نهاية إسرائيل الحتمية في عدوانيتها المرضية

للأفراد صفات تميزهم ، وللدول صفات تميزها ، وأظهر صفات إسرائيل عدوانيتها المرضية التي لا تفارقها مهما صغرت أو انعدمت مسوغاتها . دائما تتصيد داعيا لاعتداء ما على الفلسطينيين أو على من تراه عدوا لها من العرب . والذي لا تعتدي عليه علنا بالسلاح تعتدي عليه سرا بالتجسس والمكايد المتنوعة . وهي في هذا النزوع المرضي للعدوان تشبه العقرب التي لا بد أن تلدغ من تقترب منه مع أن موتها في لدغه . وفي قصة رمزية أن عقربا توسلت إلى ضفدع لتعينها في عبور جدول ماء ، فوافقت الضفدع في شهامة وسخاء ، فركبت العقرب على ظهرها ، وقبل اجتياز الجدول فوجئت الضفدع بالعقرب تلدغها ، فسألتها مذهولة في احتضارها : لم لدغتني ؟! 

فردت العقرب : طبيعتي . ماذا أفعل فيها ؟! 

ومنشأ عدوانية إسرائيل في ولادتها اغتصابا لوطن الفلسطينيين . اغتصبته بالقوة المعتدية المؤازَرة من قوى عالمية كبرى وخيانات عربية خانعة ، وما زالت هذه القوى وهذه الخيانات تؤازر القوة الإسرائيلية المعتدية أشد مما آزرتها عند ولادتها ، وبمجاهرة لا خجل فيها ولا إنسانية  ترأف بضحاياها الفلسطينيين . وتدفع تلك المؤازرة إسرائيل إلى متابعة  عدوانيتها عليهم مختلقة لها مسوغات وهمية تلفقها بذاتها متى أحبت. عدوانها الأخير على غزة الذي مهدت له بحبس مستوطني الغلاف لم يكن له أي مسوغ عملي واقعي ، ويقر بهذا مسئولون وإعلاميون فيها ، وأن مسوغه الحقيقي اهتمام لابيد في تقديم نفسه رجلَ أمنٍ قادرا على حماية مستوطنيها ليكون ذلك ورقة مربحة له في انتخابات الكنيست  في مطلع نوفمبر المقبل ، ويقاسمه هذا الاهتمام الانتخابي وزير الدفاع بني غانتس . وفور توقف العدوان على غزة بادرت القوات الإسرائيلية إلى قتل ثلاثة فلسطينيين في نابلس أبرزهم  إبراهيم النابلسي قائد شهداء الأقصى فيها ، وجرحت في العملية 40 آخرين . وحجتها في كل اعتداءاتها حماية مستوطنيها ، وأن من تقتله من الفلسطينيين إما أن يكون أطلق نارا مرة على جنودها ومستوطنيها أو أنه يخطط لذلك . وتشعر بالزهو والثقة المتمادية في نفسها إذا نجحت في جرائمها ، وتهدد بالمزيد والجديد منها . قال بني غانتس بعد العدوان على غزة : " سنشن في المستقبل هجمات إضافية إذا دعت الضرورة لحماية مواطني إسرائيل وسيادتها وبنيتها التحتية . ينطبق هذا على كل جبهة من طهران إلى خانيونس في قطاع غزة ... " ، وواضح أنه أخطأ بذكر خانيونس ، والأقرب لسياق كلامه أنه يقصد رفح آخر مدينة جنوبي قطاع غزة ، وهو إما  نسي فذكر خانيونس بدل رفح ، أو يجهل  أي المدينتين آخر قطاع غزة جنوبا . وقاسمه لابيد زهوه وثقته ، فبشر مستوطني دولته بأن " عملية مطلع الفجر أعادت زمام المبادرة والردع ... " . وتوفر حرية الرأي النسبية في إسرائيل مجالا لمخالفة آراء مسئوليها في ما يقومون به من أفعال أو يدلون به من أقوال ، وفي هذه المخالفة قال كوبي ميروم العقيد في الاحتياط للقناة الإسرائيلية الثالثة عشرة : " أعتقد أن ثمة إنجازا على مستوى الوعي للجهاد الإسلامي لا يمكن تجاهله .