محاولات مستمرة للعبث بالتركيبة السكانية في سوريا
تعمل منظمات حقوقية لمتابعة وتوثيق وقائع التغيير الديموغرافي في سوريا، ورسم خرائط للقوى المذهبية المسلحة في كثر من منطقة من مناطق سيطرة النظام. ويبدو أن عمل المؤسسات المنضوية تحت الأطر التنظيمية لقوى المعارضة السورية سواء بعض المنظمات الحقوقية أو مؤسسات المجتمع المدني، لا تزال في بدايات عملها لتوثيق حالات التغيير مع تزايد مخاطره على مستقبل التركيبة السكانية في مناطق العاصمة وريفها ومحافظات أخرى تحت سيطرة قوات النظام.
ويرى الباحث في مركز جسور، وائل علوان، أن هناك عملاً دؤوباً من خلال ميليشيات مرتبطة بالحرس الثوري وحزب الله اللبناني بالتنسيق مع دمشق على تشكيل حواضن مجتمعية وتعزيز نفوذ محور طهران الأمني والعسكري في معظم المحافظات، أهمها دمشق وريف دمشق ودير الزور وحلب. ويعتقد علوان أن هناك تعمداً للعمل على التغيير الديموغرافي في البيئة «السنية ذات الطابع العشائري أو الريفي بهدف استمالة أفراد هذه البيئة وقيادات المجتمع العشائرية».
أدوات التغيير الديموغرافي
لكنه أكد على «صعوبات تواجه مشروع التغيير الديموغرافي أهمها تدني مستوى الاستجابة من السكان المحليين، وعدم تقبل البيئة العشائرية والريفية لمعظم النشاطات الاجتماعية، أو الأمنية أو العسكرية أو الاقتصادية التي يمارسها الحرس الثوري أو حزب الله اللبناني أو الميليشيات العراقية أو منظمات تنشط بطابع مدني».
وعلى سبيل المثال، وفق ما قاله «علوان»، انه من خلال المتابعة الدقيقة ورصد واقع التغيير الديموغرافي، لا تبدو هناك «استجابة في بيئة الساحل ذات الغالبية العلوية، أو في بيئة محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، ويعود هذا إلى أن مجتمع الأقليات في العادة يمتاز بتماسكه ومعروف عنه انه أكثر حذراً واحترازاً في تقبُّل أي تغيير مجتمعي». وحسب تقديرات الأمم المتحدة، فقد خرج من الغوطة الشرقية وحدها، من 9 مارس/ آذار حتى 18 ابريل/ نيسان 2018، أكثر من 130 ألف شخص، أي نحو 40% من سكان الغوطة الشرقية، وتعود بدايات التغيير الديموغرافي إلى بدايات الثورة السورية حيث تدخلت فصائل شيعية في المعارك، ففي عام 2013، اجتاح مقاتلو حزب الله اللبناني بلدة القصير في ريف حمص وقد أعقب ذلك توطين عوائل من مقاتلي الحزب ومن ميليشيات إيرانية أخرى.
وفي حديثه عن أدوات التغيير الديموغرافي المفترضة، يقول علوان، «نعم هناك الكثير من أدوات إحداث التغيير الديموغرافي، ومن أهمها، السيطرة على التعليم والجامعات والمدارس الثانوية والمدارس الابتدائية ورياض الأطفال ومنظمات الكشافة، والانشطة الثقافية وتعليم اللغة الفارسية، وهي جوانب على صلة مباشرة بالجانب الأيديولوجي، بوابة التغيير الديموغرافي المتمثل في نشر التشيُّع في المجتمعات المحلية» حسب علوان.
