوني والمقاومة الفلسطينية مصحوبا بارتياح عالمي لهذا الحدث مع الثناء على من توسطوا ليتم ذلك ، ولم ينتبه إلى حقيقة ما وقع إلا الذين يقرءون قول الله عز وجل الذي ورد في سياق الحديث عن بني إسرائيل من الذين غيروا ما أنزل سبحانه وتعالى على نبيه موسى عليه الصلاة والسلام من هدي تحريفا وإخفاء : (( كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله )) |،فالفضل إذن يرجع إليه سبحانه وتعالى ، فهو من سخر الوسطاء لهذا الحدث والأمر كله بيده ، وأرغم المعتدي الصهيوني على قبول الهدنة وهو الذي كان يهدد بالويل والثبور وعواقب الأمور وبمنتهى الغطرسة ، والشراسة ، وبغياب أدنى قدر من القيم الأخلاقية المتعارف عليها إنسانيا ، لأن سنته سبحانه وتعالى ماضية في الخلق وفي ملكه ،ولا يمكن لأحد من خلقه أن يغير منها شيئا ، لهذا يعود له جل في علاه الفضل أولا وأخيرا وله الحمد على ذلك في الأولى والآخرة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
وعلى عقلاء أصحاب القرار في هذا العالم أن يعودوا إلى رشدهم بعد غيهم ، وأن يلتزموا القدر المطلوب من الموضوعية والعدل والإنصاف صيانة لمصداقيتهم التي جعلها الكيان الصهيوني المتغطرس والمارق من الالتزام بالقوانين والقيم الإنسانية في مهب الريح وهم يدللونه ، ويقلبون الحقائق حين يسمون عدوانه وهو الجلاد على الإنسان والعمران دفاعا عن النفس في حين يسمون دفاع الضحية عن نفسه عدوانا وإرهابا ، وأحرار العام ينكرون عليهم ذلك ، ويسخرون من هوان مصداقيتهم على أنفسهم.
إن ما حدث في عشرة أيام من الصراع الدامي الذي سقط خلاله من الضحايا الفلسطينيين وهم مواطنون عزل أضعاف ما سقط من مواطني الكيان الصهيوني من قتلى وجرحى ، نبه العالم الذي يتعمد سياسة غض الطرف عن العدوان المتكرر للكيان المحتل لأرض فلسطين على أهلها تقتيلا وتشريدا وأسرا وحصارا ومصادرة للممتلكات إلى أن القضية الفلسطينية ليست كما يظنون قابلة لأن يطوى ملفها بجرة قلم كما فعل الرئيس الأمريكي السابق حين ظهر أمام العالم منتفخ الأوداج ومتنطعا ومزهوا بتسليم مدينة القدس للصهاينة وكأنها ملكه أو كأنه وصي عليها وعلى أصحابها الشرعيين .
إن القدس الشريف وأكنافه قضية كل العالم الإسلامي ، ووراءها الدين الإسلامي العظيم الذي ارتضاه الله تعالى للعالمين ، ووراءها كل المسلمين على اختلاف ألوانهم وألسنتهم وأعراقهم ، لهذا فمن الوهم المثير للسخرية أن يفكر الكيان الصهيوني في تهويده ، أو يزعم أحد في هذا العالم ذلك .
ولقد آن الأوان ليفيق المعتدي الصهيوني من ضلال أوهامه ، ومن غروره واعتقاده أنه جنس فوق كل الأجناس البشرية ، وأنه يحق له أن يفعل في هذا العالم ما يشاء دون رقيب أو حسيب . إن المقاومة الفلسطينية الباسلة قد أيقظته من وهمه وغروره ، وأنزلته من أبراجه العاجية إلى أرض الواقع الذي وهو وضعه الذي يجب أن يكون عليه الشيء الذي خلف لديه صدمة كبرى .
إن الشعب الفلسطيني مسلما ومسيحيا مستعد كما كان دائما لاحتضان اليهود ولكنه لن يسمح للمتصهينين منهم بفرض واقع لا يقبله الله عز وجل ولا التاريخ ولا المسلمين في كل العالم ولا البشرية قاطبة .
لقد انتهى زمن العدوان الصهيوني الذي يمر دون عقاب . وعلى الشعب اليهودي الذي غرر به قادته الصهاينة أن يدرك بأنه قد خدع بأوهام كشف عن وهمها النزال الأخير مع المقاومة الفلسطينية، وهو ما يقتضي منه أن يراجع حسابه معهم وأن يعتذر للشعب الفلسطيني الذي استضاف واحتضن أسلافه من أصحاب الديانة اليهودية منذ الفتح العمري المبارك راعيا أمنهم وسلامهم وحرية عبادتهم إلى أن تسلط عليه قادته الصهاينة فغرروا به ، وباعوا له الأحلام والأوهام وسرابا بقيعة .
وفي الأخير نتقدم بتحية حارة للمقاومة الفلسطينية الباسلة في غزة العز ، ولكل المرابطين فوق التراب الفلسطيني الذين شاركوا في النزال المبارك بصمود وشجاعة وصبر وثبات . والمجد والخلود لشهدائهم الأبرار والشفاء العاجل لجرحاهم والعزاء الجميل لمن فجعوا في أحبتهم . والتحية الحارة موصولة لكل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها الذين ساندوا المقاومة الفلسطينية الباسلة كل حسب وسعه وقدرته ، وسهروا معها الليالي متضرعين إلى المولى جل وعلا أن يظهرها على عدوها . والتحية موصولة أيضا لكل أحرار العالم الذي خرجوا في مسيرات وازنه تعبيرا عن تأييد قضية فلسطين العادلة .
والخزي والعار والشنار لمن خان هذه القضية أو ساند المحتل المعتدي بشكل أو بآخر .
والحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين.
وسوم: العدد 930