وئام وهّاب يصرّح والحزب يرقّع … أليسا والقدس وبيّاعو المازوت
قلّة عقل أن يناقش المرء تصريحات النائب والوزير اللبناني السابق وئام وهاب المسيئة والتنميطية للمرأة الروسية والأوكرانية في حديثه لقناة «الجديد». سياقها وتداعياتها جديرة أكثر بالنقاش. ليست هذه أسوأ تصريحات وهاب، كل إطلالاته التلفزيونية تقريباً تتسم بالشوارعية، بل إن الأخيرة هي المهمة الحصرية التي أوكلها إليه النظام السوري و«حزب الله» كـ «وجه مقابحة» ، على ما يقال بالدارج، يوكِل إليه كل ما أراد النظام الممانع تمريره للخصوم بطريقة غير رسمية (والخصوم هنا يصحّ اختصارها بالشعب اللبناني والسوري) من تهديدات وشتائم وسبابات مرفوعة.
الأسوأ من تصريحه حول أن ماهية لبنان المحتملة كبلد دعارة (حسبه طبعاً) تقتضي استضافة عشرة آلاف حلوة روسية وأوكرانية، أنه قيل أمام فخامة الرئيس ميشيل عون، أي أن الجو يسمح بكلام من هذا الوزن، ولمَ الغرابة ما دام الجو يسمح بوجود وهاب نفسه ضمن المشهد! الأسوأ أن يعتبر كلامه نكتة يضحك لها الرئيس!
مشفق حين يتهافت الحزب، كلّه، ليرقّع تصريحات زعيم أخرق، لكنها حقاً صورة معظم الأحزاب العربية، فما هذه إلا زعماؤها، سيان إن كانت «حزب بعث» ، أو «توحيد» أو حتى «حزب لله».
شجبت السفارة الروسية في لبنان ما ورد على لسان وهاب، وطالبت «الخارجية اللبنانية» بموقف واضح يدين تصريحات زعيم «حزب التوحيد العربي» . استنكرتْ، وما استنكرَ اللبنانيون أن يتجرأ نائب ووزير على لبنان عندما يصفه كـ «بلد دعارة» ، ولو كافتراض، فلعلّه هنا يفترض كي يقول إن هذا هو واقع الحال.
المثير للاهتمام أن الركض للتوضيح والاعتذار والترقيع لم يأت من وهاب في البدء، بل من حزبه. لا ندري إن كان حقاً هناك حزب يحمل اسم «حزب التوحيد العربي» ، نعني حزباً له وجود وأنصار لهم قوة وثقل على الأرض، أم أن وهاب تسلّل من باب خلفي متنكراً في ثياب حزب مطلقاً بيان الاعتذار!
مشفق حال «حزب التوحيد العربي» إن وُجد. كان الواجب اعتذار زعيمه عن الإساءة من دون أي كلمة إضافية، أما وقد استغرق البيان بالتوضيح، فقد عَلِق «حزب التوحيد العربي» ، وهو الحزب السياسي، في شباك مفردات تتحدث عن «الجمال الروسي والأوكراني» ، و»الروسيات نساء من الدرجة الأولى» (هذه لوحدها من أعاجيب التصريحات) و«قصدنا ما تتمتع به روسيا وأوكرانيا من جمال فتان» . مشفق حين يتهافت الحزب، كلّه، ليرقّع تصريحات زعيم أخرق، لكنها حقاً صورة معظم الأحزاب العربية، فما هذه إلا زعماؤها، سيان إن كانت «حزب بعث» ، أو «توحيد» أو حتى «حزب لله».
إن تجرّأ عناصر تلك التنظيمات، الأكثر التصاقاً بالزعيم، على الكتابة والبوح يوماً عن السلوك الداخلي للزعيم مع أبناء تنظيمه وقيادات حزبه سنكون أمام مجلدات ضخمة من أعمال روائية للتاريخ. لكن من يجرؤ!
بيّاع المازوت
شهدْنا، على الهواء مباشرة، تعطّل انعقاد جلسة البرلمان اللبناني أمس بسبب انقطاع التيار الكهربائي لأربعين دقيقة كاملة، شاعَ بعدها أنه استدعى صهريج مازوت إيرانيّ لتشغيل كهرباء الجلسة المنعقدة من أجل منح الثقة للحكومة، هذه التي رفض رئيسُها صهاريج المازوت الإيرانية. رسالة بليغة لنجيب ميقاتي من الحزب الإلهي: أنت وحكومتك، وثقة البرلمان، شغّالون بفضل صهريج مازوت ولاية الفقيه.
قد تكون حكاية استدعاء صهريج المازوت لتزويد جلسة الثقة مجرد إشاعة، لكن من قال إن هذا المجاز ليس في مكانه؟ لم لا، ما دام البلد برمّته شغالاً على الصهريج، بل إن هناك من يعتبره تحوّلاً استراتيجياً وتمريغاً لأنف أمريكا التي لم تتمكن من اعتراض سفينة المازوت، ولا الصهاريج العابرة للحدود السورية اللبنانية تالياً.
رسالة بليغة لنجيب ميقاتي من الحزب الإلهي: أنت وحكومتك، وثقة البرلمان، شغّالون بفضل صهريج مازوت ولاية الفقيه.
انظروا إلى أين ألقت بنا الأقدار! من «طريق القدس تمرّ من.. »، و»هيهات منّا الذلّة» ، من الحديث عن مصير الأمة، ومصائر «الأمم العدوّة» إلى الانشغال والاستغراق الكليّ بحركة طنبر المازوت (هذه هي التسمية السورية الدارجة لصهريج المازوت المتنقل بين الأحياء، إن وجد طبعاً). لا يجد المرء هنا أبلغ من تغريدة المغنية اللبنانية أليسا:» دخلكن مش مفروض عم نحرر القدس؟ صرنا عم نبيع مازوت؟».
أكبر السجون
أطلّ الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي هاتفياً على واحدة من الفضائيات المصرية ليبشر المصريين بافتتاح قريب لأكبر مجمع سجون في مصر. وهو أكد أن هنالك «نسخة أمريكية كاملة؛ إعاشة محترمة، رعاية طبية وإنسانية وثقافية وإصلاحية».
يأتي هذا الإعلان بعدما ملأ السيسي المحروسة بمزيد من السجون منذ ثورة يناير، هي التي تملأ طول البلاد وعرضها في الأساس.
كما تأتي «بشارة» السيسي في وقت يملأ فيه صراخ معتقلي الرأي جهات الأرض من الظلم الذي يلحق بهم من طرق التعامل والتعذيب والإهانة، وقبل ذلك من ظلم زجّهم في السجون بسبب آرائهم ليس إلا.
من نافل القول إن هيكل المبنى وتقسيماته لن تغيّر شيئاً في أحوال السجون والمساجين إن كان الحاكم لا يتوفر على ثقافة حقوق الإنسان، فما بالك إن كان طاغية، سجّلت باسمه مجازر وانتهاكات موثقة لا تنكر!
وسوم: العدد 947