التحليل السياسي، وتقدير الموقف السياسي، لا تغيب عنه الايديولوجيا، ولكنها تبقى المنيرة له وفيه
وأكتب هذا الكلام وأعلم انه سيقع موقعا حرجا على كثير من العقول والقلوب، ولكن إذا كان لا بد لنا من العمل، فيجب ان نتعلم..
وعندما استعمل مصطلح "الايديولوحيا" فإنما أقصد مقررات العقيدة، وعطاءات الشريعة بالنسبة إلينا نحن المسلمين..
مقررات العقيدة، وعطاءات الشريعة، يجب ان تظل حاضرة بالنسبة إلينا كالشمس تشرق من خلفنا فتنير أمامنا الطريق.
وإذا رأيتم المرء أو المرأة يعملون على تقدير "موقف سياسي" من "عدو" أو "خصم" أو "مخالف" فيكتفون بذكر النصوص الهادية، فاعلموا انهم في السياسة لا جاؤوا ولا راحوا.
أتحمل مسئولية كلامي، وأعلم انه لا يعجب الكثيرين، ولكنه الكلام الذي لا بد منه، في الزمان الصعب، والقرارات الصعبة. لا بد لكل شباب الإسلام وكهوله من أبنائه وبناته، أن يعووا هذا.
والأمر بيننا على ما قال عمر رضي الله عن عمر "خبنا وخسرنا إن لم يكن الله ورسوله أعلم"
نثبّت في الموقف الضنك، أقدامنا، ثم نستضيء بنور عقيدتنا وشريعتنا؛ ثم نصنع موقفنا، حسب معطيات لحظتنا، بحكمة وعقل وفطنة، إقداما أو إحجاما، تحقيقا أو درءً..
منذ أيام لفتتني عبارة لأحدهم أوردها على سبيل الاحتجاج قال، كلما حزب بعض الناس موقف، تذكروا أو ذكروا "صلح الحديبية"!! وأقول وكان في التاريخ الدبلوماسي للمسلمين، أكثر من ألف معاهدة هي في دلالتها مثل صلح الحديبية، ولكن أين الذين يتدبرون!!
لا تقل لي تريد أن تقول، لا أريد أن أقول غير الذي أقول، وأكتب في فضاء مفتوح، لا أبشر بغير العلم، ولا أحذر إلا من الجهل. وأريد لمن يريد أن يصنع وعيا أو قرارا ان يتعلم، ولا أصادر على أحد، ولا أريد لأحد ان يتوقف، ولا أريد من أحد أن يتأخر لأتقدم.
وبدأ تاريخ الاسلام الدبلوماسي بوثيقة المدينة المنورة، وتعزز بمعاهدة صلح الحديبية التي سماها ربنا فتحا مبينا، ثم كان وراء ذلك في تاريخ المسلمين ألف وأربع مائة عام من التاريخ الدبلوماسي، حروب وعلاقات ومعاهدات، وسنوات قوة وانتصار، وسنوات ضعف وانكسار، كل ذلك عاشه المسلمون، وتصرفوا فيه، خلفاء وسلاطين وأمراء وقادة، وكل ذلك سفر من العلم والتجربة والفهم يجب ان نتعلمه وأن نعيه، مقدمة لتدخلنا في صناعة قرارنا وموقفنا. وفي اللحظة الصعبة انفرد سيدنا خالد بصناعة موقف المسلمين يوم مؤتة، معتمدا على فقه الحرب واللحظة. قال له ولأصحابه بعض المسلمين يا فرار، وقال لهم رسول الله صلى الله وسلم عليه يا كرار..
"التاريخ الدبلوماسي" أحد مكونات علم السياسة الستة التي اعترفت به الأمم المتحدة يوم تم الاعتراف بعلم السياسة علما منذ ١٩٤٨.، وأسألك ماذا وعيت من التاريخ الدبلوماسي العام والخاص في حياة الناس.
والتاريخ الدبلوماسي يعني تاريخ الوقائع والعلاقات والحروب والهدن والمفاوضات والاتفاقات..
