“لعنة الفراعنة”.. ما علاقة الآثار بالجان؟!
منذ فترة ليست بعيدة، ألقت قوات الأمن المصرية القبض على رجل الأعمال حسن راتب رئيس أمناء جمعية مستثمري سيناء وصاحب قناة المحور، والنائب بالبرلمان علاء حسانين، بتهمة الاتجار في الآثار.
وجاء في الاتهامات التي تداولها الإعلام المصري، أنهما اتخذا المظهر الصوفي ستارًا لعقد جلسات لممارسة السحر وتسخير الجان، من أجل استخراج الآثار وتهريبها إلى الخارج مقابل عشرات الملايين من الدولارات.
وبعيدًا عن التفاصيل الكثيرة التي تضمنتها هذه القضية، والتي لا تعنينا في هذا المقام إلا لكي نطرح على هامشها سؤال: ما علاقة آثار الفراعنة بالسحر والجان؟
الإجابة تأتينا من المناطق والبلدات التي تحتفظ في باطنها ببقايا تلك الآثار، حيث تعج بالكثير من الحكايات المثيرة التي تُعد في العديد من جوانبها خارقة لحدود المنطق، وزاخرة بالميتافيزيقا.
حيث يمكنك أن تسمع قصصًا عن الأسر التي انتقلت في ليلة وضحاها، بفضل عائدات “الدفائن النفيسة” التي استخرجتها من باطن الأرض، من شظف العيش إلى رغده، ومن السكن في بيوت مبنية من الطوب اللبن إلى العيش في ما يشبه القصور، وامتلاك “الفلل” في أرقى أحياء المدن والساحل الشمالي وغيرها.
ويمكنك أيضًا سماع القصص المؤلمة عن أسر أخرى كانت مستقرة ماليًا واجتماعيًا، وفجأة أصابتها “لعنة الفراعنة”، فمات أو أصيب عائلوها بأمراض فتاكة مزمنة، أو ضربها “النحس” فتسرب أبناؤها من التعليم، أو افتقرت ولم يعد أفرادها يمتلكون حتى “اللظى”، والسبب يرجع إلى أنهم حاولوا فعل الشيء نفسه الذي فعله جيران لهم، ولكنهم فشلوا.
وتسمع هنا وهناك وشوشات عن وسطاء نافذين كثر برفقتهم أجانب، يقومون بشراء تلك الدفائن الفرعونية بعشرات الملايين من الجنيهات، وأحيانًا الدولارات، رغم أنها لا تُقدَّر بثمن، وينقلونها إلى الخارج.
كثيرة هى روايات الثراء والفقر بسبب استخراج الآثار، فمنها الحديث ومنها القديم، ولم تنقطع نهائيًا في هذه المناطق، والرابط بينها جميعًا هو الاعتماد الكلي على “الميتافيزيقا” ورجالها.
فالبحث عن الأثر يعتمد في المقام الأول على رأي ونصائح العرّاف أو الساحر، الذي يمارس طقوسًا غريبة معيّنة، بعدها يقوم بتحديد مكان الدفينة وهيئتها، والحرس الملازم لها من الجن، والمطلوب لشراء ودّ هؤلاء الحراس ليوقفوا حمايتهم لها.
وبحسب الروايات المتداولة، فإن استخراج الخبيئة يتوقف على قوة العرّاف، فقد يكون متمكنًا فينجح في مفاوضاته “الافتراضية” مع الجن، ويخفّض من سقف شروطهم بما يمكن تحقيقه، ويؤمّن سلامة أهل البيت، هنا يصبح الأمر سعدًا على الجميع، ويطرقون باب الثراء دون مضرة أو خوف من انتقام.
وقد يكون العرّاف ضعيفًا أو قليل الحيلة، فيخدعه الحراس، أو لا يستطيع السيطرة عليهم، هنا يعيثون انتقامًا من البيت واصحابه، تخريبًا ومرضًا ونحسًا وما إلى ذلك.
والجدير بالذكر أنهم يطلقون لفظ “الشيخ” على العرّاف، مع أنه قد لا يكون كبيرًا في السن، وقد يكون مسلمًا أو مسيحيًا.
بالطبع هذا الكلام لا يصدّقه عقل، لكنه أمر واقع، أثبتته التجارب، فصار من المسلّمات لا يحتاج إلى تدليل عليه لدى قطاعات كبيرة من الناس، ويبقى أمر تكذيبه هو أسرع طريق لراحة البال والتمسك بأهداب المنطق.
ولأن التفكير إفراز طبيعي عند الإنسان، كما يقول المفكر الوجودي الروسي “ديستوفسكي”، تنبثق تساؤلات كثيرة، لكنها تبقى دون إجابة شافية و”منطقية”، عن ميراث السابقين، وكيف بنوا الأهرامات؟ وكيف نقلوا آلاف الأطنان من الأحجار إلى آلاف الكيلومترات في الصحراء؟ وكيف حنّطوا الموتى؟ وكيف؟ وكيف؟
وهذه التساؤلات لا تتوقف فقط عند الحضارة الفرعونية، ولكنها -في ما يبدو- تمتد إلى كثير من الحضارات القديمة غربًا وشرقًا.
لكن تصديق هذه الرؤية ينقلنا إلى التساؤلات الأهم :هل هناك سحر في حضارة الفراعنة؟ وهل يستطيع الجن صناعة المسلّات والتماثيل والتحف؟ وهل يتدخل الجن في عمل الإنسان؟
الإجابة تأتينا من القرآن الكريم، وهو يزخر بما يدلل على ذلك، منها ما يقوله تعالى {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} (سبأ: 12-13).
وكذلك توجد إشارة أخرى إلى تلك القدرة التي منحها الله تعالى للجن، لدرجة تجعل جنّيًا صغيرًا واحدًا منهم يستطيع إحضار عرش بلقيس ملكة سبأ قبل أن يقوم النبي سليمان -عليه السلام- من مجلسه {قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} (النمل: 32).
ولم تقتصر الأدلة على القرآن فقط، ولكن امتدت أيضًا إلى التوراة والإنجيل، حيث ذُكر الجن فيهما أكثر من 200 مرة، وكثير منها تتحدث عن القدرة التي أعطاها الله لهم.
ورغم هذا الإقرار الرباني بقدرة الجن في صناعة التماثيل والمحاريب، فإن هناك من يقول إن الله تعالى سخّر الجن لفعل ذلك لنبيّه سليمان، ويسخّره لمن يشاء غيره، وذلك استثناء من القاعدة بأن الشيطان لا يملك ضرًّا ولا نفعًا للانسان، وأن كيده كان ضعيفًا.
ويذهب آخرون -لتأكيد عدم وجود أي علاقة بين الحضارة الفرعونية وأعمال الجن والسحر- إلى أن الجن موجود في كل بقاع العالم، ولو كان يستطيع بناء أهرامات ونحت تماثيل، لرأينا هذه الأعمال العجيبة في أرجاء الأرض كافة، وليس في مصر وحدها.
وسوم: العدد 978