تاريخ العمالة للخميني 5 + 6
الجزء الخامس :
استقر الحكم لنظام الخميني مستخدماً كل الطرق من ترهيب وترغيب، ورحل شاه إيران وعائلته إلى الولايات المتحدة وهو يعاني من مرض سرطان الكبد، لم يستقبله أحد هناك كإمبراطور سابق لدولة كان لها موقف داعم للغرب ضد تمدد السوفييت طيلة عشرات السنين ، وكأنه نكرة لم يكن رجلهم في المنطقة أيام الشدة ، وكان لذلك أسبابه ، فهم يريدون إرسال رسالة للخميني ونظامه من أنهم على العهد باقون وسيبقون محافظين على الاتفاقات معهم .
اعتمد الشاه على صديق له وهو مدير بنك تشيس مانهاتن لتمديد اقامته في الولايات المتحدة واستطاع صديقه وبعد جهد جهيد الحصول على موافقة له لاتتعدى أشهر معدودة من الرئيس كارتر ليغادر بعدها إلى أية جهة يشاء .
الشاه كان في حالة مرضية شديدة واجراء زيارات روتينية للاطباء وعمل تحاليل يستغرق وقتاً طويلاً ، وانقضىت فترة اقامته في الولايات المتحدة وطلب منه المغادرة ومازالت تحاليله الطبية في المختبر .
تابعت مقابلة لزوجته الامبراطورة فرح ديبا مع إحدى محطات التلفزيون تقول : الأوامر كانت صريحة. علينا أن نغادر امريكا في اليوم المحدد، وحتى الآن لم تطلب منا أية دولة صديقة بتقديم عرض لاستقبالنا ، حتى فكرنا ان نغادر وننزل في أي مطار ونقيم في صالة الترانزيت حتى يدركنا الموت.
إلا ان الرئيس انور السادات اتصل بنا باللحظة الأخيرة ووافق على إقامتنا في مصر فأنقذنا من مأساة كبيرة.
أما داخل إيران، فكانت سياسة الملالي تقوم على إبعاد أية شبهة تشير بتواصلهم مع الامريكان او "الشيطان الاكبر" كما سموها بمظاهراتهم ، وكذلك كانت سياسة امريكا اظهار هذه العداوة من أجل اقناع حلفائها العرب بهذه العداوة فيطمئنوا . فكانت لعبة الرهائن لموظفين امريكان في السفارة الامريكية هي افضل وسيلة لاقناع العالم بذلك .
أفرج عن الرهائن في 20 كانون الثاني/ يناير 1981، في يوم حفل تنصيب الرئيس ريغان،وبعد أيام من الافراج اتصل مستشار البيت الأبيض في إدارة كارتر الراحلة مع الملياردير روكفلر، وسأله عن أزمة الرهائن وإن كانت قد أثرت على عمليات بنكه في إيران، فكان الجواب : "لقد تم العمل بشكل جيد للغاية وأفضل مما توقعنا".
بعد أن هدأت الأمور ، تفرغ النظام الجديد بتوظيف ملاليه بمهاجمة الدول الخليجية والعراق بشكل استفزازي ، تبين منها ان الغاية منها هو التمهيد لاحتلال هذه البلدان سياسياً واقتصادياً وفوق ذلك عقائديا ً. لم تكن دول الخليج مهيئة للرد الكافي لإسكات هذا الاعتداء الإيراني، فالتجاوا للرئيس العراقي صدام حسين من أجل ايقاف الزحف الفارسي باتجاههم ، وشجعت امريكا على الرد ، ومنح العراق كل الامكانات المادية والعسكرية لمجابهة الهجمة الفارسية واغمض الغرب اعينه عن ذلك ، كما أوكل لاسرائيل وعملائها ولأميركا وجماعاتها في امريكا اللاتينية بتوريد السلاح الى ايران ، و كان عميلهم الرئيسي في ايصال السلاح لايران هو حافظ أسد، وكل شيء بالسياسة له ثمن .
وصل التوتر إلى منتاه، ووصلت التعبئة النفسية بين الطرفين إلى أقصاها، وهذا ماكان يسعى اليه اطراف عديدة أهمها ملالي طهران والادارة الامريكية واسرائيل ، أما حافظ اسد فكان يلعب على إنهيار نظام الرئيس صدام حسين ليكون له ولايران دوراً بالسيطرة عليها .
فقامت الحرب بين الطرفين بتاريخ ايلول / سبتمبر 1980 واستمرت حتى آب / أغسطس 1988، حتى راح ضحيتها مئات الالوف من الطرفين وتم شحن الحقد الطائفي، وأذكر سؤالًا للرئيس صدام حسين من قبل صحفي : سيدي الرئيس ، متى تتوقعون انتهاء هذه الحرب ؟
رد عليه : عندما تريد الولايات المتحدة ذلك .
