هل أنهى السيسي مهمته بتدمير مصر وإفلاسها وبيعها بالجملة والمفرق؟
خبراء: مبادلة الديون بأصول مصرية احتلال اقتصادي
في الوقت الذي يتخوف فيه مصريون من تفاقم عمليات بيع الشركات والمصانع والأصول الحكومية الرابحة والسباق الإماراتي السعودي على دمجها والاستحواذ عليها، فإنه ظهر ملف آخر يمس الأمن القومي المصري ويتعلق بمبادلة الديون الأجنبية بأصول سيادية واستراتيجية.
قبل نحو 10 أيام، وفي 7 آب/ أغسطس الجاري، كشفت مصادر لـ"عربي21"، عن لقاء جمع مسؤولين مصريين وصينيين بالعاصمة السويسرية جنيف لمناقشة مبادلة الديون الصينية على القاهرة المقدرة بنحو 8 مليارات دولار بأصول مصرية استراتيجية، بينها موانئ ومطارات.
وذلك إلى جانب مبادلة أصول بنحو 10 مليارات دولار، ليصبح إجمالي صفقات المبادلات بنهاية العام الجاري نحو 18 مليار دولار، وهو ما أثار المخاوف على منطقة قناة السويس الاقتصادية التي تنتشر فيها الشركات الصينية الحكومية والخاصة العملاقة.
لكن يبدو أن الأمر تعدى الاستحواذ الإماراتي والسعودي ومبادلة الديون الخليجية والصينية بأصول مصرية، إلى دخول دول أوروبية على خط مبادلة ديونها المستحقة لدى حكومة رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، الصديق الحميم والمشتري الدائم للسلاح من دول القارة العجوز.
والأسبوع الماضي راجت أنباء عن مفاوضات تجريها بعض الدول الأوروبية، بهدف مبادلة ديونها بأصول مملوكة للحكومة المصرية.. ومع التوجه الصيني نحو مبادلة ديونها لدى القاهرة بموانئ ومطارات كعادتها الدائمة مع العديد من الدول المدينة لها والتي استولت على مرافئ لها مثل سريلانكا وباكستان وبعض الدول الأفريقية.
"خطط قديمة"
مبادلة الديون الأوروبية بدأ الحديث عنها في نيسان/ أبريل 2019، حين أعلن وزير المالية محمد معيط، تأهيل ديون مصر المحلية للمقاصة الأوروبية باتفاق مع شركة "يورو كلير"، وجعلها مفتوحة أمام المستثمرين الأجانب بحلول تشرين الثاني/ نوفمبر 2021.
وقبل عامين، وفي حزيران/ يونيو 2020، أعلن "صندوق مصر السيادي"، أن الحكومة تسعى للتخلص من بعض ديونها الخارجية ببيع أصول حكومية لمستثمرين أجانب بالشراكة مع الصندوق.
وفي آب/ أغسطس 2021، أعلن السيسي، عن طرح أسهم شركة العاصمة الإدارية الجديدة بالبورصة المصرية، لجمع 4 تريليونات جنيه خلال عامين، لسد العجز المالي والوفاء بفوائد وأقساط الديون في موعدها.
وفي السياق، أعلنت الحكومة المصرية في حزيران/ يونيو الماضي، عن "وثيقة ملكية الدولة"، التي تتضمن خططا لبيع 65 بالمئة من الأصول الحكومية للقطاع الخاص خلال 5 سنوات.
"وضع قاتم"
أنباء مبادلة الديون الصينية والأوروبية بالأصول المصرية تأتي في وقت تعاني فيه مصر من أزمة مالية واقتصادية طاحنة، تفاقمت باندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، مع ارتفاع سعر الأغذية والحبوب والوقود، وهروب نحو 20 مليار دولار من الأموال الساخنة، مع حلول موعد أقساط ديون خارجية.
ووسط الحاجة إلى العملة الصعبة، لجأت مصر إلى حلين أحدهما بيع الأصول الرابحة لديها للمستثمرين العرب والأجانب، وثانيهما اللجوء إلى صندوق النقد الدولي في آذار/ مارس 2022، للحصول على قرض هو الثالث لها في عهد السيسي من المؤسسة الدولية.
لكن مع تعثر مباحثات الحكومة المصرية والصندوق على مدار 5 شهور، وسط مطالبات القاهرة بعمل تعديلات وإصلاحات هيكلية، فقد لجأ السيسي إلى قادة دول أوروبا، خاصة الرئيس الفرنسي ماكرون، لحث الصندوق على إسراع المباحثات ومنح مصر دفعة أولى سريعة لإنقاذ الوضع المتفاقم.
لكن، أصدقاء السيسي في أمريكا وأوروبا لم ينجحوا حتى الآن في تقديم أية إعانات عاجلة أو الضغط على الصندوق كما كانوا يفعلون لصالح السيسي في بداية عهده؛ بل إن دولا أوروبية بينها فرنسا وألمانيا تتوجه الآن نحو خطوة مبادلة ديونها لدى مصر بأصول سيادية مصرية.
"تدمير للاقتصاد"
الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى شاهين، أكد أن ما يثار عن طابور صيني وأوروبي وخليجي لمبادلة الديون الخارجية لمصر بالأصول الاستراتيجية، يعد "دمارا للاقتصاد المصري"، معربا عن أسفه من غياب الشفافية وأن "الحكومة المصرية لم تؤكد هذه الأنباء ولم تنفها".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "الأصول التي يجري بيعها للأجانب لها قيمتها وتأثيرها بالاقتصاد، ولها تراثها وتاريخها بين المصريين"، موضحا أن "كثيرا من الصناعات أنشئت من 40 و80 عاما، بل أنشأ بعضها الاقتصادي طلعت باشا حرب بالنصف الأول للقرن الـ20، مثل (غزل المحلة)، وغيرها".
