بينيت في أبو ظبي: التسابق على تعزيز «الدفء» الاستراتيجي

في أول زيارة علنية ورسمية يقوم بها رئيس وزراء إسرائيلي إلى دولة الإمارات العربية وصل نفتالي بينيت إلى أبو ظبي واجتمع مع ولي العهد محمد بن زايد، وسط أجواء ترحيب من الجانبين دشنها بينيت قبل الصعود إلى الطائرة، معتبراً أن زيارته تستهدف تعميق التعاون بين البلدين وتوطيد ما يطلق عليه الجانبان صفة «السلام الدافئ».

ومن المنتظر أن تشهد الزيارة المزيد من توقيع الاتفاقيات في ميادين التجارة والتصنيع العسكري وتطوير أجهزة التجسس، وهذه هي العناوين الأبرز التي تجلت فيها ثمار اتفاقيات أبراهام، رغم أن ذريعة التطبيع من الجانب الإماراتي كانت خدمة السلام وتأكيد حقوق الشعب الفلسطيني. ولم يكن غريباً أن تترافق زيارة بينيت إلى أبو ظبي مع اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلية مدينة نابلس واستشهاد شاب فلسطيني وجرح آخرين، وكذلك الإعلان عن مزيد من مخططات الاستيطان التي أغضبت الولايات المتحدة ذاتها لكنها لم تجد أي اعتراض من الإمارات حتى على المستوى اللفظي.

ولقد بات معروفاً أن الذهاب أبعد في تطوير العلاقات التجارية والاستثمارية والتصنيعية بين أبو ظبي ودولة الاحتلال هو الهدف الفعلي من وراء التطبيع، وهذا أمر لم يخدع الكثيرين منذ البدء، بل يجوز التذكير هنا بأن أبكر طلائع الاعتراض على هذا التوجه جاءت من أطراف إسرائيلية وليس إماراتية. والنموذج الأوضح على هذه الحال هو المعارضة التي تبديها أوساط إسرائيلية سياسية وبيئية ضد اتفاق نقل النفط الإماراتي إلى دولة الاحتلال عبر خط إيلات على البحر الأحمر نحو أسدود على البحر المتوسط. ويتردد اليوم أن بينيت نفسه ينوي الاستجابة للضغوط الداخلية وإعادة النظر في الاتفاق، وسط خيبة أمل المتلهفين على إبرامه في أبو ظبي. والمراجعة البسيطة لمفردات التعاون التي انخرط فيها الجانبان حتى الساعة تشير كذلك إلى صيغة تتجاوز بكثير مجرد التطبيع بين أبو ظبي وتل أبيب، وتؤكد أن التحالف الاستراتيجي هو المضمون الفعلي لاتفاقيات قيل إنها تقيم السلام بين بلدين لم يدخلا أصلاً في أي حرب. فالاتفاقيات العسكرية والأمنية والسيبرانية تتضمن تصنيع السفن الحربية غير المأهولة والمنظومات الدفاعية المضادة للطائرات المسيّرة ومعدات كشف الألغام البحرية وبرامج الاستخبارات وتطبيقات المراقبة والمناورات العسكرية المشتركة، فضلاً عن مساهمات موانئ دبي العالمية في بناء موانئ حيفا بما يرفع قيمة الاستثمارات إلى 6,5 مليار دولار، إلى جانب العلاقات السياحية والرياضية والثقافية والتكنولوجية التي تتنامى وفق معدلات سرعة قياسية.

وبهذا فإن الإمارات تسبق بأشواط جميع الدول الأخرى المطبعة حديثاً في البحرين والسودان والمغرب، كما أنها في مضمار التعاون المباشر الواسع مع دولة الاحتلال تجاوزت مصر والأردن وما نصت عليه اتفاقيات كامب دافيد أو وادي عربة، أو ما تمخضت عنه لاحقاً من أشكال التنسيق والتعاون. وهذا التسابق المحموم نحو أحضان دولة الاحتلال ليس دافئاً أو بالأحرى شديد الدفء إلا بمعنى استراتيجي يتجاهل القضية الفلسطينية، بل يخلّ أيضاً بأي ميزان جيو – سياسي يمكن أن يخدم الصراع العربي – الإسرائيلي بأسره.

وسوم: العدد 959