في الجزء السادس والاخير. سنصل الى السيطرة ايرانياً على العراق واستنزاف خيراته وتشكيل عصابات شيعية داعمة لها ، وكذلك مؤامرة المفاعل النووي الايراني واغماض عين الادارة الامريكية على التمدد الايراني الطائفي في المشرق العربي.
تاريخ العمالة للخميني 6
الجزء السادس والأخير :
وصلت معكم قرائي الأعزاء للجزء الأخير من عمالة الخميني ، وقد أوجزت سيرته الخيانية في ستة أجزاء ، وكان بمقدوري كتابة مجلد عن عمالته ولكن كما يقال "العربية الإيجاز" ، آملاً أن أكون قد أعطيت فكرة ولو موجزة عن نظام يلقى دعماً لايقل عن دعم الكيان الاسرائيلي، ولكن بأسلوب آخر .
إنتهت الحرب بين العراق ونظام الخميني بعد أن أعلن الخميني موافقته على وقف اطلاق النار و كأنه يتجرع السم كما صرح بلسانه ، واعتبر العراق نفسه منتصراً رغم خسائر بشرية كبيرة وكان تضامن العرب مع العراق قوياً لاستطاعته إيقاف زحف الفرس غرباً ، وهذا يعتبر انتصار ولاشك .
ولكن هل انتهت اللعبة ؟
ذكرت أن نظام الخميني كان له هدف رئيسي مهد له الغرب بالضوء الاخضر، فالمهمة لم تنته، ولكن اللاعبين تغيروا مع الاسف .
بعد انتهاء الحرب ، تنفست دول الخليج الصعداء ، ولكن اللعبة اتخذت مساراً جديداً ، فبدأت الكويت بطلب ديونها على العراق والتي صرفت بالدفاع عنهم بل على المشرق العربي بأسره، فلماذا هذا الطلب الغير متوقع؟ ومن يقف وراءه ؟
لم يكن طلب ولي عهد الكويت الشيخ سعد العبد الله الصباح طلباً ودياً، بل لم يكن متوقعاً ايضاً، فهل كان وراء طلبه وأسلوبه الاستفزازي امراً مدبراً حتى بلغت كلمات الاستفزاز من ولي عهد الكويت الراحل حداً لايقبل به اي رئيس دولة فما بالكم بالرئيس صدام حسين الذي يعتبر نفسه أنه من منبت عروبي لايقبل الذل، وبأنه حقق انتصاراً على دولة فارس في قادسية صدام ؟ .
استمرت الحالة بالتدهور بين الدولتين رغم انعقاد عدة مؤتمرات للملمة الخلاف .
واخيراً وقع الرئيس صدام بالخطأ التاريخي عندما اخبرته سفيرة امريكا ابريل غلاسبي: من اننا ليس لدينا أي رأي حول الصراعات العربية العربية مثل "نزاعك مع الكويت”. وقد وجهني الوزير بيكر إلى التأكيد على التعليمات التي أعطيت لأول مرة للعراق في الستينيات من القرن الماضي بأن قضية الكويت ليست مرتبطة بأمريكا. وان خلافكم يخصكم، وان امريكا لاتتدخل فيه .
استشف الرئيس صدام حسين من هذا الكلام من أن طريق غزو الكويت أصبح سالكاً أمامه ، فكانت الخطيئة الكبرى .
شن الجيش العراقي هجومه على الكويت في 2 آب / اغسطس 1990 واستغرقت العملية العسكرية يومين فقط وانتهت بإستيلاء القوات العراقية على كامل الأراضي الكويتية في 4 آب / أغسطس ثم شكلت حكومة صورية برئاسة العقيد علاء حسين خلال 4 - 8 آب / أغسطس تحت مسمى جمهورية الكويت ثم أعلنت الحكومة العراقية يوم 9 آب / أغسطس 1990 ضم الكويت للعراق وإلغاء جميع السفارات الدولية في الكويت.
إذن ، الفخ الثاني بعد الحرب الأولى مع إيران حقق نجاحاً ، لتبدأ بعدها امريكا بترتيب امورها لاخراج العراق من الكويت بالقوة ، حشد الرئيس بوش الأول دعماً سياسياً قل نظيره، كنت يومها مقيم مع عائلتي في الولايات المتحدة، وكنت أتابع بدقة التطورات السياسية والعسكرية.
