شر الغلول حصول على منصب أو امتياز غير مستحقين بسبب انتماء أو ولاء إلى جهة ذات سلطة أو نفوذ
من المعلوم أن الغلول وهو أقبح خيانة على الإطلاق قد حرّم في شرع الله عز وجل بموجب قوله تعالى : (( وما كان لنبي أن يغل ومن يغلل يأت بما غلّ يوم القيامة ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون )). ودون الخوض فيما خاض فيه المفسرون مما يتعلق بسبب نزول هذه الآية الكريمة انطلاقا من حركة ياء المضارعة في فعل " يغل" حسب قراءتين مختلفتين ، نمر إلى المعتبر وهو عموم لفظ الآية المترتب عنه حكم تحريم الغلول والوعيد الشديد لمن وقع فيه يوم القيامة .
والغالب أن الناس يقتصر فهم كثير منهم للغلول في هذه الآية الكريمة على ما كان يؤخذ في الغنائم دون وجه حق مع الغفلة عن أنواع كثيرة أخرى من الغلول تتناسل مع مر العصور واختلاف البيئات ، وتتخطى ما هو مادي إلى ما هو معنوي وإن كان هذا الأخير يفضي بدوره في نهاية المطاف إلى المنافع المادية .
ولمّا كان الغلول في حقيقة أمره خيانة أو سرقة موصوفة كما يقال ، فإن أساليبه وطرقه متعددة إلا أن أقبحها هو الحصول على مناصب أو امتيازات على اختلاف أنواعها وتكون غير مستحقة ، ويكون سبب الوصول إليها انتماء أو ولاء إلى جهات ذات سلطة أو نفوذ سياسي أو حزبي أو طائفي ... أو ما كان على شاكلة ذلك مما تجتمع فئة أو طائفة من الناس عليه لمصالح متبادلة فيما بينهم .
ولقد دأبت كل فئة أو طائفة تصل إلى مراكز القرار مهما كان نوعها على ممارسة شر غلول من خلال تمكين المنتسبين إليها أوالموالين لها من مناصب وامتيازات لا يستحقونها، وليسوا أهلا لها لوجود من هم أهل لها وأجدر بها منهم كمكافأة لهم على انتمائهم إليها ولائهم لها ، وفي نفس الوقت يكون ذلك تمكينا لها ولاستمرار وجودها في ما تصل إليه من مراكز أو سلط ، وما تعود به عليها من منافع مادية ومعنوية تنطوي هي الأخرى على ما هو مادي في نهاية المطاف .
وأكثر الأفراد استعدادا للاستفادة من أقبح أنواع الغلول فئة الوصوليين والانتهازيين الذين يظهرون الولاء والانتماء إلى الجهات ذات السلطة والنفوذ، وهم في الحقيقة يبطنون وصولية وانتهازية ومصالح شخصية لا يمكن أن يخفيها تملقهم المكشوف لمن يمكنهم من الغلول وهم يظنون أن أمرهم خاف على الناس.
وقد يكون شر الغلول مركبا حيث يبدأ أول الأمر على سبيل المثال لا الحصر بتمكين الغال من شهادة علمية غير مستحقة لتمكينه بعد ذلك من منصب تخوله له تلك الشهادة ، ويكون المنصب وسيلة إلى أنواع شتى من الغلول عبارة عن مسكن وأثاث، ومركب، وأسفار ... إلى غير ذلك من الامتيازات مما يتناسل عن أول غلول غلّ دون وجه حق أو استحقاق .
وقد تكون الجهات التي تمكن الوصوليين والانتهازيين من الغلول على علم مسبق بكذب ولائهم وتملقهم لها إلا أن حرصها على مصالحها يجعلها مضطرة إلى التمكين لهم، فتقايض ما تغل هي بغلولهم ، ويكون غلول الجميع خيانات بعضها فوق بعض ، وظلم بعضه فوق بعض . ومما يزيدها ظلمات يوم القيامة استغلالها لاقتراف ظلم العباد .
وتختلف أساليب تملق الوصوليين والانتهازيين من يمكنونهم من شر الغلول ، فيكون منها على سبيل المثال لا الحصر إظهار الورع والتقوى وعبادة الظاهر رياء ، و يكون منها ادعاء العلم والمعرفة وإظهار الانصراف إليهما إلى حين الوصول إلى الغلول ، ويكون منها إظهار العداء لخصوم من بيدهم مفاتيح الغلول إرضاء لهم ، ويكون منها السكوت على عيوبهم سكوت الشياطين الخرس ، ويكون منها وصفهم وحمدهم تملقا بما ليس فيهم ، ويكون منها قضاء حوائجهم الخاصة بعروض سخية تسترخص مقابل ما يرام من ورائها من شر الغلول ، ويكون منها إقامة حفلات التكريم وتقديم الهدايا خلالها ... إلى غير ذلك من الأساليب والطرق وهي كثيرة ، والتي يتفنن فيها الوصوليون الانتهازيون الغالّون.
وبالرغم من التحذير والوعيد الإلهيين الشديدين من الغلول ، فإنه داء قد أصبح داء عضالا في زماننا هذا لا ينفع معه دواء ، والمصاب به لا يجد راحة إلا بالاستزادة منه والوقوع في مراتعه المحرمة ، والمثير للسخرية أنه قد ينسبه إلى منة من الله عز وجل خص بها دون غيره ، وهو بذلك يفتري على ربه سبحانه وتعالى الكذب فيزداد بذلك إثما على إثم الغلول ، ويأتي يوم القيامة وقد قلّد الإثمين معا، فيوفى ما كسب ،وهو لا يظلم في محكمة العدل الإلهية حيث الموازين القسط .
وأخيرا نختم بالقول هلاّ استحضر الغالّون على اختلاف أنواع غلولهم مثقال ذرة من عقل وحكمة وخوف من وعيد الله عز وجل، فتحللوا مما غلّوا قبل حلول ساعة الرحيل ، وحلول الندم الشديد ،ولات حين مندم .
وسوم: العدد 936