أن نتعلم التاريخ البلوماسي للعالم أجمع جميل، وفي كل واقعة أنموذجا وتجربة، ولكن أن أتعلم التاريخ الدبلوماسي لأمتي وقومي فهذا أمر أكثر ضرورة ولاسيما لمن يريد أن يحلل ويركّب ويركب "مفهوم"..
ولكل مرحلة من مراحل القوة والضعف أحكامها وتشريعاتها ورجالها وأصحاب قرارها. وأن نخفظ كلاما من عصر المعتصم ونحن نعيش عصر المستعصم، يعني أننا إلى زوال، وما زلت كلما استرجعت ما أقدم عليه المستعصم أكرر أنه كان الزراية على بني العباس.
قراءتنا للتاريخ البلوماسي في وثائقها وصكوكهاالعلمية، وسيرورتها التاريخية، وتقلباتها وعطاءاتها وإحسان المحسن وإساءة المسيء من قادة هذه الأمة يعني أننا نتعلم..، ونثقف عقولا، ونطلق آفاقا، ونستفيد من تجارب..
كتبت أكثر من مرة عن ملك "ميافارقين" المدينة الصغيرة، وهي اليوم "سلوان" التركية، المدينةًالصغيرة التي صمد ملكها رحمه الله تعالى سنة كاملة في وجه الغزو المغولي، ولم تصمد بغداد أربعين يوما؟ وصمدت ميافارقين أكثر مما صمدت بغداد وحلب وحماة وحمص ودمشق!! على مثل اللملك الصالح يبكي الباكون، وبعد ان تمكن هولاكو من ملكها، صلبه، وأخذ يقطع من لحمه ويقليه في المقلاة ويطعمه منه!!
التاريخ الدبلوماسي يعلم الرجولة والحكمة ولا يعلم الفسولة ولا الضعف أبدا ..
أردت أن أعلّم وأن أؤكد، وقطعا للطريق على المتربصين، أن التاريخ الدبلوماسي، لا يعلمنا الاسترخاء ولا الارتخاء ولا الإخلاد إلى الأرض، ولا القبول بالدنية، ولكنها يعلمنا الإباء والشمم والصبر والمصابرة والثبات والكر إذا اضطررنا إلى أخيه..
التاريخ الدبلوماسي يعلمنا كيف استرجع المسلمون مواقعهم يوم اليرموك، وكيف انتصروا يوم الحديقة، وكيف كان الأمر في ملاذكرد وفي الزلاقة ويوم خطين ويو نصر المنصورة وو.
التاريخ الدبلوماسي يعلمنا كيف يبسط كل واحد منا خريطة المعطيات أمام عينيه ويعيد التفكير مرة بعد مرة بعد مرة. قبل أن يظل يكرر نصوصا تأويلها في غير هذا الموطن.
يضع الانسان العاقل جميل وعد الله أمام عينيه، ولكنه يفكر في الواقع، ومن خلال معطياته اللحظية، يأخذ قراره، الذي يمليه علم اللحظة التي هي فيه، وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفك تآلب الأحزاب على المدينة، ففاوض غطفان على ثلث ثمارها. ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يشك بحتمية نصر الله، أي درس هذا؟؟؟
كنت طالبا في الجامعة عندما قرأت "سيرة الناصر صلاح الدين" لابن شداد، ورأيته حقا كحصان امرئ القيس في الساحة "مكر مفر مقبل مدبر معا"، يومها شعرت كم يكذب إعلامنا الوطني علينا، وقرأت كتاب الاعتبار لابن منقذ وهو بعض التاريخ الدبلوماسي، ثم قرأت مذكرات السلطات عبد الحميد على صغر حجمها فتعلمت الكثير.
جميل عندما نشعر بالوهن وبالضعف أن نخاطب أنفسنا: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) فنستصحب شعور القوة، جميل أن نستحضر قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) ونحن نضرب في الأرض، ولكن من الضروري أن نعرف ما في جعبتنا من طلقات، وما في جيبنا من نقود قبل ان نتوجه إلى الميدان، أو إلى السوق.
رصاص المانحين لا يصنع نصرا قالها بعض الناس منذ عشر سنين.
(وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ)
انتهى الكلام..
وسوم: العدد 1003