كان الرئيس بوش يحتاج لدعم شعبي وهذا امر هام في امريكا ، فارتفعت شعبية الرئيس بوش بشن الحرب حداً فاق ثمانين بالمائة فكان هذا امراً مشجعاً له .
اختيرت منطقة حفر الباطن السعودية لتجمع قوات التحالف لتحرير الكويت أطلق عليها عسكريًا اسم عملية درع الصحراء (للمرحلة من 7 آب / أغسطس 1990 وحتى 17 كانون الثاني / يناير 1991) وثم عملية عاصفة الصحراء (للمرحلة من 17 كانون الثاني / يناير إلى 28 شباط / فبراير 1991) برئاسة الجنرال نورمان شوارزكوف، و تشكل التحالف من 34 دولة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن وافق مجلس الأمن على تحرير الكويت عسكرياً.
تكاملت المهمة، و أستكملت الخدمات في قاعدة حفر الباطن التي شارك فيها الجيش السعودي حتى ان دوش التغسيل للجنود كان شبه يومي والطعام الساخن كأنه خارج من الفرن لتوه ناهيك عن الإقامة المريحة وخدمات التواصل الهاتفي تتم بشكل يومي بين الجنود وذويهم.وشملت هذه الخدمات كل الجيوش التي اشتركت في هذا التحالف ، وكانت قوات مبارك وقوات حافظ اسد تشكل أعلى نسبة عددية في هذا التحالف بعد الولايات المتحدة ، ولم يكتف الرئيس بوش بهذه الترتيبات بل عقد لقاءاً تلفزيونياً عبر دارة مغلقة "حيث تم تسريب الخبر لاحقاً" مع كل من الرئيس مبارك والملك فهد وحافظ اسد للاطمئنان من أن كل الأمور لديهم تحت السيطرة ، وقبل نهاية اللقاء سأل الرئيس بوش إذا كان هناك سؤالاً يود أحدهم طرحه ، رد حافظ اسد ؛ السيد الرئيس كما تعلمون لدي تنظيمات فلسطينية واخشى ان تقوم ببعض الأعمال المربكة، فهم بوش قصده ، فقال له: كم يطلبون ؟ رد عليه حافظ اسد : ممكن اقناعهم ب 200 مليون دولار ، فالتفت بوش إلى الملك فهد وقال له : جلالة الملك أرجو تدبر الأمر بمعرفتك ،ففعل ودخلت ال 200 مليون دولار جيب الاسد، وتم إرسال الفتات لعملائه الفلسطينيين .
من متابعتنا للإعلام الأمريكي، تأكد لنا أن الحرب واقعة لامحالة خلال أيام.
وفعلاً قامت الحرب، وتم تدمير الجيش العراقي والنتيجة يعرفها الجميع .
خرج الجيش العراقي من الكويت مدحوراً .
وتم فرض عقوبات خانقة على العراق، إلا ان القيادة العراقية بقيت بالسلطة. اذن لابد من حرب أخرى تسقط العراق لتسليمه لعملاء امريكا الايرانيين.
فكانت الحرب الثالثة، ولكن لابد من مبررات.
إلا ان هذه المبررات كانت ضعيفة، ولكن بوش الأبن كان مسؤولا عن إثارتها مستغلاً مسرحية تدمير مركز التجارة العالمي بنيويورك. فأكمل بوش الثاني تدمير العراق حتى دون إثبات علاقة العراق بها ، وبعد التدمير ، اعتذر كولن باول رئيس أركان الجيش الامريكي عن إحتلال العراق لان المعلومات التي وصلته كانت مغلوطة!!!! ، وطبعاً جيش مبارك و جيش اسد الأبن كانا بالمقدمة كالعادة ، ومن السخرية أن بوش الأول واسد الأول كانا في مقدمة قوات التحالف الأول . وبوش الثاني و اسد الثاني كانا في مقدمة قوات التحالف الثاني .
