الحَمْلة المَحْمومة الظالمة على الحركة الإسلامية السورية، العَبيد يَنْفَلِتون
لقد تصدّت الحركة الإسلامية، منذ عشرات السنين.. لظلم العصابة الحاكمة وحلفائها، وبَطشها وعَسَفها، بحق الشعب والوطن السوريَّيْن، ودفعت ثمناً باهظاً لذلك، دماً ومالاً وأرواحاً وحرية، وقبضت عَزلاً وتشريداً وتهجيراً وسجوناً صحراويةً وقتلاً على الهوية، وانتقاماً من أجيالها المتعاقبة.. فيما كان الآخرون إما شياطين خُرس، أو جزءاً من تركيبة هذا العصابة المستبدّة، أو طابوراً من طوابير المتمرِّعين بأعطياتها التي كانت -وما تزال- تشتري بها النفوسَ والضمائرَ والألسنةَ والقنوات الفضائية والأقلام!..
* * *
حين نقاوِمُ العصابة الاستبداديّة، ونتصدّى لظلمها وباطلها، لا يغيب عن بالنا أنّ مثل هذه العصابة قد تجذّرت وملأت الأرضَ السوريةَ فساداً وخوفاً وقهراً، ولا بد –لاقتلاع الظلم- من تضافر كل الجهود الخيّرة، ومن تلاحم كل أصحاب الضمائر الحية، ومن تعاضد كل شرفاء سورية.. فخلاص سورية من محنتها العظيمة ليس لعبةً سياسية، ولا تمثيليةً عبثية.. إذ خلاص سورية مبدأ سامٍ، يستند إلى فكرٍ نيّر، وأفقٍ واسع، وعقيدةٍ صلبة، وأخلاقٍ راقية، وتضحياتٍ جِسامٍ لا يقدر عليها إلا أقوياء النفوس، وأصحاب قضيةٍ إنسانيةٍ حضاريةٍ بمستوى تحضّر أهلها.. فالمهازيل من الرجال هم الذين يظنّون أنّ التصدي للظلم لعبةً، وأنّ خلاص شعبٍ هو عملية بهلوانية في سيركٍ سياسيّ، وأنّ مقاومةَ عصابةٍ استبداديةٍ فرصةٌ للظهور على حساب الآخرين، وللتسلّق على سلّم تشويه سمعة الشرفاء، والنيل منهم ومن تاريخهم، والتحريض عليهم، وقذفهم بخائنة الأعين وما تُخفي الصدور!..
* * *
إنّ اجتراح الصفحات التاريخية المشرقة التي تمكث في الأرض، غيرُ اجتراح لحظاتٍ من الشهرة الإعلامية الرخيصة، على قناةٍ فضائية، أو عبر الشبكة العنكبوتية!.. وإنّ ركيكَ الكلام الاتهاميّ للمزاودين، الذي يتناثر -بلا لونٍ ولا طعمٍ ولا هدفٍ شريفٍ- من منبرٍ إعلاميٍّ أو موقعٍ للتواصل أو بريدٍ إلكترونيّ، هو غير صناعة التاريخ الذي تتناقله الأجيال، وتُوسعه بحثاً ودراسةً وتعلّماً واستلالاً لِعِبَرِهِ وتجارب صانعيه!.. نقول كل ذلك وبين ظهرانينا أشخاص مَرَدوا على الصفاقة، يتناغمون مع أربابهم في منطقتنا وفي الشرق والغرب، ويظنّون أنهم يستطيعون تمرير خرافاتهم ومزاوداتهم وافتراءاتهم وتفاهاتهم كما كانت تُمَرَّر في الأربعينيات أو الخمسينيات من القرن المنصرم، ولم يفيقوا إلى حقيقة أننا نعيش في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، الذي اقتربت فيه المسافات، وانتشرت في حضرته التكنولوجيا المذهلة، وأصبح معظم الناس فيه يفكّرون بطريقةٍ علميةٍ عصرية، ويَزِنون الأقوال بميزانها الدقيق، فلا تَخفى على عقولهم وبصائرهم الأفعال!..
* * *
إنّ تمتين علاقاتنا مع الآخر الوطنيّ الشريف الذي يقاوم الظلم والاستبداد.. إنّ ذلك ركيزة من ركائز منهجنا الدعويّ، ومَعلَم مهم من مَعالِم عقيدتنا السياسية الشرعية، لذلك فنهجنا الراسخ هو أن نُجَمِّع لا أن نُفَرِّق، وأن نُقَرِّبَ البعيد لا أن ندفعَه لمزيدٍ من الابتعاد، وأن نُضَيِّقَ الشُقّةَ مع الصديق لا أن نُوَسِّعَها.. ولذلك أيضاً، نعلم علم اليقين، أنّ اصطناع أي خلافٍ أو الدخول في أي مهاترةٍ مع أيٍّ من أبناء شعبنا، سيؤخِّر يوم انعتاق وطننا الحرّ الكريم.. لأننا أصحاب قضيةٍ تجري في دمائنا وتتدفّق في شراييننا.. فلينظر حفّارو الأخاديد في أي موقعٍ يقفون، وإلى أي جدارٍ يستندون، وأي الأحقاد والأساطير يُشيعون، من أصحاب الأقلام المسمومة، أو أصحاب القنوات المشبوهة أو من عُشّاق الظهور اللئيم الخائب على شاشات الفضاء أو مواقع الاتصال!..
