إيران ولعبة الأمم
من يتابع تطوّر الأحداث في منطقتنا لا يحتاج إلى كثير من الذّكاء؛ ليقف على أسباب النّزاع المتواصل، والذي يرثه جيل عن جيل، وإذا كانت المنطقة العربيّة تشكّل في مرحلة تاريخيّة نقطة ارتكاز التّجارة العالميّة، التي تربط شرق الكرة بغربها، فإنّ البترول في عصرنا هذا كونه مصدر الطّاقة التي تدير عجلة الاقتصاد العالميّ، أعاد المنطقة العربيّة إلى بؤرة الصّراع بين القوى العظمى التي تهيمن على العالم، وقد انتبهت الإمبرياليّة العالميّة لذلك منذ ما يزيد على قرن من الزّمن، فقسّمت العالم العربيّ إلى أقطار، نصّبت عليها حكّاما يخدمون مصالحها، وأقامت دولة اسرائيل لتكريس هذا التّقسيم، من خلال جعلها قاعدة عسكريّة متقدّمة وجاهزة لقمع من يتمرّد على ذلك. والمتابع لما يجري في المنطقة سيرى أنّ الحروب المفتعلة بين الأقطار العربيّة، أكثر بكثير من الحروب التي جرت بين العرب واسرائيل -التي اختطفت قلب العالم العربيّ-، وقتلت ودمّرت وشرّدت أضعاف حروبهم مع اسرائيل.
وبما أنّ الإمبرياليّة توفّر الحماية على مختلف الأصعدة لإسرائيل، وتحرص عليها لتكون القوّة العسكريّة الوحيدة المسيطرة على المنطقة، ولتكون الدّولة الإقليميّة الأولى، فإنّ النّظام العربيّ الرّسميّ قد ارتضى ذلك بل وشارك فيه. صحيح أنّه جرت محاولات عربيّة لتبديل ذلك، مثل مصر عبدالنّاصر وعراق صدّام حسين، لكنّ هذا الأمر كان فوق قدراتهم.
وعندما سقط حكم الشّاه عام 1979 في إيران، بدأ النّظام الجديد في إيران محاولاته لإعادة إحياء الإمبراطوريّة الفارسيّة، ورغم تسمية الدّولة "بجمهوريّة إيران الإسلاميّة" إلا أنّ نظام "ولاية الفقيه" يبقى نظاما قوميّا يحلم بإعادة "الإمبراطوريّة الفارسيّة" التي لا تسعى أن تكون الدّولة الإقليميّة الأولى، بل يتعدّى ذلك لتكون قوّة عالميّة، وهذا حقّهم طبعا، وهذا وضعهم في حالة صدام مباشر مع اسرائيل وأمريكا وقوى الغرب الإمبرياليّة.
وفي مرحلة سابقة حاولت أمريكا وإسرائيل عرقلة الطّموحات الإيرانيّة، من خلال إثارة الطّائفيّة الدّينيّة بين المذهبين الإسلاميّين السّنّي والشّيعي، فجاءت بتركيّا السّنّيّة، لعمل توازن مع المدّ الإيرانيّ الشّيعيّ، إلا أنّ السّلطان التّركي الطّيّب أردوغان لم يستطع مواصلة المسير -رغم دعم حلف النّاتو له- خصوصا بعد فشل المخطّطات الإجراميّة الإرهابيّة التي استهدفت ليبيا وسوريّا ومن قبلهما العراق.