لكن الجمعيات الاهلية هي جمعيات سورية ولديها «شراكات مع الجهات الإيرانية المعنية بالملف السوري وتتولى تقديم المساعدات على شكل رواتب لذوي القتلى أو كفالة الأطفال الأيتام في المدارس وكافة مستلزمات تعليمهم في مختلف المراحل الدراسية، إلى جانب أن هذه الجمعيات تعطي الأولوية لمنتسبي التشكيلات العسكرية وقوات الامن الحليفة». وتبدو بلدتا «نبل والزهراء» الشيعيتان في ريف شمال حلب، كمركز لميليشيات حزب الله في حلب، وتعمل على العبث بالتركيبة السكانية من خلال لواء الباقر الذي يقوده خالد المرعي من أعيان عشيرة البقارة السنية، ويضم آلاف المقاتلين يتلقون تمويلاً مباشراً من الحرس الثوري الإيراني، ولواء آخر يحمل اسم لواء المدافعين عن حلب، ويضم عناصر محلية من مختلف العشائر ويعمل على المنافسة في تجنيد المزيد من المقاتلين بتقديم امتيازات أمنية بحرية العبور عبر نقاط التفتيش وحصص اكبر من المساعدات الإنسانية والاعفاء من التجنيد الإلزامي وامتيازات أخرى».
وحسب الباحثين فان عموم التغيير الديموغرافي هو عن طريق «استيلاء الجهات القائمة على مشروع التغيير بالاستيلاء على بيوت وعقارات واراضي النازحين والمهجرين، أو القرى والبلدات التي استولى عليها النظام بموجب القانون رقم 10، مع حالات نادرة من بيع الأهالي لممتلكاتهم نتيجة العوز والحاجة إلى المال لأغراض العلاج في الغالب، أو في بعض الأحيان لتيسير أمور بعض أفراد تلك العوائل في الهجرة إلى الخارج».
منح الجنسية
وقال إن المعلومات تشير لآلاف حالات التجنيس معظمهم استوطنوا في مناطق حيوية مثل ريف دمشق الجنوبي وحلب والأحياء الشرقية منها بشكل كامل مكان توطين للحرس الثوري الايراني وهذا يتصل بالوجود الميليشياوي الكبير جداً في جنوب حلب ثم المناطق الممتدة حتى بلدتي نبل والزهراء في شمال غرب حلب».
وختم الباحث علوان، أن التوطين هو «لعائلات المقاتلين العراقيين بالدرجة الأولى والأفغان والباكستانيين بالدرجة الثانية وللإيرانيين وعددهم قليل، ولا يوجد أي توطين للبنانيين، والتوطين يكون على شكلين منح الجنسية السورية ثم تأمين السكن او تأمين السكن دون منح الجنسية».
أما الناشط الإعلامي أبو مجاهد الحلبي، فأكد لـ«القدس العربي» أن «عمليات شراء واسعة للعقارات والممتلكات في وسط العاصمة عبر تجار سوريين بدعم إيراني، وكذلك في مناطق ريف دمشق، الزبداني وجوارها من المناطق التي هُجّر سكانها إلى الشمال السوري واستبدلوا بعوائل مقاتلين شيعة»، حسب قوله.
وأشار إلى أن ما حدث في الزبداني وجوارها، حدث أيضاً في «غوطة دمشق ومدينة دوما، وسبق ان حدث في مدينة حمص إبان تهجير أهاليها، حيث شهدت أحياء بابا عمرو ومدينة القصير حملات تهجير واسعة أدت إلى تحويلها إلى مستوطنات للمليشيات التابعة للحرس الثوري».
ويتداول سوريون مصطلح التغيير الديموغرافي منذ اتفاقية «البلدات الأربع» عام 2018 التي أنجزها قائد فيلق القدس الإيراني السابق قاسم سليماني التي بموجبها دخل النظام بلدتين مهجرتين – الزبداني ومضايا – إلى الشمال السوري، وفك حصار جبهة فتح الشام (النصرة) عن بلدتي كفريا والفوعة الشيعيتين واللتين تعرضتا مع نبل والزهراء في ريف حلب لأعمال خطف وحصار ومنع دخول المواد الغذائية لعدة سنوات من قبل مقاتلي القرى السنية المحيطة والمنضوين في فصائل المعارضة.
وتتهم فصائل المعارضة السورية بالضلوع في هذه العمليات، إذ تمثل الاتفاقيات التي عقدتها فصائل المعارضة مع النظام السوري أداة من بين أدوات تغيير نسبة من التركيبة السكانية من خلال نزوح آلاف من السكان الأصليين من مناطق ريف دمشق وحمص ودرعا وغيرها إلى مناطق أكثر أماناً في الشمال السوري، أهمها اتفاقيات الغوطة الشرقية وحلب الشرقية وريف حمص الشمالي ومحافظتي درعا والقنيطرة.
وسوم: العدد 990