لقد انقضى أحد عشر عاماً من ثورة شعبنا الأبيّ، وهدرت شلاّلات الدم في كل مكانٍ داخل وطننا السوريّ، وعظمت المحنة بقدر عِظَم الهدف في تحقيق الحرية والكرامة للسوريين.. وما يزال بعض الحاقدين والحاقدات، والناقمين والناقمات، والوصوليّين والوصوليّات، يُكرّرون لازمتهم التي صنعها نظامُ البغي والخيانة الأسدية وحلفاؤه، فيكذبون على رؤوس الأشهاد، ويفترون علانيةً بلا حياء، ويتكالبون على الظهور الإعلاميّ لِبَثّ فتنةٍ أو نَفْثِ سُمٍّ أو ممارسة عار.. وقد لحق بالحركة الإسلامية حتى الآن من هؤلاء النكرات ما لحقها، من غير أن يرفّ لهؤلاء جفن، أو يتحرّك فيهم عقل أو ضمير!..
* * *
إننا حين نحترم عقولَ الآخرين، ونُقدّر مَداركهم، ونتفهّم رؤاهم ووجهات نظرهم، لا نفعل ذلك إلا انطلاقاً من مبادئنا التي نستقيها من إسلامنا العظيم، الذي يَعتبر الحكمةَ والموعظةَ الحسنةَ أهمَّ ركنٍ من أركان دعوتنا ووسيلة تعاملنا مع الآخر.. لكننا في الوقت نفسه، لا نقبل أن يتقوّل علينا القوّالون و(المقاولون)، أو أن يزاود علينا الـمُزاوِدون، وأن يتّخذَنا بعضُ الحمقى والمصطادين هدفاً لمعاركه الرخيصة، ويتناسى هؤلاء أنّ عصابة البطش والباطل وحلفاؤها المحتلّون الروس والمجوس ما يزالون قائمون يدنِّسون وطننا، وأنّ الذين يخصّهم نكراتُ القوم بالافتراء والتزوير واللعب والتلاعب وسوء الطوية، هم الذين ما يزالون واقفين شامخين بوجوه الظالمين، لم يتعبوا، ولم يترجّلوا منذ عشرات السنين، لأنّ صراعنا مع الظلم والباطل ليس حرباً شخصية، ولا سجالاً حزبياً، ولا اصطراعاً على كرسيّ حُكم.. فصراعنا مع الطغاة البغاة في الأرض حضاريّ عامّ في مقامه الأول، بأبعاده الشرعية والحضارية والأخلاقية، ليست مواجهتنا للعصابة المستبدّة وجهادنا ومقاومتنا لها وثورتنا عليها.. إلا بُعداً من أبعاده!..
وإننا نعتقد أنّ استمرار الجدال العقيم دليل على نضوب العلم وضيق الأفق، وأنّ الخُلُق الحسن دلالة على إنسانية الإنسان، وأنّ كظم الغيظ دليل على رجولة الرجال، وأنّ الصبر عند الغضب والعفو عند الإساءة رُقيّ أخلاقيّ، وأنّ لَغْوَ الحديث هاوية لصاحبه، وأنّ الثرثرة الفارغة دليل ضعف، وأنّ مَقتل الرجال كائن في التطاول على كرام الناس وشرفائهم، وأنّ الحق لا تنتزعه حماقة أو سفاهة أو سوء أدبٍ أو قلة عقل، وأنّ الـمَقتَلَةَ كلها تكمن في الاشتباك مع صفيقٍ أو قليل عقلٍ أو أهوجٍ شرس الطباع.. أو عميلٍ مشبوه الأصل والنشأة والتابعية، من الذين أعماهم الغرور والزيف، فلا هم يُقَدّرون مقامات الناس وتاريخهم الماضي والحاضر، ولا هم يلتزمون بمكارم المروءة، بل يصرخون وحسب، فيملؤون الفضاءات بصراخ النَّـزِق الجَهول!..
كما أنّ بعضَ الذين أُطلِقوا من سجون بشار بُعَيْدَ اندلاع الثورة، بمكرمةٍ أسديةٍ خفّفت عنهم الأحكام، في الوقت الذي كان يُعتَقَل فيه آلاف الحرائر والأحرار.. إنّ أمثال هؤلاء الوقحين المشبوهين، عليهم أن يُدركوا أنّ بيوتهم الزجاجية لن تصمدَ أمام عقل أي سوريٍّ حصيفٍ واعٍ، مُدركٍ لأبعاد اللعبة الأسدية والدولية، التي تمارسها عصابة البغي والجريمة وحلفاؤها الظاهرون والمستترون، بين ظهرانينا، لتصدير أزمتهم بهذه الأدوات الرخيصة، التي تنفِّذ نهجها التفتيتيّ، إما عن وعيٍ تامٍ أو عن سذاجةٍ وسفاهةٍ وغباء!..
* * *
إننا أصحاب قضيةٍ عظيمة، لا وقت لدينا للصغائر، ولا للانجرار إلى عبث الصِغار والمزاودين، مهما تكاثروا، وإننا دعاة منهجٍ إسلاميٍ حضاريّ، تصغر أمامه مناهج الشتّامين المتسقّطين، ويتقزّم في حضرته المتطاولون من أهل البهتان.. فمحاولات النيل منا ومن رجالنا، ومن الشرفاء الذين يُقارعون الطغيان.. تجعلنا أرسخ اقتناعاً، بأنّ طريق الحرية محفوف بالشوك والمكاره.. وكذلك بالمتساقطين الأفّاكين المتطاولين، من الذين لا يحترمون عقولهم، ولا عقول الناس، لكنهم -في حسابات حصيلة الممارسة المشبوهة- خاسرون خائبون ساقطون!..
*(.. كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَال)*.. (الرعد: من الآية17).
وسوم: العدد 962