إيران وإسرائيل
ومن باب الحرص على إسرائيل لتبقى القوّة الضّاربة المهيمنة الوحيدة في المنطقة، والتي يجري تسليحها بأحدث ما تنتجه الدّول الغربيّة وعلى رأسها أمريكا من أسلحة، وغضّ النّظر كلّيّا عن امتلاكها لأسلحة الدّمار الشّامل ومن ضمنها الأسلحة النّوويّة، فإنّ أمريكا ومن ورائها اسرائيل تتخوّف من القوّة الصّاروخيّة الإيرانيّة، ومن إمكانيّة امتلاكها للسّلاح النّووي، ورغم الحصار المحكم على إيران لتدمير اقتصادها، ولحسر نفوذها في المنطقة الذي امتدّ إلى سوريا، لبنان، العراق، اليمن وقوى المقاومة الفلسطينيّة في قطاع غزّة، إلا أنّ التّهديد بتدمير مفاعلاتها النّووية لم يتوقّف، وقد تجنّدت دول الخليج وغيرها للمشاركة في ذلك، من هنا جاء ما يسمّى "سلام ابراهيم" وجرت عمليّات التطبيع بين أنظمة عربيّة واسرائيل، وما صاحب ذلك من تنسيق وتحالفات أمنيّة وعسكريّة بين أنظمة عربيّة وإسرائيل مع أنّ الأخيرة تواصل احتلالها لفلسطين.
الحرب على إيران
ويلاحظ أنّ أمريكا التي يتراجع اقتصادها أمام اقتصاديّات أخرى تتصاعد بقوّة صاروخيّة مثل اقتصاد الصين والهند وغيرها، وما يصاحب ذلك من تراجع امتداداتها العسكريّة رغم قوّتها التّدميريّة الهائلة، إلا أنها تسعى كي تكون السّيطرة المطلقة لإسرائيل في الشّرق الأوسط، لتكون بديلا لها في حماية مصالحها في المنطقة، وقد استجابت لذلك أنظمة عربيّة مرغمة، متناسية العواقب الوخيمة لذلك عليها، ولن تتردّد بالمشاركة مع اسرائيل في حرب قادمة على إيران.
ويخطئ من يعتقد أنّ التّهديد الإسرائيلي لإيران مجرّد بالونات فارغة، مع التّأكيد بأنّ الذي يمنع الإسراع بمهاجمة إيران هو قوّتها الصّاروخيّة، والقادرة على ضرب اسرائيل والقواعد الأمريكيّة في المشرق العربيّ، إلّا أنّ هذه القوّة ليست متكافئة مع القوّة الأمريكيّة الإسرائيليّة.
وإذا كان قادة اسرائيل يكثرون من تهديداتهم بمهاجمة ايران، في حين تظهر أمريكا وكأنّها تفضّل الحلول الدبلوماسيّة مع إيران، فإنّ ذلك يأتي من باب خلط الأوراق، لطمأنة إيران؛ كي تستكين لتأتيها الضربة المباغتة، لكنّ الخاسر الأكبر في أيّ حرب قادمة على إيران هي دول الخليج التي سينطلق الهجوم الإسرائيلي الأمريكي على ايران من أراضيها، وستطبّق أمريكا مشروعها "الشّرق الأوسط الجديد" الذي يرمي إلى إعادة تقسيم المنطقة إلى دويلات طائفيّة متناحرة، وتصفية القضيّة الفلسطينيّة لصالح المشروع الصّهيوني التّوسّعيّ.
ويبقى السّؤال الذي يؤرّق شعوب العالم وهو من الذي سمح للدّول النّوويّة بامتلاك هذا السّلاح الذي سينهي الحياة على الكرة الأرضيّة في حالة استعماله؟ وأيّ حقّ لأمريكا؛ لتكون شرطيّ العالم؟ ومن الذي أعطى الحقّ لإسرائيل لتكون فوق القانون الدّوليّ؟ ولماذا يغضّ العالم وفي مقدّمته الأنظمة العربيّة النّظر عن السّلاح النّووي الإسرائيلي؟ ولماذا لا يتمّ القضاء على الأسلحة النّوويّة في العالم جميعه؟ وإذا كان الحديث عن شرق أوسط خال من الأسلحة النّوويّة فلماذا تُستثنى اسرائيل من ذلك؟
والحديث يطول.
وسوم: العدد 959