شاهين، أعرب عن شديد أسفه "من وجود المصريين الآن في ورطة كبيرة جدا، وهي أنه لم يعد بيدهم أي قرار، وكما حدث بملفات وأزمات مثل مياه النيل وجزر تيران وصنافير وسيناء وغيرها.. لا قيمة لنا".
وعاود انتقاد صمت الحكومة وعدم شفافيتها، موضحا "أننا كخبراء.. لا نستطيع أن ننفي أو نؤكد برغم خروج العديد من الأخبار عن مبادلة الديون"، مبينا أنه كان لزاما أن "يخرج أي مسؤول يقول للشعب ماذا يحدث".
وختم بالقول إن هذا "يشير إلى أن الوضع الاقتصادي والمالي للدولة المصرية مزر جدا".
"حجم الديون"
وصل الدين الخارجي إلى 157.8 مليار دولار، وفق ما ذكره البنك المركزي في تموز/ يوليو الماضي، فيما تراجع احتياطي النقد الأجنبي ليصل إلى 33.14 مليار دولار نهاية تموز/ يوليو الماضي.
الحكومة المصرية، أصبح لزاما عليها دفع نحو 47 مليار دولار قيمة خدمة الدين حتى نهاية آذار/ مارس 2023، منها 12 مليار بنهاية أيلول/ سبتمبر المقبل و6 مليارات بنهاية كانون الأول/ ديسمبر المقبل، ثم 13 مليار دولار بنهاية آذار/ مارس 2023، ما جعل البلاد على حافة الخطر.
ووفقا لمقال للكاتب صابر طنطاوي، في موقع "نون بوست"، فإن الصين لن تكون الدولة الوحيدة التي ستبيع مصر لها أصولها لسداد ديونها، مشيرا إلى قائمة طويلة من الديون بينها 11.2 مليار دولار لصندوق النقد الدولي، و10.6 مليار دولار للبنك الأوروبي.
ولفت إلى أن للسعودية والإمارات والكويت 21.4 بالمئة من إجمالي الديون المصرية، ونحو 9.4 مليار دولار لـخمسة بنوك أعضاء بـ"نادي باريس"، منها ثلاثة لألمانيا، و2.5 من اليابان، و1.5 من فرنسا، و1.3 من أمريكا، و1.1 من بريطانيا، بحسب إحصاءات البنك المركزي بداية 2020.
وفي السياق أكد الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى يوسف، أن حجم الديون المصرية "أكثر من 170 مليار دولار بنهاية حزيران/ يونيو الماضي، بالإضافة لدين داخلي بـ6 تريليونات جنيه (أكثر من 310 مليارات دولار)".
وأوضح أن "الإجمالي يبلغ أكثر من 480 مليار دولار"، موضحا أنها هذه "ديون مباشرة"، مبينا أن هناك ديونا أخرى لـ"الهيئات الاقتصادية مثل هيئة قناة السويس، وشركات حكومية أخرى".
"احتلال اقتصادي خطير"
وفي رؤيته قال المستشار السياسي والاقتصادي الدولي حسام الشاذلي: "يجب علينا أن نتفهم بأن البوتقة الاقتصادية المصرية لها حدود وهيكل تحدد شكل استراتيجياتها وتحكمها، ولذلك فكما أؤكد دائما أن الحلول الاقتصادية التقليدية للمنظومة استنفدت ولم يعد هناك اختيارات".
الشاذلي الذي يرأس جامعة "كامبردج المؤسسية" بسويسرا، أضاف لـ"عربي21": "ولذلك بيع الأصول المصرية ورهنها الورقة الأخيرة بيد نظام فاشل اقتصاديا بكل الأصعدة، والذي منحته القروض ومازالت قبلة الحياة لنظام مات إكلينيكيا على الصعيد الاقتصادي منذ فترة طويلة".
وقال إن "مصر تعيش أفسد عصورها حيث طال الفساد والإفساد كل نواحي الحياة، وتم استهلاك كل الأدوات التي تأجلت على مر عقود مثل تعويم الجنيه، ورفع الدعم، وزيادة الأسعار، وبيع القطاعين العام والخاص، ومصادرة أموال بعض رجال الأعمال".
وتابع: "تفعيل القمع الأمني كأداة جباية، ورهن الأصول السيادية في بورصة (يوروكلير) التي تؤهل شروطها لاحتلال اقتصادي خطير"، موضحا أنه "بات جليا أن الاتفاقات المتعلقة برهن الأصول المصرية وبيعها قائمة حاليا على قدم وساق، وما يصل منها للناس أو يتسرب قليل القليل".
الشاذلي، أشار إلى أن "الأخطر من ذلك هو الشروط التي تحويها تلك الاتفاقيات، والتي من المفترض أن تناقش عبر برلمان منتخب، وأن يعرف عنها الشعب ويوافق عليها، لأنها تمس سيادة الدولة وأصولها وأمنها القومي".
وأكد أن "المقرضين والمشترين يعلمون أنهم يتعاملون مع نظام ديكتاتوري عسكري فاسد، لن يُعلن شروط اتفاقياته ولا يحكمه إلا رأي فردي، ولذلك يفرضون أسوأ شروط تضمن لهم السيطرة على مقدرات المصريين لأجيال قادمة؛ ويشترون مستقبل مصر وأرضها وأصولها بثمن بخس".
ويعتقد الشاذلي، في نهاية حديثه أن "الحل الوحيد لمصر سياسي يقوم على إسقاط نظام فاسد قمعي، يتبعه إصلاحات جذرية للاتفاقات الدولية، وإسقاط الديون، وبدء مرحلة جديدة من الشراكة الديمقراطية مع المجتمع الدولي
وسوم: العدد 994