تم إحتلال العراق، وعين بريمر حاكماً له وأول امر اتخذه كان تفكيك الجيش العراقي وبيع اسلحته الضخمة عن طريق مزاد اشتركت فيه دول افريقية فقيرة ووضعت أموال البيع بالجيوب، واعتقل الرئيس صدام حسين وبمحكمة مسرحية تم إعدامه بتشفي من رئيس الوزراء المالكي وعصابته الايرانية في فجر يوم عيد الأضحى (العاشر من ذو الحجة) عام 1427ه، الموافق 30 كانون الأول/ديسمبر 2006، ثم توالت المراسيم المنظمة للاحتلال، وصناعة دستور يناسب الشيعة من حلفاء إيران وإعطاء الأكراد كيان مستقل في شمال العراق مع عاصمة لهم هي أربيل مع احتفاظهم حسب دستور بريمر برئاسة الجمهورية. اما باقي المراكز الحساسة فكانت من نصيب الشيعة حيث كانت تصب في صالح حلفاء نظام الخميني، وبذلك تم مكافئة إيران على دعمها بإنهاء العراق العربي لتتمدد بعدها خطوة اخرى باحتلال المشرق العربي عبر مليشيات مسلحة مدعومة من ايران وتحت سمع امريكا وبصرها . هذا التمدد كان الجزء الغير منظور والسري من مؤامرة الرئيس أوباما النووية، وسأتعرض لهذه المؤامرة في بحث آخر وسيكون جزءاً من كتابي القادم الذي يبحث المفاعلات النووية المدنية والعسكرية مدعوم بالصور مع جزء خاص لشرح المفاعل النووي الاسرائيلي والمفاعلات الايرانية وهدفها الاخير للوصول للسلاح النووي .
سقوط العراق بأيدي أتباع إيران، سبب خوفاً لدي المعارضة الايرانية والتي كان معظمها ينتمي لمنظمة مجاهدي خلق. فغادروا العراق لإعادة توطينهم في ألبانيا بعد تعرضهم لسلسلة هجمات على معسكرهم قرب مطار بغداد بعد توسط مفوضية الأمم المتحدة العليا للاجئين ، حيث أعيد توطين قرابة 2000 معارض إيراني في نحو 12 دولة أوروبية منذ بداية 2016.
علماً انه وحتى سنوات قليلة مضت كانت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يدرجان منظمة مجاهدي خلق على قوائم المنظمات الإرهابية!.
أعادت منظمة مجاهدي خلق تنظيم نفسها في اوروبا فأسست زعامة لها بقيادة السيدة مريم رجوي ، وهي سيدة تملك تاريخ حافل من النضال ضد نظام الشاه ثم ضد نظام الملالي .
كان التنسيق بين نشطاء الثورة السورية و شخصيات من مجاهدي خلق واضحاً في اوروبا والولايات المتحدة ، حيث تشاركنا في مناسبات عديدة ، كما تلقيت دعوة عدة مرات لحضور مؤتمرهم السنوي في باريس وكان في منتهى التنظيم وحضره عشرات الالوف من الداعمين للثورة الايرانية ، كما دعي إليه شخصيات هامة من الولايات المتحدة واوروبا. وفي المؤتمر السنوي العام للمقاومة الإیرانیة في 30 يونيو 2018 في باريس حيث كانت السيدة مريم رجوي المتكلمة الرئيسية فيه وكنت حاضراً المؤتمر. وقبل العملية بساعات اعتقل مخططین لتفجير المؤتمر وتفكيك القنبلة واعتقال الدبلوماسي الإيراني أسد الله أسدي الذي سلّم المتفجرات لمرتزقة وزارة المخابرات الايرانية . وحكم على الدبلوماسي الإرهابي بالسجن 20 عاما وعلى ثلاثة من شركائه المرتزقة بالسجن من 15 إلى 18 عاما. الغي لاحقاً تنظيم الموتمر السنوي العام في باريس بسبب فايروس كورونا، وتم التعويض عنه بلقاءات على "الزوم" فخفت كثيراً نسبة المشاركين .
وقبل أن اختم هذه السلسلة من مقالة "عمالة الخميني"، أحب أن أشير إلى سؤال وجهته لأحد مسؤولي مجاهدي خلق في الولايات المتحدة ، قلت له : نتمنى نحن النشطاء السوريين في امريكا حضور السيدة مريم رجوي لامريكا لتنظيم مؤتمر متكامل للمعارضة الإيرانية والنشطاء السوريين يكون له صدى دولي، فاجابني : إنه يتمنى ذلك ولكن الخارجية الامريكية لم تمنح السيدة رجوي تأشيرة دخول .
اعود إلى العنوان لأقول: أليس هذا الرد سببا ً كافياً يظهر الاتفاقات السرية بين امريكا ونظام الخميني ؟
وختاماً أرجو من المعارضة السورية أن تتعلم من التنظيم والانضباط الذي لاحظته في المعارضة الايرانية درساً لها في إعادة تاسيس معارضة وطنية ملتزمة مخلصة منضبطة. كالمعارضة الإيرانية والتي تملك منذ اليوم الأول مركز صحفي هام و قناة فضائية تخاطب بها الشعب الإيراني بالداخل ، بينما معارضتنا لانعرف حتى الان من المسؤول عنها؟؟ .
وشكراً لمتابعتكم.
وسوم: العدد 964