للإسرائيليين: لماذا تحتفلون باستقلالكم وتنسون شعباً أنتم سبب نكبته؟
هذا هو جوهر روح العصر الإسرائيلية: الدفع قدماً بالاقتحام الهستيري والتمرغ بكل جنون في الحداد والعبادة المجنونة للموت والقتل في يوم الذكرى. بعد ذلك، عربدة قومية وعسكرية بطائرات ذاتية الدفع وأطنان اللحوم المتفحمة في عيد الاستقلال. كل شيء بدون سبب، لا فيما يتعلق بالأموات ولا بما يتعلق بمن هم على قيد الحياة ولا حتى فيما يتعلق بالجسد. لا توجد دولة تحد على موتاها وتحتفل بإنجازاتها بهذا الشكل، الحقيقية والوهمية؛ باستثناء الصديقة الجديدة تركمانستان، التي يبدو الاحتفال القومي فيها مثل إشعال الشعلات عندنا.
ظهرت من بين كل هذه القذارة بداية أمل في هذه السنة. مظاهر الاحتجاج في كل مكان، بما في ذلك في الهياكل الجديدة عندنا، المقابر العسكرية، و15 ألف شخص في احتفال الذكرى البديل ثنائي القومية، هم مصدر الأمل الجديد. هذه بداية مترددة وخائفة وغير منطقية وغير حازمة لما كان يجب أن يكون في يوم الذكرى وفي عيد الاستقلال. ولكنها البداية.
إسرائيل تحد على أمواتها، عليهم فقط، وكأنهم ضحايا ساذجين وأبرياء لقوة الشر، المجهولة والخفية والتي كل هدفها ممارسة القتل والإضرار بها، هي البريئة والطاهرة. إسرائيل تحتفل بإقامتها واستقلالها مع المعرفة بأنها تفعل ذلك على حساب قوة الشر هذه وحياتها وممتلكاتها وحريتها وعلى حساب كرامة شعب آخر. مشكوك فيه إذا كان هناك المزيد من الأعياد الوطنية التي يتم الاحتفال بها على حساب كارثة شعب آخر، مع السحق المطلق لأي مظاهر على استقلاله.
هذه الأمور تشتد عندما يعيش معظم ضحايا الكارثة الوطنية للأمة الأخرى وأحفادها – نفس الكارثة الوطنية التي تحتفل بها إسرائيل بسرور – تحت حكمها. صحيح، هذا هو يوم نكبتهم الذي لم ينته حتى الآن. كارثة فظيعة ومخيفة، كارثة صغيرة. صحيح، يمكننا الحداد على أمواتنا والاحتفال أيضاً باستقلالنا من خلال الاهتمام بذلك، ولكن عندما ينقص الشعب الأمن الشخصي، وعندما يعرف أن هناك أمراً سيئاً حدث إضافة إلى جميع الأمور الجيدة، وأن النار ما زالت تشتعل وتتسرب من تحت البساط، عندها سيدوس على أي شيء يذكره بذلك.
كان يمكن أن يكون هذا مختلفاً، وكان يجب أن يكون مختلفاً. إسرائيل قوية وبالغة بما فيه الكفاية كي تخلي المكان أيضاً لأحاسيس الآخرين، باستثناء أحاسيسها الدينية، القومية والمتطرفة. في نهاية المطاف، اليهود لا يعيشون وحدهم، وأيضاً ليس في دولتهم. لا يمكن الاحتفال بعيد الاستقلال دون التحدث عن النكبة. ولا يمكن القيام بالحداد على الموتى دون سؤال لماذا قتلوا. ولا يمكن تجاهل الموتى الآخرين، ضحايانا؛ يمكن ويجب علينا احترام مشاعر من يقومون بالحداد عليهم ويعتبرونهم أبطالاً.
عشية يوم الذكرى في هذا الأسبوع، زرت المقبرة في مخيم جنين للاجئين. قبور عشرات الشهداء الجدد في السنة الأخيرة والملعونة في المخيم تشبه بالضبط قبور جنودنا، وأيضاً الأم الثاكلة التي روت الزهور على قبر ابنها الندي تشبه الأم الثاكلة عندنا.
ذات يوم، عندما ستؤمن إسرائيل بعدالتها يمكنها حينئذ البدء أخيراً بالاطلاع على القصة الكاملة، وحتى احترامها. فهي ستكف عن تلقين نفسها بدعاية الكذب التي تتحدث لنفسها ولغيرها، وستنظر مباشرة في عين الحقيقة.
عندها يمكنها الاحتفال بالأحداث الوطنية بطريقة مختلفة: يوم ذكرى أيضاً لشهداء الشعب الآخر، نصب تذكارية ولافتات تتحدث عن روايته وتحترم تاريخه. يوم ذكرى للإسرائيليين في جبل هرتسل ويوم ذكرى للفلسطينيين في مقبرة الشيخ مؤنس الضائعة. منصات تسلية في عيد الاستقلال في المدن اليهودية واعتصامات ذكرى لشهدائهم في البلدات العربية. أعلام إسرائيل بجانب أعلام فلسطين، الأعلام السوداء للاحتجاج بينهم. هذا حتى قبل إقامة الدولة الديمقراطية الواحدة التي سيصبح فيها هذا الحلم حقيقة.
وسوم: العدد 1030