عالمان.. وموقف

وأرويها على ذمة مصدرها عن عالمين من مدينة حماة الحبيبة..

هذه حكاية أرويها عن كتاب من تأليف كاتبه، قرأتها في ثمانينات القرن الماضي. وتوقفت عندها كمثَل. ثم جمعتني الأيام بأخ من حماة ، سألته عنها فأكدها، قلت وتعرف مَن بطلاها فذكر لي عالمين جليلين، وأوصاني .. قلت وما رأيك فيها، أجابني: من رأيك!! قلت: وكيف عرفتَ رأيي فتبسم وتبسمت. رحمه الله تعالى وأحسن إليه..

وهي حكاية وقعت في خمسينات أو ربما ستينات قرن مضى. أروي، وإن اضطررت للتدخل، وضعت ما أتدخل به بين قوسين...

قال الراوي يا سادة يا كرام..

ووقعت هوجة بين الناس في إحدى قرى العلويين من ريف حماة. ( وأعلم وتعلمون أن كل الناس يتفقون ويختلفون ويصطلحون ويقتتلون" وقعت هوجة بين أهل قرية واحدة، من مشرب واحد، حتى وقع بينهم دم. ثم أراد بعض المصلحين أن يصلح بين الناس، فقاربوهم فتقاربوا..وأرادوا أن يوثقوا هذا الصلح، بمزيد توكيد وإشهار وبيان، ومن لأناس يعيشون في بيئة أن يستعينوا بغير نجومها..؟؟

تحرك وفد من دعاة الصلح، إلى مدينة حماة، وتواصلوا مع بعض علمائها الكبار. (وما كان لعلماء حماة الأخيار، أن يتخلفوا عن دعوة لإصلاح ذات البين، وهم يعلمون مكانتها في شرائع الإسلام. )

حلّ الموعد المضروب، ووصل إلى القرية المذكورة، عالمان من كرام علماء حماة. فجلسوا بين الناس، وحثوا على التواد ، وزينوا الصلح، وشهدوا عقد الصلح ووثقوه.

قال: ولم تكن تدري بأي الأمرين كان أهل القرية أشد فرحا، بالصلح الذي تم بين أسرتين منهم، أو بزيارة الشيوخ الأجلاء، الذين كان وقع زيارتهم للقرية وقع يوم العيد بهجة، وسرورا..

وكان أهل القرية عموما من البسطاء الفقراء، وهزّت الأريحية أحدهم، وعزّ عليه أن يدخل الشيخان الجليلان قريته، وأن يخرجوا منها بلا ذبيحة ولا وليمة، وكان يملك معزى واحدة سوداء، يقتات على حليبها وعياله، فإن فضل شيء فللأقرب من أرحامه وجيرانه...

فعمد إلى معزاه فذبحها، وصنع طعام وليمة، وقربه للشيخين ومن حولهما من الحضور ..!!

قال الراوي يا سادة يا كرام..

وأحس الشيخان أنهما في موقف عصيب؛ وكيف ولا كيف؟؟ وأنا أعلم وأنتم تعلمون!! والشيخان الجليلان أعلم مني ومنكم أجمعين..!!

قال الراوي:

 فأما أحد الشيخين فانتفض، واعتذر، وقال إن عنده موعدا في حماة، لا يستطيع أن يخلفه، وأن عليه أن يغادر على عجل، وهكذا كان !!!

وأما الآخر فابتسم، وسمى الله فأكل، وشرب الشاي وسمر ..!!

انتهت الرواية بتصرف يسير !!

وما زلت أتساءل: لو كنت هناك فبأي الشيخين كنت سأقتدي...!!

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 981