استطاعت إطلاق ألف صاروخ في ثلاثة أيام ، واستهدفت وسط البلاد والقدس ومطار بن جوريون "، واستهدافها المطار كاد يسقط طائرة مدنية . وكتبت " هآرتس " في افتتاحية لها أن العملية " برهان آخر على الفشل الكبير في السياسة الإسرائيلية تجاه غزة ... " . والسؤال الذي لا مفر من توجيهه لغانتس ولابيد : ما مبرر الزهو والثقة في الاقتتال مع حركة مقاومة فلسطينية صغيرة في غزة المعزولة المحاصرة ؟! الزهو والثقة من نصيب هذه الحركة ومن نصيب الشعب الفلسطيني لا من نصيب دولة هائلة التسليح مثل إسرائيل ، وتبسط عليها أكبر قوة عالمية ، أميركا ، جناحي حمايتها ، ويصادقها مصادقة ود ومصير عدد كبير من الحكام العرب العاصين لإرادات شعوبهم . المصادمة  الأخير بين إسرائيل وحركة الجهاد تبرهن بقوة على ضعف إسرائيل النفسي والمعنوي ، وتهورها وصبيانية قادتها ، وفي التضاد تبرهن بقوة على صلابة نفسية حركة الجهاد ، وسعة أفق معنويتها  التي هي تجسيد لصلابة نفسية الشعب  الفلسطيني وسعة أفق معنويته ،  أدارت فعالياتها القتالية وتأدياتاها الإعلامية والسياسية في أيام العدوان الثلاثة في شجاعة وانضباط وحذق ومسئولية لا تتوفر في دول .   وفضحت فيدويوهات هلع مستوطني إسرائيل وضيق صدورهم بما فرض عليهم من حظر الحركة قبل العدوان وأثناءه ؛ سرعة وسهولة انقصامهم النفسي . رأينا جنودا في الغلاف يفرون عند سماع صفارات  الإنذار ، ورأينا مستوطنين يفرون أنصاف عراة صارخين مستغيثين . وفي يافا سمعنا فلسطينيين يكبرون عند سماعهم صوت الصاروخ القادم من غزة ،ويسخرون من المستوطنين الصارخين المستغيثين ، والصاروخ عند سقوطه لن يميز بين فلسطيني ومستوطن ، لكنه الفرق بين القلوب والنفوس . وشبه فلسطيني في يافا المستوطنين الهلعين الراكضين بالكلاب .  الحكم على سلوك الأفراد والمجتمعات والدول لا يكون علميا صحيحا إذا أهمانا مؤثرات جذور هذا السلوك ، وجذور عدوانية إسرائيل المرضية التي لا تستطيع التخلي عنها مهما اكتنفتها ظروف الهدوء والسلام ؛ في نوعية ولادتها اغتصابا لوطن الفلسطينيين بالقوة المعتدية ، وبالمؤازرة المتآمرة من قوى عالمية كبرى وخيانات عربية خانعة مستذلة إلا أن قوة إسرائيل المعتدية تتراجع منكسرة أمم جزء صغير من قوى المقاومة العربية مجسدة  في حزب الله وفي المقاومة الفلسطينية وسوريا وجماعة أنصار الله  المعززة بالقوى الإسلامية في إيران ، وبسالة هذه القوى وثباتها سيجعلان عدوانية إسرائيل المرضية وسيلة فعالة في صنع نهايتها المحتومة . وله مدلوله أن يتساءل بعض الإسرائيليين عن سعة سوء حالهم ومآلهم لو كانت حرب الأيام الثلاثة في غزة مع حزب الله وحماس مضافين إلى حركة الجهاد . والقوة الفلسطينية التي لا قاهر لها هي الملايين الفلسطينية الثمانية بين النهر والبحر التي تفوق ملايين المستوطنين الإسرائيليين  الستة ،  والملايين الفلسطينية مفتوحة الأبواب على زيادة سريعة لا تجاريها عددا  هجرة مستوطنين جدد من الخارج . المشروع الصهيوني الذي أنتجته خرافة الأرض الخالية يقترب من مواجهة عواقب تلك الخرافة التي يجتهد متوحشا في الفرار منها بالاعتداء المتصل على الفلسطينيين ومن يعاديه من العرب والمسلمين . في حكاية رمزية أن كلبا ابتلع منجلا فبات قدرا عليه محتوما أن توافيه لحظة إخراجه ، وفي تلك اللحظة طلوع روحه وموته ، وهذه حال المشروع الصهيوني . ستوافيه لحظة إخراج المنجل الفلسطيني الذي ابتلعه لتطلع عندها روحه الآثمة الدموية ويموت .  

وسوم: العدد 995