مصر: لماذا يرتبط كل شيء بـ«الجهات الخارجية»؟
تعددت الردود الصادرة مؤخرا عن السلطات المصرية في أمور شتى تمسّ، من بين ما تمس، قضايا حقوق الإنسان والماء والتعليم.
من ذلك صدور بيان رسمي للحكومة المصرية نفى صحة ما أورده تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية قبل أيام يفيد بأن النساء اللواتي يضطررن للتعامل مع منظومة العدالة الجنائية في مصر يتعرضن لخطر الاعتداء الجنسي أثناء عمليات التفتيش والاعتقال على يد سلطات الدولة وأفرادها.
اعتمد التقرير شهادات لعشرات من النساء اللواتي قلن إنهن تعرضن لانتهاكات جنسية على يد مسؤولين في أقسام الشرطة والسجون والمستشفيات، أما السلطات المصرية، وبعد رفضها الرد على اتهامات الصحيفة الأمريكية، فقد ردّت بنفي المعلومات، وبعدم تقديم أي وقائع ملموسة تعاكس التقرير، أو حتى باستخدام خطاب منطقي يفنّد المزاعم بل لجأت إلى عدّتها الجاهزة التي تحيل كل شيء إلى مؤامرات خارجية معتبرة التقرير جزءا من مساع «لنشر الشائعات والأكاذيب».
ردّت السلطات المصرية أيضا، بلسان مستشار الرئيس المصري للشؤون الدينية، أسامة الأزهري، على مفتي إثيوبيا، الحاج عمر إدريس، الذي قال إن لبلاده حق المنفعة والاستفادة من مواردها الطبيعية بدون أي ضرر لدول حوض النيل، فأشار الأزهري إلى أن زمن النجاشي (حاكم الحبشة أيام النبي محمد، ص) «الذي لا يظلم عنده أحد» قد مضى، مهددا حكام اثيوبيا الحاليين بالقول: «من اعتدى على حقنا فسوف ننتزع حقنا منه بأنيابنا ولا يلومن إلا نفسه» وهو تهديد لا يتناسب منطقا مع الفكرة التي طرحها المفتي الإثيوبي، كما حمل الردّ وقائع لم يتم التثبّت منها، مثل القول إن «الضرر الواقع على مصر والسودان صار قطعيا وظاهرا وواضحا وساطعا» وهو تصريح لا يقدّم وقائع ملموسة ولا خطابا منطقيا متوازنا، مثل تصريح نفي الانتهاكات السابق.
اتخذ اتجاه الردود طابعا كوميديا وذلك في تصريحات أطلقها وزير التعليم المصري، طارق شوقي، بعد لقاء وسائل إعلامية له للرد على سؤال تصدّر عمليات البحث على محرّك البحث غوغل في مصر وهو «ما جمع حليب» وذلك بعد أن انتشرت أنباء على شبكات التواصل الاجتماعي بأن هذا السؤال كان من ضمن أسئلة امتحان اللغة العربية لطلاب الشهادة الثانوية.
أكد موقع مصريّ، لاحقا، أن السؤال كان من بين أسئلة «الامتحان التجريبي، أو النماذج الاسترشادية لطلاب الثانوية العامة» وأنه لم يرد فعلا في أسئلة امتحان اللغة العربية لطلاب الثانوية، وكان يمكن للوزير أن يكتفي بهذا التوضيح لكنّه، جريا على العادة التي يتّبعها المسؤولون المصريّون، لجأ ببساطة إلى نظرية «المؤامرة الخارجية» معتبرا أن هناك أطرافا تعمل على «خلق شوشرة» حول الامتحانات في مصر، وأنه تم رصد «جهات خارجية» تعمل على تقديم صورة سلبية عن الامتحانات، وأن من روّج لسؤال «ما جمع حليب؟» هو شخص دُفعت له الأموال لخلق هذا الانطباع.
لا تختلف السلطات المصرية في لجوئها إلى اتهام «الجهات الخارجية» عن باقي السلطات العربية، لكنّ المبالغة الكبيرة في استخدام هذه الذريعة واستخدامها المبتذل لتجاهل المشاكل البنيوية الهائلة التي تعاني منها الأنظمة يقلب مفعول هذه الردود ويحوّلها إلى فضاء لسخرية المواطنين… و«الجهات الخارجية» معا!
وسوم: العدد 937